0 / 0
19,41315/06/2019

حكم رواية الراوي الذي قيل فيه :” له أوهام ، أو له مناكير ” ؟

السؤال: 294363

إذا كان هناك راوٍ اتفق العلماء على أنه ثقة ولكن قالوا له أوهام ، وله مناكير، وواضح من كلامهم أن تلك الأوهام ليست نادرة، فماذا نفعل عندها؟ هل نحمل مروياته على الصحة في الأصل؟ أم يجب التوقف حتى نتأكد أنه لم يهم؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا:

رواة الحديث ليسوا على درجة واحدة في الحفظ والإتقان ، فمنهم الثقة الثبت الحجة ، ومنهم الثقة الذي استنكر عليه علماء الحديث بعض الأحاديث ، ومنهم من له أوهام ، ومنهم من هو كثير الغلط ، ومنهم المتروك ، ومنهم المتهم ، ومنهم الكذاب .

قال الذهبي في “الموقظة” (ص81) :” الثقاتُ طَبَقات: فليس مَنْ وُثِّق مطلقاً، كَمَنْ تُكُلِّمَ فيه ، وليس مَن تُكُلِّم في سُوءِ حفظِه واجتهادِه في الطَّلَب كَمَنْ ضعَّفوه ، ولا مَن ضعَّفوه ورَوَوْا له كَمَنْ تركوه ، ولا مَن تركوه كَمَنْ اتَّهموه وكذَّبوه “. انتهى.

وربما وقع بعض طلاب العلم في الخلط بين مراتب الرواة لعدم معرفة دلالات ألفاظ الجرح والتعديل ، والخلط بينها .

 ومن الأخطاء الشهيرة في هذا المقام: عدم التمييز بين قول أهل العلم في راو :” له مناكير ” ، أو ” له أوهام ” ، أو ” روى مناكير ” ، وقولهم في راو :” منكر الحديث ” ، أو ” أحاديثه مناكير ” ، أو ” يروي المناكير ” .

والفرق بينهما: أن الأول الأصل فيه الضبط ، إلا أنه وهم في عدة أحاديث ، استنكرها العلماء عليه ، وعدوها من أخطائه وأوهامه ، ولذا يقولون فيه : ” له مناكير ” ، أو ” له أوهام ” ، أو ” روى مناكير ” .

أما الثاني: فكثرت أخطاؤه وأوهامه ، حتى غلب هذا على حديثه ، فيقال له :” منكر الحديث ” ، أو ” أحاديثه مناكير ” ، أو ” يروي المناكير ” .

قال ابن القطان في “أحكام النظر” (ص480) :” وفرق عند المحدثين بأن يقولوا روى مناكير ، أو منكر الحديث .

منكر الحديث: هو الذي يقولونه لمن سقطت الثقة بما يروي ، لكثرة المنكرات على لسانه ، كالذي يشتهر فيما بيننا بقلة التوقي فيما يحدِّث به ، وتتكرر فضيحته ، حتى يكون إذا سمعنا حديثًا منكرًا ، نقول: فلان حدَّث به .. لما قدم به عَهدُنا من نكارة حديثه ؛ فهذا عندهم هو الذي يطلقون عليه أنه منكر الحديث ، ولا تحل الرواية عنه.

أما الذي يقولون فيه: عنده مناكير، أو روى أحاديث منكرة ، فإنه رجل روى ما لا يعرفه غيره، وحاله مع ذلك صالحة ، فهذا لا يضره الانفراد، لا أن يكثر منه “. انتهى

وقال ابن دقيق العيد في “شرح الإلمام” (3/247) :” قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله أحمدَ بنَ حنبل يقول: مصعب بن شيبة روى أحاديث مناكير .. وقول أحمد: روى أحاديث مناكير ، لا يقتضي بمُجرَّده تركَ روايته ، حتى تكثرَ المناكير في روايته ، وينتهيَ إلى أن يقال فيه: منكر الحديث “. انتهى.

