كيف أدرس الفقه الشافعي؟ أنا عندي منهج ، لكنني أريد معرفة طريقة القراءة هل هي بالحفظ أم بالفهم؟. لا أريد أن أفتي الناس ، لكنني أريد فقط أن أدرس الفقه الشافعي لنفسي ؛ حتى أعرف الأحكام ، وأطبقها على نفسي ، لأنمعظم الكتب التي قرأتها لم أحفظها.
يرغب في تعلم الفقه، وهل المطلوب الحفظ أم الفهم؟
السؤال: 291684
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
لا تعارض بين الحفظ والفهم في طلب العلم ، بل هما أمران لازمان لطالب العلم، يكمل أحدهما الآخر.
والفهم هو المقصود من طلب العلم ، والحفظ وسيلة إلى الفهم ، ووسيلة إلى تثبيت العلم .
قال ابن عبد البر رحمه الله تعالى:
” الذي عليه جماعة فقهاء المسلمين وعلمائهم: ذم الإكثار – من حفظ الحديث – دون تفقه ولا تدبر ” انتهى من “جامع بيان العلم” (2 / 1013).
وقال:
” أما طلب الحديث على ما يطلبه كثير من أهل عصرنا اليوم، دون تفقه فيه ، ولا تدبر لمعانيه: فمكروه عند جماعة أهل العلم ” انتهى من “جامع بيان العلم” (2 / 1020).
فلذا يجب تفهم النص المراد حفظه، حتى يحفظ على وجه صحيح من غير لحن ولا تحريف فيه.
ثم يحفظ هذا النص لكي لا ينسى هذا الفهم والفقه الذي استفاده؛ فالحفظ وسيلة لصيانة العلم من الضياع.
عن زَيْد بْن ثَابِتٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ غَيْرَهُ، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ رواه الترمذي (2656)، وقال: ” حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ “، ورواه أبو داود (3660)، وصححه الألباني في”صحيح سنن الترمذي”.
فمن اعتمد على الفهم وحده ، ولم يقيّده بالحفظ ، ولم يتعاهد هذا الحفظ بين الحين والآخر، فسينساه بمرور الأيام والليالي.
عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: تَعَاهَدُوا القُرْآنَ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لَهُوَ أَشَدُّ تَفَلُّتًا مِنَ الإِبِلِ فِي عُقُلِهَا رواه البخاري (5033) ، ومسلم (791).
قال ابن عبد البرّ رحمه الله تعالى:
” وفي هذا الحديث دليل على أن من لم يتعاهد علمه ذهب عنه ، أي من كان؛ لأن علمهم كان ذلك الوقت القرآن لا غير، وإذا كان القرآن الميسر للذكر يذهب إن لم يتعاهد، فما ظنك بغيره من العلوم المعهودة ” انتهى من “التمهيد” (14 / 133 – 134).
ثانيا:
الذي ينبغي لطالب العلم أن يجتهد في التعلم على يد شيخ موثوق بعلمه ودينه؛ لأن هذا يساعد على تصحيح الفهم، وبيان ما يستشكل، ويعين طالب العلم على الاستمرار فيه وعدم الانقطاع عن التعلم.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
” ولنيل العلم طريقان:
أحدهما: أن يتلقى ذلك من الكتب الموثوق بها، والتي ألفها علماء معروفون بعلمهم، وأمانتهم، وسلامة عقيدتهم من البدع والخرافات ، وأخذ العلم من بطون الكتب لا بد أن الإنسان يصل فيه إلى غاية ما. لكن هناك عقبتان:
العقبة الأولى: الطول، فإن الإنسان يحتاج إلى وقت طويل ، ومعاناة شديدة ، وجهد جهيد حتى يصل إلى ما يرومه من العلم، وهذه عقبة قد لا يقوى عليها كثير من الناس ، لا سيما وهو يرى من حوله قد أضاعوا أوقاتهم بلا فائدة ، فيأخذه الكسل ويكل ويمل ثم لا يدرك ما يريد.
العقبة الثانية: أن الذي يأخذ العلم من بطون الكتب علمه ضعيف غالبا، لا ينبني عليه قواعد أو أصول، ولذلك نجد الخطأ الكثير من الذي يأخذ العلم من بطون الكتب…
الثاني: من طرق تحصيل العلم أن تتلقى ذلك من معلم موثوق في علمه ودينه، وهذا الطريق أسرع وأتقن للعلم؛ لأن الطريق الأول قد يضل فيه الطالب وهو لا يدري إما لسوء فهمه، أو قصور علمه، أو لغير ذلك من الأسباب، أما الطريق الثاني فيكون فيه المناقشة والأخذ والرد مع المعلم ، فينفتح بذلك للطالب أبواب كثيرة في الفهم والتحقيق، وكيفية الدفاع عن الأقوال الصحيحة، ورد الأقوال الضعيفة، وإذا جمع الطالب بين الطريقين كان ذلك أكمل وأتم، وليبدأ الطالب بالأهم فالأهم، وبمختصرات العلوم قبل مطولاتها حتى يكون مترقيًا من درجة إلى درجة أخرى ، فلا يصعد إلى درجة حتى يتمكن من التي قبلها ليكون صعوده سليما ” انتهى من “العلم” (ص 52 – 53).
فإذا تيسر لك التلقي عن شيخ متقن للعلم الذي تطلبه، فسوف يعرفك هو بالمختصر المعتمد في محاضن التعليم في بلادكم ، فقد يختلف توجه الشيوخ في بلد ، واختيارهم لمختصر معين، عن شيوخ بلد آخر. ولا شك أن المصلحة في لزوم ما عليه التدريس في بلد ، وما يتقنه شيوخك، لأن هؤلاء هم الذين سيفتحون لك مغاليقه ، ويوضحون لك مراميه.
وإن لم يتيسر لك الوصول إلى شيخ ثقة في العلم والدين في مدينتك ، فيمكن تحصيل أهل العلم عبر وسائل التواصل الحديثة، فجمع من أهل العلم والفضل أنشؤوا منصات تعليمية مجانية تساهم في تقريب العلم لعامة المسلمين، ومن هذه المنصات: “أكاديمية زاد” على الرابط الآتي:
فيستحسن أن تلتحق ببرنامجها العلمي، فهو برنامج طيب وسهل ويحتوي على مناهج علمية وشروح لها، واختبارات تقييمية دورية.
ثالثا:
وعلى أية حال، فأشهر المتون المختصرة في الفقه الشافعي، للمبتدئين، هو: مختصر أبي شجاع، وعليه شروح كثيرة معروفة متداولة، وله شروح صوتية أيضا متاحة على الشبكة، إن لم يكن عندك شيخ تدرسه عليه.
ولهذا المتن نظم حسن، لشرف الدين العمريطي، وهو أيضا مشروح ، يمكنك حفظ النظم، إن شئت.
ويمكنك، إن كنت تحب حفظ النظم (الشعر)، أن تجعل بدلا من مختصر أبي شجاع، أو نظمه : متن الزبد، لابن رسلان، وهو أوسع شيئا من مختصر أبي شجاع، وهو متن حسن، معتمد للحفظ والتدريس في المذهب.
ومتى ضبطت ذلك، فحفظته، ووعيته، واستشرحته، ودرسته: أمكنك أن تتنقل لما هو فوق ذلك من معتمدات المذهب، وأشهرها، كما هو معروف: “المنهاج” للإمام النووي، وهو أشهر متون المذهب، تداولا، وتدريسا، واشتغالا.
ومتى حفظت شيئا من هذه المتون، فسوف تكون مطالعاتك في كتب المذهب بعد ذلك، تثبيتا، وتأصيلا، وفهما ، وتفهيما، وسوف تكون في مطالعاتك: كمن عنده رأس مال، وبضاعة يقوم عليها أمره: وهو محفوظك الذي تتعاهده، وتدرسه، ثم تحصل حوله بعد ذلك من الربح، والكسب: ما يسره الله لك، وتفصيل ذلك لا يلائمه مثل هذا الجواب، وقد جعل الله لكل شيء قدرا.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب