الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
روى الترمذي (741) وغيره: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: سَأَلَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: أَيُّ شَهْرٍ تَأْمُرُنِي أَنْ أَصُومَ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ؟
قَالَ لَهُ: مَا سَمِعْتُ أَحَدًا يَسْأَلُ عَنْ هَذَا، إِلَّا رَجُلًا سَمِعْتُهُ يَسْأَلُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَا قَاعِدٌ عِنْدَهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ شَهْرٍ تَأْمُرُنِي أَنْ أَصُومَ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ؟
قَالَ: إِنْ كُنْتَ صَائِمًا بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ فَصُمُ المُحَرَّمَ، فَإِنَّهُ شَهْرُ اللَّهِ، فِيهِ يَوْمٌ تَابَ فِيهِ عَلَى قَوْمٍ، وَيَتُوبُ فِيهِ عَلَى قَوْمٍ آخَرِينَ .
وهذا حديث ضعيف الإسناد، فقد تفرد بروايته عبد الرحمن بن إسحاق، وهو ابن سعد أبو شيبة الكوفي وقد ضعفه أهل العلم.
قال الذهبي رحمه الله تعالى:
” عبد الرحمن بن اسحق الواسطي أبو شيبة عن النعمان بن سعد ضعفوه ” انتهى. “المغني” (2 / 375).
وقال عبد الله ابن الإمام أحمد بن حنبل:
” سألت أبي عن عبد الرحمن بن إسحاق الكوفي، فقال: هذا يقال له: أبو شيبة وهو واسطي…
وهو الذي يحدث عن النعمان بن سعد عن المغيرة بن شعبة عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث مناكير، ليس هو بذاك في الحديث ” انتهى. ” العلل ومعرفة الرجال ” (2 / 353).
والنعمان بن سعد مجهول، فلم يرو عنه غير عبد الرحمن بن إسحاق وهو ضعيف.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
” النعمان بن سعد بن حبتة، وقيل: حبتر الأنصاري الكوفي.
روى عن: علي، والأشعث بن قيس، والمغيرة بن شعبة، وزيد بن أرقم.
روى عنه: ابن أخته أبو شيبة عبد الرحمن بن إسحاق الكوفي، ولم يرو عنه غيره فيما قال أبو حاتم.
وذكره ابن حبان في “الثقات”.
قلت: والراوي عنه ضعيف كما تقدم فلا يحتج بخبره ” انتهى. “تهذيب التهذيب” (4 /231).
فالحاصل أن إسناد هذا الحديث ضعيف، وقد نص على تضعيفه الشيخ الألباني رحمه الله في “ضعيف سنن الترمذي”، وكذا محققو “مسند الإمام أحمد” (2 / 441).
ثانيا:
ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ، في فضل الصيام في شهر الله المحرم: ما رواه مسلم في صحيحه (1163)؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَفْضَلُ الصِّيَامِ، بَعْدَ رَمَضَانَ، شَهْرُ اللهِ الْمُحَرَّمُ، وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ، بَعْدَ الْفَرِيضَةِ، صَلَاةُ اللَّيْلِ.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
” قوله: «وشهر المحرم» أي: يسن صوم شهر المحرم، وهو الذي يلي شهر ذي الحجة، وهو الذي جعله الخليفة الراشد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ أول شهور السنة، وصومه أفضل الصيام بعد رمضان، كما قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: ( أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم ) .
واختلف العلماء ـ رحمهم الله ـ أيهما أفضل صوم شهر المحرم، أم صوم شهر شعبان؟
فقال بعض العلماء: شهر شعبان أفضل؛ لأن النبي كان يصومه، إلا قليلاً منه ولم يحفظ عنه أنه كان يصوم شهر المحرم؛ لكنه حث على صيامه بقوله: ( إنه أفضل الصيام بعد رمضان ) .
قالوا: ولأن صوم شعبان ينزل منزلة الراتبة قبل الفريضة وصوم المحرم ينزل منزلة النفل المطلق، ومنزلة الراتبة أفضل من منزلة النفل المطلق، وعلى كل فهذان الشهران يسن صومهما، إلا أن شعبان لا يكمله.” انتهى، من “الشرح الممتع” (6/468).
وينظر جواب السؤال رقم: (21311)، ورقم: (204142).
وليست فضيلة الصيام في شهر المحرم خاصة بالعشر الأول منه ، ولا منه عشر أفضل من غيره ، إلا أن في العشر الأول صوم تاسوعاء ، وعاشوراء ، وقد ثبت في السنة فضيلته ، والترغيب في صومه.
وينظر جواب السؤال رقم: (21775)، ورقم: (21785).
وفيما عدا الصيام ، وفضله في المحرم : فلم يرد تخصيص العشر الأوائل من شهر محرم بمزيد من العبادة تفوق باقي أيام الشهر، بل ولا ثبت تخصيصه بشيء من العبادات، ولا ثبتت له فضيلة ، من هذا الوجه ، ولا خصوصية بالعبادة ، عن سائر الأشهر الحرم، التي هي أفضل شهور السنة .
وقد ورد في حديث لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه كان يعظم العشر الأول من المحرم.
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى؛ حيث قال:
” وقد وقع هذا في بعض نسخ كتاب “فضائل العشر” لابن أبي الدنيا: عن أبي عثمان، عن أبي ذر، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( أنه كان يعظم هذه العشرات الثلاث )، وليس ذلك بمحفوظ ” انتهى. “لطائف المعارف” (ص 88).
وقد ورد موقوفا عن أبي عثمان النهدي؛ ذكره محمد بن نصر المروزي؛ حيث قال:
” قَالَ هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا خَالِدٌ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ: “كَانُوا يُعَظِّمُونَ ثَلَاثَ عَشَرَاتٍ؛ الْعَشْرُ الْأُوَلُ مِنَ الْمُحَرَّمِ، وَالْعَشْرُ الْأُوَلُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَالْعَشْرُ الْأَوَاخِرُ مِنْ رَمَضَانَ” رواه المروزي كما في “مختصر قيام الليل” (ص 247).
وهذا خبر معلق، فمحمد بن نصر لم يدرك هشيم بن بشير، وبين وفاة هشيم، وولادة محمد بن نصر زمن طويل.
والحاصل:
أن الذي ثبت في فضيلة العبادة في شهر الله المحرم: إنما هو الترغيب في صومه ، وآكد ذلك : صوم تاسوعاء، وعاشوراء؛ وهما : التاسع والعاشر من شهر الله المحرم.
ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء زائد عن ذلك، فيما وقفنا عليه .
والله أعلم.