وهذا الوهم والنكارة إنما يوصف به حديث الرجل، إذا تفرد في روايته بأشياء لم يتابعه عليها أحد ، أو خالف الثقات في روايته ، فإذا كانت أوهامه معدودة معروفة ، قيل عنه :” له مناكير ” ، فإذا كثر تفرده ، أو كثرت مخالفته ، قيل فيه :” منكر الحديث “.

قال الذهبي في “ميزان الاعتدال” (3/140) :” بل الثقة الحافظ، إذا انفرد بأحاديث كان أرفع له ، وأكمل لرتبته ، وأدل على اعتنائه بعلم الاثر ، وضبطه دون أقرانه لأشياء ما عرفوها . اللهم إلا أن يتبين غلطه ووهمه في الشيء، فيعرف ذلك .

فانظر أول شيء إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الكبار والصغار ، ما فيهم أحد إلا وقد انفرد بسنة ، فيقال له: هذا الحديث لا يتابع عليه ؟!

وكذلك التابعون ، كل واحد عنده ما ليس عند الآخر من العلم .

وما الغرض هذا ، فإن هذا مقرر على ما ينبغي في علم الحديث . وأن تفرد الثقة المتقن : يعد صحيحا غريبا. وأن تفرد الصدوق ومن دونه : يعد منكرا ، وأن إكثار الراوي من الأحاديث التي لا يوافق عليها لفظا أو إسنادا : يصيره متروك الحديث “. انتهى.

ثانيا:

حكم من قيل فيه :” منكر الحديث ” ، أنه لا تحل الرواية عنه ، لأنه فاحش الخطأ .

قال الإمام مسلم في “مقدمة صحيح مسلم” (1/6) :” وَالَّذِي نَعْرِفُ مِنْ مَذْهَبِهِمْ فِي قَبُولِ مَا يَتَفَرَّدُ بِهِ الْمُحَدِّثُ مِنَ الْحَدِيثِ : أَنْ يَكُونَ قَدْ شَارَكَ الثِّقَاتِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْحِفْظِ فِي بَعْضِ مَا رَوَوْا ، وَأَمْعَنَ فِي ذَلِكَ عَلَى الْمُوَافَقَةِ لَهُمْ ، فَإِذَا وُجِدَ كَذَلِكَ ، ثُمَّ زَادَ بَعْدَ ذَلِكَ شَيْئًا لَيْسَ عِنْدَ أَصْحَابِه:ِ قُبِلَتْ زِيَادَتُهُ .

فَأَمَّا مَنْ تَرَاهُ يَعْمِدُ لِمِثْلِ الزُّهْرِيِّ فِي جَلَالَتِهِ ، وَكَثْرَةِ أَصْحَابِهِ الْحُفَّاظِ الْمُتْقِنِينَ لِحَدِيثِه،ِ وَحَدِيثِ غَيْرِهِ ، أَوْ لِمِثْلِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، وَحَدِيثُهُمَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مَبْسُوطٌ مُشْتَرَكٌ ، قَدْ نَقَلَ أَصْحَابُهُمَا عَنْهُمَا حَدِيثَهُمَا، عَلَى الِاتِّفَاقِ مِنْهُمْ فِي أَكْثَرِهِ ؛ فَيَرْوِي عَنْهُمَا ، أَوْ عَنْ أَحَدِهِمَا ، الْعَدَدَ مِنَ الْحَدِيثِ ، مِمَّا لَا يَعْرِفُهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِمَا ، وَلَيْسَ مِمَّنْ قَدْ شَارَكَهُمْ فِي الصَّحِيحِ مِمَّا عِنْدَهُمْ = فَغَيْرُ جَائِزٍ قَبُولُ حَدِيثِ هَذَا الضَّرْبِ مِنَ النَّاسِ “. انتهى.

ثالثا:

أما من قيل فيه :” له مناكير ” ، فكيف يُعرف أن هذا الحديث من مناكيره ؟

والجواب أنه هذا يعرف بأحد هذه الأمور :

الأول : أن ينصّ العلماء على أنه مما أُنكر عليه ، أو عدّه أهل العلم من مناكيره وأوهامه ، مثل أن يذكره ابن عدي في “الكامل” ، أو العقيلي في “الضعفاء” ، أو الذهبي في “ميزان الاعتدال” ، وغيرهم من أهل العلم .

قال ابن القطان في “بيان الوهم والإيهام” (2/257) :” وإنما أورد له أبو أحمد أحاديث، على عادته في سوق الأحاديث التي تُنكر على من يترجم باسمه ، أو ما يتيسر له منها “. انتهى

الثاني : أن ينفرد برواية حديث عن شيخ، دون أصحابه الأثبات فيه ؛ فهنا لا يُقبل تفرده ، كما سبق ذكره عن الإمام مسلم ؛ لأنه لا يحتمل ذلك .

قال ابن عبد البر في “التمهيد” (9/129) :” وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْ سُلَيْمَانَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَحُجُّ عَنْ أَبِي ؟ قَالَ : نَعَمْ ؛ إِنْ لَمْ تَزِدْهُ ، خَيْرًا لَمْ تَزِدْهُ شَرًّا .

قَالَ أَبُو عُمَرَ : أَمَّا هَذَا الْحَدِيثُ فَقَدْ حَمَلُوا فِيهِ عَلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، لِانْفِرَادِهِ بِهِ عَنِ الثَّوْرِيِّ ، مِنْ بَيْنِ سَائِرِ أَصْحَابِهِ ، وَقَالُوا : هَذَا حَدِيثٌ لَا يُوجَدُ فِي الدُّنْيَا عِنْدَ أَحَدٍ ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ ؛ إِلَّا فِي كِتَابِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، أَوْ فِي كِتَابِ مَنْ أَخْرَجَهُ مِنْ كِتَابِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ . وَلَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ عَنِ الثَّوْرِيِّ غَيْرُهُ . وَقَدْ خَطَّأُوهُ فِيهِ ، وَهُوَ عِنْدَهُمْ خَطَأٌ ، فَقَالُوا : هَذَا لَفْظٌ مُنْكَرٌ ، لَا تُشْبِهُهُ أَلْفَاظُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ أَنْ يَأْمُرَ بِمَا لَا يَدْرِي ، هَلْ يَنْفَعُ ، أَمْ لَا يَنْفَعُ !!”. انتهى.

وقال ابن رجب في “شرح علل الترمذي” (2/654) :” قال البرديجي: فأما أحاديث قتادة التي يرويها الشيوخ، مثل حماد بن سلمة ، وهمام ، وأبان ، والأوزاعي ؛ ننظر في الحديث ، فإن كان الحديث يُحفظ من غير طريقهم ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أو عن أنس بن مالك من وجه آخر ؛ لم يُدفع . وإن كان لا يُعرف عن أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا من طريق عن أنس إلا من رواية هذا الذي ذكرت لك ؛ كان منكراً “. انتهى

ومطلق التفرد لا يُعد وهما ، ولا خطأ يُردُّ به الحديث ؛ بل الأمر فيمن تفرد ، هل يتحمل حاله ذلك ، أم لا ؟

فمثلا: إمام مثل الزهري لو تفرد بحديث ، أو عدة أحاديث : يُقبل منه ذلك ، لأنه إمام حجة حافظ ، واسع الرواية ؛ فيحتمل التفرد .

قال الإمام مسلم في “صحيحه” تحت حديث (1647) :” هَذَا الْحَرْفُ – يَعْنِي قَوْلَهُ : تَعَالَى أُقَامِرْكَ فَلْيَتَصَدَّقْ – : لَا يَرْوِيهِ أَحَدٌ غَيْرُ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: وَلِلزُّهْرِيِّ نَحْوٌ مِنْ تِسْعِينَ حَدِيثًا،  يَرْوِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ أَحَدٌ بِأَسَانِيدَ جِيَادٍ “. انتهى.

