قرأت فتوى من الفقه الشافعي أن بلع الريق إذا تغير من أثر الطعام لكن عينه زالت من الفم جائز؛ لأن يشق التحرز منه، سؤالي هو: هل يجوز بلع الريق بعد السحور إذا تغير من أثر الطعام، لكن عين الطعام زالت جائز بنية ترطيب الحلق والتلذذ؟ علمًا أنه لا يفطر حسب الفتوى ومعفي عنه؟ أرجو الرد على سؤالي؛ لأنني أخاف على صيامي، وأقلق بشأن نيتي، رغم أني لا أريد الافطار أصلا، و لو قُدّم إلي طعام في نهار رمضان لن أكله، وإذا لا يجوز فهل علي قضاء الأيام التي فعلت ذلك فيها؟ علمًا أنني لم أكن أعرف الحكم وقتها تحديدًا.
هل يفطر بابتلاع ريقه إذا كان متغيرا بلون الطعام أو ريحه ؟
السؤال: 293609
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
المشهور من المذهب الإمام الشافعي التفريق بين ابتلاع الريق الذي تغير طعمه أو ريحه فإنه لا يفطر، وبين ابتلاع الريق الذي تغير لونه من أثر الطعام ، فإنه يفطر.
ووجه هذا التفريق: أن تغير الطعم أو الريح يكون بسبب مجاورته للطعام، لا لامتزاجه به، بخلاف تغير اللون.
قال النووي رحمه الله: في " المجموع " (6/354):
" وَلَوْ نَزَلَ طَعْمُهُ فِي جَوْفِهِ أَوْ رِيحُهُ دُونَ جِرْمِهِ: لَمْ يُفْطِرْ، لِأَنَّ ذَلِكَ الطَّعْمَ بِمُجَاوَرَةِ الرِّيقِ لَهُ، هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ" انتهى.
وقال أيضا:
"ابْتِلاعُ الرِّيقِ لا يُفْطِرُ بِالإِجْمَاعِ إذَا كَانَ عَلَى الْعَادَةِ، لأَنَّهُ يَعْسُرُ الاحْتِرَازُ مِنْهُ.
قَالَ أَصْحَابُنَا : وَإِنَّمَا لا يُفْطِرُ بِثَلاثَةِ شُرُوطٍ : ( أَحَدُهَا ) أَنْ يَتَمَحَّضَ الرِّيقُ ، فَلَوْ اخْتَلَطَ بِغَيْرِهِ وَتَغَيَّرَ لَوْنُهُ: أَفْطَرَ بِابْتِلاعِهِ، سَوَاءٌ كَانَ الْمُغَيِّرُ طَاهِرًا، كَمَنْ فَتَلَ خَيْطًا مَصْبُوغًا تَغَيَّرَ بِهِ رِيقُهُ , أَوْ نَجِسًا كَمَنْ دَمِيَتْ لِثَتُهُ، أَوْ انْقَلَعَتْ سِنُّهُ، أَوْ تَنَجَّسَ فَمُهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ: فَإِنَّهُ يُفْطِرُ بِلا خِلافٍ ; لأَنَّ الْمَعْفُوَّ عَنْهُ هُوَ الرِّيقُ لِلْحَاجَةِ ، وَهَذَا أَجْنَبِيٌّ غَيْر الرِّيقِ ، وَهُوَ مُقَصِّرٌ بِه… إلى آخره" انتهى من "المجموع" (6/317).
وذهب بعض الشافعية إلى أن ابتلاع الريق المتغير لونه بطعام أو غيره لا يفطر أيضًا.
ففي "إعانة الطالبين" (2/267) أن الأثر الباقي بعد شرب القهوة مما يغير لونه أو طعمه يضر ابتلاعه، ثم ذكر احتمال أن يقال بعدم الضرر، وعلله بأن مجرد اللون يجوز أن يكون اكتسبه الريق من مجاورته للأسود مثلا.
قم قال: "والحاصل الذي يؤخذ من كلامهم: أنه إن علم انفصال عين في الريق: ضر بالنسبة للصلاة والصوم، وإلا فلا، وإن تغير لونه أو ريحه، سواء كان بالصبغ أو بنحو تنبل.
فتنبه" انتهى.
وفي "شرح المقدمة الحضرمية" للدوعني (552)، في بيان قيود الريق الذي لا يفطر ابتلاعه:
" وبـ (الخالص): المختلط بما تغير به لونه أو طعمه أو ريحه، إن نشأت منه عين، بخلاف تغيره بمجاور؛ فلا يضر مطلقاً، كما أنه يضر بالمخالط مطلقاً." انتهى.
