0 / 0

هل يجب الالتزام بصيغة الأداء التي ينقل بها الصحابة الحديث عند حفظه ؟

السؤال: 297595

أنا مبتدئ في حفظ الأحاديث، وأنا أحفظ اسم الصحابي، ثم قول الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن عندما أحفظ اسم الصحابي في بعض الأحاديث يقول: سمعت رسول الله يقول، وأحيانا سمعت رسول الله يقول، وغير ذلك من هذه الأقوال التي يصعب حفظها، فهل يجزئ أن أقول مثلا عن عمر بن الخطاب قال قال رسول الله أم يلزم الدقة في نص الحديث؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

معلوم أن السنة النبوية هي المصدر الثاني للتشريع ، ولذا احتاط الرواة أعظم الاحتياط في نقلها وضبطها ، امتثالا لحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي حث فيه على نقل الحديث كما قاله .

وهو ما أخرجه أحمد في “مسنده” (4157) ، والترمذي في “سننه” (2657) ، وابن حبان في “صحيحه” (66) ، من حديث عَبْدِ الله بن مسعود قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا، فَبَلَّغَهُ كَمَا سَمِعَهُ ، فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ  .

والحديث ينقسم إلى متن وسند .

فأما المتن : فالأصل نقل الحديث بلفظه دون معناه ، وأجاز الجمهور نقله بالمعنى إن كان الراوي عالما بما يحيل المعنى ويغيره ، بصيرا بالألفاظ ومدلولاتها .

قال ابن كثير في “الباعث الحثيث” (ص18) :”وأما روايته الحديث بالمعنى: فإن كان الراوي غير عالم ولا عارف بما يحيل المعنى ؛ فلا خلاف أنه لا تجوز له روايته الحديث بهذه الصفة .

وأما إذا كان عالماً بذلك ، بصيراً بالألفاظ ومدلولاتها ، وبالمترادف من الألفاظ ونحو ذلك ، فقد جوز ذلك جمهور الناس سلفاً وخلفاً ، وعليه العمل ، كما هو المشاهد في الأحاديث الصحاح وغيرها ، فإن الواقعة تكون واحدة ، وتجيء بألفاظ متعددة ، من وجوه مختلفة متباينة “انتهى.

والظاهر من السؤال أنه يتعلق بصيغة الأداء التي يذكرها الصحابي عند نقله حديث النبي صلى الله عليه وسلم ، وهنا فيما يتعلق بالسؤال احتمالان :

الأول : أن يروي الصحابي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بصيغة تدل على السماع أو المشاهدة ، وهنا يجوز أن يتغير اللفظ  بأي لفظ يدل على السماع .

فمثلا لو قال الصحابي سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول كذا ، فهنا لا إشكال في استبدالها بقول : حدثنا ، أخبرنا ، أنبأنا ، قال لي ، وغير ذلك مما يدل على السماع .

قال القاضي عياض في”الإلماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع” (ص122) :” لا خلاف بين أحد من الفقهاء والمحدثين والاصوليين : بجواز إطلاق حدثنا وأخبرنا وأنبأنا ونبأنا وخبرنا ، فيما سمع من قول المحدث ولفظه وقراءته وإملائه .

 وكذلك : سمعته يقول ، أو : قال لنا ، وذكر لنا ، وحكى لنا ، وغير ذلك من العبارة عن التبليغ . إلا شيء حكي عن إسحاق بن راهويه : أنه اختار أخبرنا في السماع والقراءة على حدثنا ، وأنها أعم من حدثنا “. انتهى.

الثانية : أن يروي الصحابي الحديث بلفظ يحتمل السماع ، ويحتمل سماعه من صحابي آخر ، مثل أن يقول الصحابي : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو يقول : عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

 وهنا الصيغة ليست نصا صريحا في السماع ، لأنها تحتمل سماعه من غير النبي صلى الله عليه وسلم ، فبعض الصحابة قد يسمع أحاديث من الصحابة الذين أسلموا قبله ، أو ربما كان صغيرا وقت الحادثة فيسمعها من صحابي آخر حضر الواقعة ، ويسمى هذا مرسل صحابي ، وهو محمول عند جماهير أهل العلم على الاتصال ، ووقع فيه خلاف غير معتبر .

قال الزركشي في “البحر المحيط” (3/430) :”  فَصْلٌ في أَلْفَاظِ الرُّوَاةِ وَكَيْفِيَّةِ الْأَدَاءِ :

 وَيَنْقَسِمُ النَّظَرُ فيه إلَى نَقْلِ الصَّحَابِيِّ وَغَيْرِهِ .

 أَمَّا الْأَوَّلُ : فَلِأَلْفَاظِ الصَّحَابِيِّ مَرَاتِبُ :

 الْأُولَى : – وَهِيَ أَقْوَاهَا – سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم يقول كَذَا ، أو حدثني أو أخبرني أو شَافَهَنِي ، لِعَدَمِ احْتِمَالِ الْوَاسِطَةِ ، وهو حُجَّةٌ اتِّفَاقًا . وَجَعَلَ ابن الْقَطَّانِ قَوْلَ الْمُحَدِّثِ سَمِعْت:  آكَدَ ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى : حدثنا ، حَدَّثَ قَوْمَنَا ، كَقَوْلِ الْحَسَنِ خَطَبَنَا ابن عَبَّاسٍ .

الثَّانِيَةُ : قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم كَذَا . وَإِنَّمَا كان دُونَ الْأَوَّلِ، لِاحْتِمَالِ الْوَاسِطَةِ في قَوْلِهِ : قال ؛ لِأَنَّهُ أَعَمُّ من أَنْ يَكُونَ بِوَاسِطَةٍ ، أو لَا . وَالدَّلِيلُ على احْتِمَالِ الْوَاسِطَةِ : وُقُوعُهُ ، وَذَلِكَ كَسَمَاعِ أبي هُرَيْرَةَ من الْفَضْلِ بن الْعَبَّاسِ ، عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم : ( من أَصْبَحَ جُنُبًا فَلَا صَوْمَ له ) ، ثُمَّ رَوَاهُ أبو هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ : قال . وَكَسَمَاعِ ابْنِ عَبَّاسٍ أُسَامَةَ بن زَيْدٍ ، عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم : ( إنَّمَا الرِّبَا في النَّسِيئَةِ ) ، ثُمَّ رَوَاهُ عن النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم كَذَلِكَ . وَلَمَّا سُئِلَ أبو هُرَيْرَةَ وابن عَبَّاسٍ عن حَدِيثِهِمَا ، بَيَّنَا مِمَّنْ سَمِعَاهُ . وهو حُجَّةٌ أَيْضًا ، وَنَقَلَ الْآمِدِيُّ وابن الْحَاجِبِ عن الْقَاضِي أبي بَكْرٍ أَنَّهُ لَا يَدُلُّ على سَمَاعِهِ ، بَلْ هو مُحْتَمَلٌ . وهو وَهْمٌ ، وَاَلَّذِي رَأَيْته في كِتَابِ التَّقْرِيبِ : التَّصْرِيحَ وَالْجَزْمَ بِأَنَّهُ على السَّمَاعِ . وَأَغْرَبُ من ذلك أَنَّ سُلَيْمًا الرَّازِيَّ في التَّقْرِيبِ ، حَكَاهُ عن الْأَشْعَرِيِّ ، وَأَنَّ الشَّيْخَ أَبَا إِسْحَاقَ حَكَاهُ في التَّبْصِرَةِ عن الْأَشْعَرِيِّ، وَاخْتَارَهُ أبو الْخَطَّابِ من الْحَنَابِلَةِ ، وَنَسَبَهُ لِلْأَشْعَرِيَّةِ أَيْضًا . وَنَحْوُهُ ما ذَهَبَ إلَيْهِ الْأُسْتَاذُ أبو إِسْحَاقَ من أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ مَرَاسِيلَ الصَّحَابَةِ . وَالْجُمْهُورُ على خِلَافِ ذلك ، وَأَنَّ الصَّحَابِيَّ إذَا أَطْلَقَ ذلك ، فَإِنَّمَا يُرِيدُ بِهِ السَّمَاعَ ، وَلَيْسَ الْمُسْتَنَدُ هذا اللَّفْظَ ، بَلْ اسْتِقْرَاءُ عَادَتِهِمْ في النَّقْلِ “انتهى.

وقد اعتبر ابن عبد البر هذه الخلاف غير معتبر، ولم يلتفت إليه .

قال ابن عبد البر في “التمهيد” (1/26) :” وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى ( أَنَّ ) هَلْ هِيَ بِمَعْنَى ( عن ) ، محمولة على الاتصال ، بالشرائط التي ذكرنا ، حتى يتبين انقطاعها ، أو هي محمولة على الانقطاع، حَتَّى يُعْرَفَ صِحَّةُ اتِّصَالِهَا؟ وَذَلِكَ مِثْلُ مَالِكٍ عن ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ قَالَ كذا ، ومثل مالك عن هشام بْنِ عُرْوَةَ أَنَّ أَبَاهُ قَالَ كَذَا، وَمِثْلُ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ أَنَّ الْحَسَنَ قَالَ كَذَا.

فَجُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ: (عن) و (أنَّ) سَوَاءٌ ، وَأَنَّ الِاعْتِبَارَ لَيْسَ بِالْحُرُوفِ ، وَإِنَّمَا هُوَ بِاللِّقَاءِ وَالْمُجَالَسَةِ وَالسَّمَاعِ وَالْمُشَاهَدَةِ ، فَإِذَا كَانَ سَمَاعُ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ صَحِيحًا ، كَانَ حَدِيثُ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ ، أَبَدًا ، بِأَيِّ لَفْظٍ وَرَدَ : مَحْمُولًا عَلَى الِاتِّصَالِ ، حَتَّى تَتَبَيَّنَ فِيهِ عِلَّةُ الِانْقِطَاعِ.

وَقَالَ الْبَرْدِيجِيُّ : (أَنَّ): مَحْمُولَةٌ عَلَى الِانْقِطَاعِ، حَتَّى يَتَبَيَّنَ السَّمَاعُ فِي ذَلِكَ الْخَبَرِ بِعَيْنِهِ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ، أَوْ يَأْتِيَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَدْ شَهِدَهُ وَسَمِعَهُ .

قَالَ أَبُو عُمَرَ : هذا عندي لا معنى له، لِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّ الْإِسْنَادَ الْمُتَّصِلَ بِالصَّحَابِيِّ: سَوَاءٌ قَالَ فِيهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَوْ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ، أَوْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ ، أَوْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ كُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ “. انتهى

إلا أنه ينبغي في مثل ذلك الاحتياط ، ونقل لفظ الأداء دون تغيير ، ما أمكن ؛ لأن ذلك مؤثر عند الترجيح بين الروايات ، وهذا صنيع الأئمة في كتبهم .

قال الإمام النووي في “شرح مسلم” (1/196) :” قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ مُعَاذٍ ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ . وربما قال وكيع عن ابن عَبَّاسٍ : أَنَّ مُعَاذًا قَالَ) : هَذَا الَّذِي فَعَلَهُ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ نِهَايَةُ التَّحْقِيقِ وَالِاحْتِيَاطِ وَالتَّدْقِيقِ ، فَإِنَّ الرِّوَايَةَ الْأُولَى قَالَ فِيهَا : عَنْ مُعَاذٍ ، والثانية : أن معاذا . وبين (أن) و(عن): فَرْقٌ ، فَإِنَّ الْجَمَاهِيرَ قَالُوا : (أَنّ)َ كَـ(عَنْ) ، فَيُحْمَلُ عَلَى الِاتِّصَالِ ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ: لَا تَلْتَحِقُ (أَنَّ) بـ(ِعَنْ)؛ بَلْ تُحْمَلُ (أَنّ)َ عَلَى الِانْقِطَاعِ، وَيَكُونُ مُرْسَلًا. وَلَكِنَّهُ هُنَا يَكُونُ مُرْسَلَ صَحَابِيٍّ لَهُ حُكْمُ الْمُتَّصِلِ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ. وَفِيهِ قَوْلُ الْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ الْإِسْفَرَايِنِيِّ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ فِي الْفُصُولِ أَنَّهُ لَا يُحْتَجُّ بِهِ. فَاحْتَاطَ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ وَبَيَّنَ اللَّفْظَيْنِ “. انتهى. وينظر أيضا: “شرح مسلم” (2/94).

ومما سبق نقول :

بالنسبة لنص الحديث : على من أراد حفظ الحديث النبوي أن يجتهد في أن يحفظ المتن كما هو ، قدر ما أمكنه ، ولا يغير لفظا من ألفاظ الحديث بآخر ، إلا إن كان عالما بمدلولات الألفاظ ، بصيرا بما يغير المعنى ، وما لا يغيره ، فحينئذ يجوز له نقله بالمعنى .

وبالنسبة لصيغة الأداء التي نقل الصحابي بها الحديث : إن كان الصحابي صرح بالسماع ، فيجوز التعبير بأي صيغة تدل على السماع كما تقدم .

وإن كانت الصيغة تحتمل السماع مثل : قال رسول الله ، أو عن رسول الله ، فالأولى الوقوف عليها دون تغيير ، لا سيما عند تحفظه ومذاكرته، ثم يجتهد عند الأداء، والتسميع، والتحفظ : ما وسعه ذلك.

وما ند عن ضبطه وحفظه، وشق عليه التحرز منه : فلا حرج عليه فيه، إن شاء الله ، فإن اللفظ ، وصيغة السماع والأداء: محفوظة على وجهها في الكتاب الذي يحفظه ويذاكره، والمرد إلى ما هو ما دون ثابت، في مقام البحث، والاحتجاج، والعمل.

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android