قال ابن حجر في “النكت على ابن الصلاح” (2/674) :” أطلق الإمام أحمد والنسائي وغير واحد من النقاد: لفظ المنكر على مجرد التفرد ؛ لكن : حيث لا يكون المتفرد في وزن من يحكم لحديثه بالصحة بغير عاضد يعضده “. انتهى.

فإن روى حديثا لم يُعده أهل العلم من مناكيره ، ولم يخالَف فيه ، وتابعه أحد على روايته : كان حديثه حسنا ، وزالت النكارة .

فقد جاء في “مسائل الإمام أحمد” رواية عبد الله (179) قال عبد الله بن الإمام أحمد :” سَأَلت ابي رَحمَه الله : مَا الَّذِي يعْتَمد عَلَيْهِ فِي مَوَاقِيت الصَّلَاة من الْأَحَادِيث الَّتِي جَاءَت ، وَأي حَدِيث عنْدك أقوى ؟ والْحَدِيث الَّذِي روى ابْن الْمُبَارك ، عَن الْحُسَيْن بن عَليّ ، عَن وهب بن كيسَان ، عَن جَابر ؛ مَا ترى فِيهِ ؟ وَكَيف حَال الْحُسَيْن ؟

فَقَالَ أبي : أما الْحُسَيْن : فَهُوَ أخو أبي جَعْفَر بن مُحَمَّد بن عَليّ ، وَحَدِيثه الَّذِي روى فِي الْمَوَاقِيت: حَدِيث لَيْسَ بالمنكر ، لِأَنَّهُ قد وَافقه على بعض صِفَاته غَيره “. انتهى.

وقال ابن رجب في “شرح علل الترمذي” (2/659) :” فتلخص من هذا : أن النكارة لا تزول عند يحيى القطان والإمام أحمد والبرديجي ، وغيرهم من المتقدمين : إلا بالمتابعة “. انتهى.

قال ابن حجر في “فتح الباري” (1/384) :” وَأما الْغَلَط : فَتَارَة يكثر من الرَّاوِي ، وَتارَة يقل ، فَحَيْثُ يُوصف بِكَوْنِهِ كثير الْغَلَط ، ينظر فِيمَا أخرج لَهُ ؛ إِن وجد مرويا عِنْده ، أَو عِنْد غَيره ، من رِوَايَة غير هَذَا الْمَوْصُوف بالغلط : عُلم أَن الْمُعْتَمد أصل الحَدِيث ، لَا خُصُوص هَذِه الطَّرِيق .

وإن لم يُوجد إِلَّا من طَرِيقه : فَهَذَا قَادِح يُوجب التَّوَقُّف عَن الحكم بِصِحَّة مَا هَذَا سَبيله ، وَلَيْسَ فِي الصَّحِيح بِحَمْد الله من ذَلِك شَيْء .

وَحَيْثُ يُوصف بقلة الْغَلَط ، كَمَا يُقَال : سيء الْحِفْظ أَوله أوهام ، أَو له مَنَاكِير ، وَغير ذَلِك من الْعبارَات : فَالْحكم فِيهِ ، كَالْحكمِ فِي الَّذِي قبله “. انتهى

قال الشيخ الألباني في “ضعيف سنن أبي داود” (2/272) في ترجمة راو :” قال الحافظ: ” صدوق له أوهام “. قلت: فمثله قد يُحسن حديثُه ، إذا لم يخالف “. انتهى

وقال في “السلسلة الصحيحة” (6/216) :” وقد تفرد به عمران بن عيينة ، وفيه كلام من قبل حفظه ، وقد أشار لذلك الحافظ بقوله: ” صدوق له أوهام “؛ فتصحيح حديثه غير مقبول ، وحسبه التحسين إذا لم يخالف “. انتهى.

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android