هل تعرض أعمالنا على النبي صلى الله عليه وسلم؟ وهل هناك حديث صحيح بهذا الشأن؟
هل تعرض أعمالنا على النبي صلى الله عليه وسلم؟
السؤال: 296459
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
الثابت هو أن صلاة المسلمين على النبي صلى الله عليه وسلم تبلغه ، وتعرض عليه.
عَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ؛ فِيهِ خُلِقَ آدَمُ ، وَفِيهِ قُبِضَ، وَفِيهِ النَّفْخَةُ، وَفِيهِ الصَّعْقَةُ، فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلَاةِ فِيهِ، فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ ، قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَكَيْفَ تُعْرَضُ صَلَاتُنَا عَلَيْكَ وَقَدْ أَرِمْتَ – يَقُولُونَ: بَلِيتَ -؟
فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ رواه أبو داود (1047) ، والنسائي (1374)، وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (1 / 34).
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً سَيَّاحِينَ فِي الْأَرْضِ يُبَلِّغُونِي مِنْ أُمَّتِي السَّلَامَ رواه النسائي (1282)، وصححه الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (6 / 842).
وأما غير هذا من الأعمال فلا يعرف في نصوص الوحي نص صحيح يدل على أنها تعرض عليه.
وإنما حديث ابن مسعود السابق الذكر رواه البزار بزيادة في آخره تحتوي على أن أعمال الأمة تعرض عليه؛ حيث قال البزار في "مسنده" (5 / 308):
" حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: نا عَبْدُ الْمَجِيدِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَّادَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ زَاذَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً سَيَّاحِينَ يُبَلِّغُونِي عَنْ أُمَّتِي السَّلَامَ .
قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حَيَاتِي خَيْرٌ لَكُمْ ؛ تُحدثُونَ وَيُحدثُ لَكُمْ، وَوَفَاتِي خَيْرٌ لَكُمْ ؛ تُعْرَضُ عَلَيَّ أَعْمَالُكُمْ، فَمَا رَأَيْتُ مِنَ خَيْرٍ حَمِدْتُ اللَّهَ عَلَيْهِ، وَمَا رَأَيْتُ مِنَ شَرٍّ اسْتَغْفَرْتُ اللَّهَ لَكُمْ .
وَهَذَا الْحَدِيثُ آخِرُهُ لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ؛ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ " انتهى.
وقد شرح الشيخ الألباني وجه ضعفه؛ بأن هذا الحديث رواه عدة رواة ، بدون الزيادة الأخيرة في عرض الأعمال؛ فقد تفرد بروايتها عَبْدُ الْمَجِيدِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَّادَ، وقد تكلم أهل العلم في حفظه؛ فتكون زيادته هذه شاذة مردودة كما هي القاعدة عند أهل الحديث؛ حيث قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى:
" فاتفاق جماعة من الثقات على رواية الحديث عن سفيان دون آخر الحديث ( حياتي…. )، ثم متابعة الأعمش له على ذلك ، مما يدل عندي على شذوذ هذه الزيادة، لتفرد عبد المجيد بن عبد العزيز بها، لاسيما وهو متكلم فيه من قبل حفظه، مع أنه من رجال مسلم ، وقد وثقه جماعة وضعفه آخرون ، وبين بعضهم السبب:
فقال الخليلي: " ثقة، لكنه أخطأ في أحاديث".
وقال النسائي: " ليس بالقوي، يكتب حديثه ".
وقال ابن عبد البر: " روى عن مالك أحاديث أخطأ فيها ".
وقال ابن حبان في " المجروحين " (2 / 152): " منكر الحديث جدا، يقلب الأخبار، ويروي المناكير عن المشاهير، فاستحق الترك ".
قلت: ولهذا قال فيه الحافظ في " التقريب: " صدوق يخطىء ".
وإذا عرفت ما تقدم فقول الحافظ الهيثمي في " المجمع " (6 / 24): " رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح " : فهو يوهم أنه ليس فيه من هو متكلم فيه! ولعل السيوطي اغتر بهذا حين قال في " الخصائص الكبرى " (2 / 281): " سنده صحيح ".
ولهذا فإني أقول: إن الحافظ العراقي – شيخ الهيثمي – كان أدق في التعبير عن حقيقة إسناد البزار حين قال عنه في " تخريج الإحياء " (4 / 128): " ورجاله رجال الصحيح، إلا أن عبد المجيد بن أبي رواد ، وإن أخرج له مسلم، ووثقه ابن معين والنسائي، فقد ضعفه بعضهم ".
قلت: وأما قوله ، هو أو ابنه ، في " طرح التثريب في شرح التقريب " (3 / 297): "إسناده جيد" ؛ فهو غير جيد عندي، وكان يكون ذلك ، لولا مخالفة عبد المجيد للثقات على ما سبق بيانه، فهي علة الحديث، وإن كنت لم أجد من نبه عليها، أو لفت النظر إليها، إلا أن يكون الحافظ بن كثير في كلمته التي نقلتها عن كتابه " البداية "، والله أعلم.
نعم، قد صح إسناد هذا الحديث عن بكر بن عبد الله المزني مرسلا…
وجملة القول : أن الحديث ضعيف بجميع طرقه، وخيرها حديث بكر بن عبد الله المزني ، وهو مرسل، وهو من أقسام الحديث الضعيف عند المحدثين " انتهى من "سلسلة الأحاديث الضعيفة" (2 / 404 – 406).
وينظر ، أيضا ، للفائدة : "الإرشادات في تقوية الحديث بالشواهد والمتابعات" للشيخ طارق عوض الله (365-368) .
ثم إنّ هذا الحديث يعارضه ما هو أصح؛ وهو ما ثبت من حديث عدد من الصحابة رضوان الله عليهم؛ منهم ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: " خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّكُمْ مَحْشُورُونَ إِلَى اللَّهِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا ، ثُمَّ قَالَ: كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ إِلَى آخِرِ الآيَةِ، ثُمَّ قَالَ:( أَلاَ وَإِنَّ أَوَّلَ الخَلاَئِقِ يُكْسَى يَوْمَ القِيَامَةِ إِبْرَاهِيمُ، أَلاَ وَإِنَّهُ يُجَاءُ بِرِجَالٍ مِنْ أُمَّتِي فَيُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ أُصَيْحَابِي، فَيُقَالُ: إِنَّكَ لاَ تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ ، فَأَقُولُ كَمَا قَالَ العَبْدُ الصَّالِحُ: وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ، فَيُقَالُ: إِنَّ هَؤُلاَءِ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ مُنْذُ فَارَقْتَهُمْ رواه البخاري (4625) ، ومسلم (2860).
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب