0 / 0
72,66815/07/2019

الواجب على من استبدل ذهبا بذهب مع دفع الفارق نقودًا

السؤال: 291174

أعجبنى عقد ذهبى عند الصائغ ، فذهبت له بغويشتين ، وأخبرته أننى أريد العقد ، فوزن الاثنين ، ثم قال لى : إنه يريد الفرق 3250 جنيه ، فدفعتهم ، وأخذت العقد ومشيت ، ثم قالت لى أمى : إنها سمعت أن ذلك ربا ، ولكنها لا تعرف الحقيقة ، فبحثت ، ووجدت نصا صحيحا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعدت للصائغ ، وأخبرته أنى لا أريد العقد ، فقال لى : سأحلها لك أعطني العقد ، وأعطانى ثمن الغويشتين فقط ، ولم يعطينى الفارق المدفوع ، وقال : انظري لمالك لتعرفى ثمنهم فعددت المبلغ ، فقال لى : وأنت أعطيتينى بالسابق 3250 جنيها ، فإذن خذى العقد ، فقلت له : يعنى هى سهلة لهذه الدرجة ؟ قال : والله هكذا الأمر ، ولن أكذب عليك ، وأنا اشتريته بعد أن حلمت به طويلا ، ووفرت المبلغ ، ولكننى لا أريده ، ولن أرتديه حتى أتاكد هل صحيح ما فعلناه أم لا ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا: 

لا يجوز بيع الذهب بالذهب ولا الفضة بالفضة إلا مثلا بمثل ، يدا بيد ؛ لما روى مسلم (1584) (1587) عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:   الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ ، مِثْلًا بِمِثْلٍ ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ ، يَدًا بِيَدٍ ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ ، فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ ، إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ ) ، وفي رواية أبي سعيد: ( فمن زاد أو استزاد ، فقد أربى ، الآخذ والمعطي سواء  .

ولما جاء عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : ” أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْمَلَ رَجُلًا عَلَى خَيْبَرَ ، فَجَاءَهُ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :   أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا؟  ، قَالَ : لاَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا لَنَأْخُذُ الصَّاعَ مِنْ هَذَا بِالصَّاعَيْنِ ، وَالصَّاعَيْنِ بِالثَّلاَثَةِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :   لاَ تَفْعَلْ ، بِعْ الجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ ، ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا   رواه البخاري (2201)،  ومسلم (1593).

 و(الجمع) نوع رديء من التمر ، و(الجنيب) نوع جيد .

وعلى هذا ذهب أكثر العلماء إلى أنه لا يجوز استبدال الذهب بالذهب مع دفع فارق القيمة لكون أحدهما أكثر وزنا ، أو لكون أحدهما  مصاغا والآخر ليس مصاغًا ؛ لوجود التفاضل في الوزن أو القيمة .

قال ابن عبد البر: ” والسنة المجتمع عليها أنه لا يباع شيء من الذهب عيناً كان أو تبراً ، أو مصوغاً ، أو نقرة ، أو رديئاً ، بشيء من الذهب إلا مثلاً بمثل يداً بيد ، وكذلك الفضة عينها ومصوغها وتبرها والبيضاء منها والسوداء ، والجيدة والرديئة سواء ، لا يباع بعضها ببعض إلا مثلاً بمثل يداً بيد ، من زاد أو نقص في شيء من ذلك كله أو أدخله نظرة [أي : تأجيل للثمن أو لقبض الذهب] فقد أكل الربا ” انتهى.

وقال ابن رشد في “البيان والتحصيل” (6/ 444) : ” لم يجز مالك ولا أحد من الصحابة شراء حلي الذهب أو الفضة بوزن الذهب أو الفضة وزيادة قدر الصياغة ” انتهى.

وقال ابن هبيرة : ” أجمع المسلمون على أنه لا يجوز بيع الذهب بالذهب منفرداً ، والورق بالورق منفرداً ، تبرها ومضروبها وحليها إلا مثلاً بمثل ، وزناً بوزن ، يداً بيد ، وأنه لا يباع شيء منها غائب بناجز ” انتهى.

وقال النووي : ” قال أصحابنا لا يجوز بيع الذهب بالذهب متفاضلا، ولا الفضة بالفضة كذلك ، سواء كانا مصوغين أو تبرين أو عينين ، أو أحدهما مصوغا والآخر تبرا أو عينا ، أو جيدين أو رديئين ، أو أحدهما جيدا والآخر رديئا ، أو كيف كان ، وهو مذهب الأوزاعي وأبي حنيفة وأحمد وأكثر العلماء ، وعلى ذلك مضى السلف والخلف ” انتهى من “المجموع شرح المهذب” (10/ 83).

وقال ابن قدامة رحمه الله في “المغني” (4/29) : ” والجيد والرديء ، والتبر والمضروب ، والصحيح والمكسور ، سواء في جواز البيع مع التماثل ، وتحريمه مع التفاضل ، وهذا قول أكثر أهل العلم ، منهم أبو حنيفة والشافعي . وحُكي عن مالك جواز بيع المضروب بقيمته من جنسه ، وأنكر أصحابه ذلك ، ونفوه عنه ” انتهى .

وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي : ” لا يجوز بيع المصوغ من الذهب أو الفضة بجنسه بأكثر من وزنه ، ودليل ذلك : ما صح عن جماعة من أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنه – صلى الله عليه وسلم – صرح بتحريم بيع الفضة بالفضة، والذهب بالذهب ، إلا مثلا بمثل ، وأن من زاد أو استزاد فقد أربى .

وقد أخرج البيهقي في ” السنن الكبرى ” عن مجاهد أنه قال : كنت أطوف مع عبد الله بن عمر فجاءه صائغ فقال : يا أبا عبد الرحمن ، إني أصوغ الذهب ، ثم أبيع الشيء من ذلك بأكثر من وزنه ، فأستفضل في ذلك قدر عمل يدي فيه ، فنهاه عبد الله بن عمر عن ذلك ، فجعل الصائغ يردد عليه المسألة ، وعبد الله بن عمر ينهاه ، حتى انتهى إلى باب المسجد أو إلى دابته يريد أن يركبها.

ثم قال عبد الله بن عمر : الدينار بالدينار ، والدرهم بالدرهم لا فضل بينهما ، هذا عهد نبينا – صلى الله عليه وسلم – إلينا وعهدنا إليكم .

ثم قال البيهقي : وقد مضى حديث معاوية ، حيث باع سقاية ذهب أو ورق بأكثر من وزنها ، فنهاه أبو الدرداء ، وما روي عن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – في النهي عن ذلك ” انتهى من “أضواء البيان” (1/180).

 وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز :

“أتى رجل ليشتري مني ذهبا ويبيعني ذهبا ، فكان ثمن ذهبه مائتي ريال مثلا وثمن ذهبي ثلاثمائة ريال ، فأعطيته نقدا قيمة ذهبه ثم أخذت منه قيمة ذهبي ولم نفترق فهل يجوز هذا أم أنه لا بد أن نفترق بين البيعة والأخرى ؟

فأجاب – رحمه الله-:

ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث عبادة ومن حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنهما وغيرهما أنه قال : ( الذهب بالذهب مثلا بمثل ، سواء بسواء ، يدا بيد فمن زاد أو استزاد فقد أربى ) ، فإن أراد الإنسان أن يبيع ذهبا على صائغ بذهب آخر أو على غيره فلا بد أن يكون الذهب متماثلا متساويا وزنا بوزن مثلا بمثل ، فيبيع عليه ذهبه بثمن مستقل ويقبضه منه ، ثم بعد هذا يشتري ذهبا آخر.

أما أن يبيعه ذهبا بذهب ، والزيادة من النقود : فلا يجوز .

ولكن الطريق الشرعي : أن يبيع الذهب الذي عنده الرديء أو الطيب ، ثم يقبض الثمن عنه ، ثم بعد ذلك يشتري منه ما شاء من الذهب الآخر بقيمته من نقود ، من ورق أو فضة يدا بيد ، لا يتفرقان حتى يستلم كل واحد حقه ، البائع يسلم الذهب ، والمشتري يسلم النقود من الفضة ، أو من الورق ، أو العملة المعروفة دولارا ، أو ريالا سعوديا أو غير ذلك ” انتهى من “مجموع فتاوى ابن باز” (19/161).

ويدل لذلك حديث أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما المتقدم ، في بيع التمر الرديء بالدراهم ، ثم شراء تمر جيد بالدراهم .

ثانيًا: 

من استبدل ذهبا بذهب ، ودفع نقودًا لوجود فارق في الوزن بين الذهبين : فقد وقع في الربا ، وفسدت المعاملة ، وكان البيع مفسوخًا ، ورجع لكل من المتبايعين ما دفع .

وقد روى أبو داود (3351) عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ، قَالَ: “أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ خَيْبَرَ بِقِلَادَةٍ فِيهَا ذَهَبٌ وَخَرَزٌ – قَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ مَنِيعٍ : فِيهَا خَرَزٌ مُعَلَّقَةٌ بِذَهَبٍ –  ابْتَاعَهَا رَجُلٌ بِتِسْعَةِ دَنَانِيرَ ، أَوْ بِسَبْعَةِ دَنَانِيرَ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  لَا ؛ حَتَّى تُمَيِّزَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ ، فَقَالَ: إِنَّمَا أَرَدْتُ الْحِجَارَةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا ، حَتَّى تُمَيِّزَ بَيْنَهُمَا  .

قَالَ: فَرَدَّهُ ، حَتَّى مُيِّزَ بَيْنَهُمَا “.

وقَالَ ابْنُ عِيسَى: أَرَدْتُ التِّجَارَةَ ، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: ” وَكَانَ فِي كِتَابِهِ الْحِجَارَةُ فَغَيَّرَهُ، فَقَالَ: التِّجَارَةُ “. والحديث صححه الألباني.

 قال ابن المنذر : ” وقد أجمع عوام علماء الأمصار ، منهم مالك بن أنس ومن تبعه من أهل المدينة ، وسفيان الثوري ومن وافقه من أهل العراق ، والأوزاعي ومن قال بقوله من أهل الشام ، والليث بن سعد ومن وافقه من أهل العلم ، والشافعي وأصحابه ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور والنعمان ، ويعقوب ، ومحمد : على أنه لا يجوز بيع ذهب بذهب ولا فضة بفضة ، ولا بر ببر ، ولا شعير بشعير ، ولا تمر بتمر ، ولا ملح بملح ، متفاضلاً ، يداً بيد ، ولا نسيئة .

وأن من فعل ذلك فقد أربى ، والبيع مفسوخ ” انتهى من “الإشراف على مذاهب العلماء “لابن المنذر (6/ 56).

لذلك فإنك قد أصبت عندما عدت إلى البائع ، وطلبت منه إرجاع العقد ؛ لما علمت أن هذا البيع منهي عنه .

وليس الأمر كما فعله البائع ، ولا هو بهذه الصورة التي تشبه اللعب ، بل كان الواجب أيضا أن تأخذي الفارق الذي دفعتيه مع ثمن ( الغويشتين )، ولا يبقى بينكما علقة .

ثم إن شئت أن تشتري العُقد ، بعد ذلك ، من هذا البائع ، أو من غيره : فيكون شراء جديدا ، بعقد (اتفاق) جديد ، بسعر اليوم الذي تشترين فيه، لا بسعر الأمس، لو كان بينهما فرق.

أما ما فعله البائع من إعطائك ثمن ( الغويشتين ) ، ثم أخذ ثمنهما منك مرة أخرى ؛ فلا يكفي للدلالة على فسخ البيع، وعقده مرة أخرى، لا سيما لو اختلف سعر الذهب عن وقت الشراء السابق.

وأيضا: ففعل البائع أقرب الصورية، والاستخفاف بالربا، مما يبعد معه تصور فسخ عقد، وإنشاء عقد آخر.

ولهذا نرى أن تعودي للبائع مرة أخرى ، وتخبريه أنك فسخت هذا البيع، لحرمته، وتأخذين مالك كاملا.

ثم إن شئت أن تشتري العقد، فأخبريه أنك تريدين شراءه، ولو جعلت بين الفسخ والشراء زمنا، كان هذا حسنا.

والأحسن من ذلك كله ، والأحوط لك ، والأبرأ لذمتك : أن تشتري من غيره ، إن كان عنده طلبك، أو تبيعي لغيره ، وتشتري منه، ليظهر الجد في الفصل بين العقدين، وعدم الوقوع في الربا، أو شبهة المواطأة عليه؛ خاصة مع ظهور استخفاف الرجل بالأمر، وعدم جده ، وتحريه.

سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:

” ما الحكم في أن كثيراً من أصحاب محلات الذهب يتعاملون بشراء الذهب المستعمل (الكسر) ثم يذهبون به إلى تاجر الذهب ويستبدلونه بذهب جديد مصنع وزن مقابل وزن تماماً ويأخذون عليه أجرة التصنيع للذهب الجديد؟

فأجاب:

” ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال (الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والتمر بالتمر والشعير بالشعير والملح بالملح مثلاً بمثل سواء بسواء يداً بيد) .

وثبت عنه أنه أُتي بتمر جيد ، فسأل عنه ، فقالوا كنا نأخذ الصاع من هذا بالصاعين والصاعين بالثلاثة، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم، برد البيع وقال هذا عين الربا. ثم أرشدهم أن يبيعوا التمر الرديء بالدراهم ثم يشتروا بالدراهم تمراً جيداً.

ومن هذا الأحاديث تأخذ : أن ما ذكره السائل من تبديل ذهب بذهب ، مع إضافة أجره التصنيع إلى أحدهما : أنه أمر محرم لا يجوز ، وهو داخل في الربا الذي نهي النبي صلى الله عليه وسلم، عنه.

والطريق السليم في هذا : أن يباع الذهب الكسر بثمن ، من غير مواطأة ، ولا اتفاق .

وبعد أن يقبض صاحبه الثمن : فإنه يشتري الشيء الجديد .

والأفضل : أن يبحث عن الشيء الجديد في مكان آخر .

فإذا لم يجده ، رجع إلى من باعه عليه ، واشترى بالدراهم ، وإذا زادها فلا حرج .

المهم أن لا تقع المبادلة بين ذهب وذهب مع دفع الفرق ، ولو كان ذلك من أجل الصناعة ..”. انتهى، من “فتاوى إسلامية” (2/354).

وإذا تعذر الرد، لفوات ذهبك الذي أعطيتيه له: فنرجو ألا يكون عليك بأس بما سبق، قبل علمك بتحريم ذلك.

وينبغي نصح هذا البائع باجتناب الربا ، وبيان خطره، وتحري الحلال، وما يلزمه من أحكام البيع والشراء، وألا يأخذ الأمر بمحمل الاستخفاف واللعب .  

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android