ولا شك أن الأحوط التحرز من الريق إذا كان لونه متغيرا، مطلقا؛ فإن دلالة اللون على بقاء جِرم الطعام فيه قوية.
فمن أكل شيئا مما له صبغ يؤثر في لون الريق، أو يبقى شيء منه على اللسان، فينبغي أن تحفظ بغسل فمه بالفرشاة والمعجون، ليزول أثر اللون من فمه، ويقطع مادة الوسواس في صحة العبادة عن نفسه.
فإن غلبه شيء، أو ما بقي ما لا يمكنه التحرز منه، فلا شيء عليه.
قال الشيخ سليمان الجمل، رحمه الله: " وَلَوْ بَقِيَ طَعَامٌ بَيْنَ أَسْنَانِهِ، فَجَرَى بِهِ رِيقُهُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ: لَمْ يُفْطِرْ، إنْ عَجَزَ عَنْ تَمْيِيزِهِ وَمَجِّهِ؛ لِعُذْرِهِ.
بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَعْجِزْ، وَوَصَلَ إلَى جَوْفِهِ: فَيُفْطِرُ؛ لِتَقْصِيرِهِ.
وَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْخِلَالُ [يعني: تنظيف أسنانه بالخلال ونحوها، كفرشاة الأسنان] لَيْلًا، إذَا عَلِمَ بَقَايَا بَيْنَ أَسْنَانِهِ يَجْرِي بِهَا رِيقُهُ نَهَارًا، وَلَا يُمْكِنُهُ التَّمْيِيزُ، وَالْمَجُّ؟
الْأَوْجَهُ، كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِمْ: عَدَمُ الْوُجُوبِ.
وَيُوَجَّهُ: بِأَنَّهُ إنَّمَا يُخَاطَبُ بِوُجُوبِ التَّمْيِيزِ، وَالْمَجِّ ، عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمَا، فِي حَالِ الصَّوْمِ. فَلَا يَلْزَمُهُ تَقْدِيمُ ذَلِكَ عَلَيْهِ. لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَتَأَكَّدَ ذَلِكَ لَهُ لَيْلًا اهـ. شَرْحُ م ر" انتهى من "حاشية الجمل على شرح المنهج" (2/319).
ومن كان قد ابتلي بشيء من ذلك من قبل، ولم يتحرز منه، ولم يعلم ما ينبغي عليه في ذلك: فالأظهر أنه لا شيء عليه، وأن ما مضى من صومه صحيح، لا يلزمه قضاء شيء منه.
وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز، رحمه الله:
" أثناء تأديتي لصلاة الفجر في رمضان يغالبني الريق فأبلعه، وأحس فيه بطعم دم من اللثة، ناتج عن التسوك أو التخلل من الأكل، فهل يؤثر ذلك في صومي أم لا؟
فأجاب: " أما الريق: فلا بأس به؛ كون الإنسان يبلع ريقه: هذا شيء لا حرج فيه؛ الريق المعتاد.
أما النخامة من الصدر، أو من الرأس: فهذه لا تُبلع، متى وصلت إلى فمه، فإن الواجب أنه يقذفها يلفظها، ولا يبتلعها، فإن تعمد ابتلاعها أفطر بذلك على الصحيح، وقضى ذلك اليوم.
وأما إذا كان من ريقه شيء آخر من بقايا ما في الأسنان من الأكل، من لحم أو خبز أو فاكهة، أو شيء من الدم بسبب السواك، فهذا فيه تفصيل:
إن علم بذلك فلا يتعمده، بل يلفظه، وإن لم يعلم ذلك بل بلع ريقه كالعادة، ثم أحس بذلك فلا يضره؛ لأنه لم يتعمد ذلك، بمثابة من تمضمض واستنشق، فغلبه شيء إلى فمه إلى حلقه من دون قصد، وبمثابة من غلبه السعال أو غلبه القيء من غير قصد، فهذا لا يضره ذلك، إنما الذي يضر التعمد، إذا تعمد ابتلاع شيء وصل إلى فمه من نخامة أو من دم في فمه تعمده، أو طعام في فمه تعمده، هذا هو الذي يضره، أما ما لم يتعمده، بل غلبه فلم يتعمده فهذا لا يضره، نعم." انتهى من موقع الشيخ .
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب