الثابت في الصحيح أن سالما مولى أبي حذيفة قد أرضعته سهلة ، فالمعروف أن المرأة لا يكون في صدرها لبن إلا إن كانت قريبة عهد بالولادة ، فهل كانت سهلة حديثة عهد بالولادة ، وإن كانت لا ، فكيف كان في صدرها لبن ؟
حول رضاع سالم مولى أبي حذيفة ، وهل ولدت زوجة أبي حذيفة كي ترضع سالما ؟
السؤال: 295587
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
مما هو معلوم : أن أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة ، كان قد تبنى سالما ، ثم حرم الله التبني بعد ، فكان يُدعى سالم مولى أبي حذيفة .
ولما كان سالم قد تربى في بيت أبي حذيفة ، كان يدخل بيته كمل يدخل الولد بيت أبيه ، فرأت سهلة بنت سهيل بن عمرو زوجة أبي حذيفة ، رأت في وجه أبي حذيفة كراهة ذلك ، فاستشارت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك ، فقال لها أرضعيه تحرمي عليه .
وقد جاء في ذلك عدة أحاديث مشهورة .
منها ما أخرجه البخاري في “صحيحه” (4000) ، ومسلم في “صحيحه” (1453) ، من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، : ” أَنَّ سَالِمًا مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ كَانَ مَعَ أَبِي حُذَيْفَةَ وَأَهْلِهِ فِي بَيْتِهِمْ ، فَأَتَتْ – تَعْنِي ابْنَةَ سُهَيْلٍ – النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: إِنَّ سَالِمًا قَدْ بَلَغَ مَا يَبْلُغُ الرِّجَالُ. وَعَقَلَ مَا عَقَلُوا. وَإِنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْنَا. وَإِنِّي أَظُنُّ أَنَّ فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا.
فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَرْضِعِيهِ تَحْرُمِي عَلَيْهِ، وَيَذْهَبِ الَّذِي فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ ، فَرَجَعَتْ فَقَالَتْ: إِنِّي قَدْ أَرْضَعْتُهُ. فَذَهَبَ الَّذِي فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ “.
زاد مسلم في روايته : ” قَالَتْ: وَكَيْفَ أُرْضِعُهُ؟ وَهُوَ رَجُلٌ كَبِيرٌ ، وَكَانَ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا ، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: قَدْ عَلِمْتُ أَنَّهُ رَجُلٌ كَبِيرٌ ” .
وقد جاء أنها كانت قد أفرغت من لبنها في قصعة فشربه ، وفعلت ذلك خمس مرات .
أورد ذلك ابن سعد في “الطبقات” (8/271) .
واختلف أهل العلم في كون ذلك هل هو خاص بسالم ، أم هو عام .
ثانيا :
أما عن استشكال السائل في بقاء لبنها ، فيقال فيه :
يحتمل أن يكون هذا اللبن قد در لها من ولد آخر، سوى محمد المذكور ، ولم ينقل لنا شأنه.
ويحتمل أن يكون بسبب سقط ، لم يبق إلى حين الولادة، ونقل شأنه .
ويحتمل أن يكون قد اتصل لبنها ، بعد ولادة ابنها محمد، المذكور، وإن كان ذلك يبعد ، لطول الزمان بين قصة سالم ، وتحريم التبني ، وولادة محمد المذكور، قبل الرجوع من الحبشة ، على ما ذكره أهل السير .
وأما ما ذكر في السؤال ، من أن المعروف أن اللبن يكون في صدر المرأة ، إذا كانت حديثة عهد بالولادة ؛ فيقال : نعم ، هذا هو المعروف، الغالب ؛ لكن ذلك لا يمنع أن يحصل اللبن في صدر المرأة ، ولو بغير حمل ، بل ، ولو من غير زواج ، أحيانا ، كما هو مشاهد معلوم ، وتثبت به محرمية المرأة إذا أرضعت به طفلا صغيرا ، في زمان الرضاع .
وهذا سؤال واقعي ، قدم إلى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، رحمه الله :
” والدتي رحمها الله توفت وتركت طفلًا صغيرًا حملته خالتي، وقد كانت متزوجة ولكنها لم تلد قط، قد درت عليه لبنًا ورضع من ثديها، وبعد مرور أكثر من ثلاث سنوات شاء الله أن تحمل وتنجب طفلة، أولًا: ما هو حكم هذا الرضيع من هذه المولودة، هل يصح الزواج منها؟ ثانيًا: هل تحل لإخوانه من أمه؟ أفيدونا جزاكم الله عنا خير الجزاء” ؟ .
فأجاب:
” السؤال فيه إشكال، لكن هذا الرضاع الذي حصل من هذه المرأة من خالة الطفل رضاع شرعي، مادام درت عليه تكون أمه وليس من شرط ذلك أن تكون قد حملت، الصواب أن درها يؤثر ولو لم يسبق حمل، هذا هو الصواب؛ لأن الله أطلق قال: وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ [النساء:23] ، فإذا أرضعته مما در لها فهي أمه، وجميع أولادها إخوة لهذا الرضيع، إخوة له سواء قبله أو بعده، وهذه المرأة التي أرضعت ثم حملت وولدت هذا ولد جديد أخ للرضيع، وهكذا أولادها بعد ذلك، وأخواتها خالاته، وإخوانها أخواله، وأبوها جده، وزوجها أبو هذا الرضيع ولو كانت لم تحمل إلا بعد ذلك؛ لأن وطأه لها من أسباب درها باللبن.
فيكون هذا الطفل الرضيع ولدًا لها ، وولدًا لزوجها ، وأخًا لأولادها الذين جاءوا بعد ذلك، نعم. إذا كان الرضاع خمس مرات فأكثر، إذا كان الرضاع الذي درت به خمس مرات فأكثر ، وكان الطفل في الحولين، يعني: أرضعته قبل أن يتجاوز الحولين. نعم.
المقدم: يعني لا يختلف الرضاع من حيث كانت ولدته..
الشيخ: أبد، ما يختلف، سواء كان عن حمل أو عن وطء، أو درت من دون حمل ولا وطء تكون أمه، لو كانت امرأة بكر ما تزوجت أصلًا ، ثم درت على إنسان ، تكون أمًا له ، ويكون أبوها جده، ويكون إخوانها أخواله وأعمامها أعمامه وهكذا، ما هو بشرط أن يكون هناك زوج وحمل ما هو بشرط، الصحيح أنه ليس بشرط. نعم.
المقدم: إذاً، اشتراط الحولين هل هو للمولود أو للوالدة؟
الشيخ: للمولود. لا بد يكون المولود دون الحولين ، لحديث: لا رضاع إلا في الحولين ، لا رضاع إلا ما فتق الأمعاء ، وكان قبل الفطام ، إنما الرضاعة من المجاعة ؛ فالحولان للطفل الرضيع.
http://bit.ly/2YwoZgS
وأيا ما كان الأمر:
فالذي يعنينا الآن : أن قصة سالم مولى أبي حذيفة : صحيحة ، لا مطعن فيها ، ولا إشكال في ثبوتها، ولا يترتب على تحرير ذلك : كبير شيء ، ما دام الحديث صحيحا ، وقد تكلم أهل العلم على ما فيها من الفوائد ، والأحكام ، لكن مع تسليم ثبوتها ، بلا ريب ، ولم يستشكلوا حصول اللبن للمرأة في تلك الحال .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب