قال صلى الله عليه وسلم : (البكران يجلدان وينفيان ، والثيبان يجلدان ويرجمان ، والشيخان يرجمان) ما هو معنى هذا الحديث ؟
شرح حديث أبي بن كعب حول حدّ الزاني
السؤال: 298477
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
هذا الحديث روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو حديث ضعيف شديد الضعف ، وقد ذكر ابن كثير رحمه الله إسناده ، فقال :
” قال أبو بكر بن مردويه: حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم، حدثنا عباس بن حمدان، حدثنا أحمد بن داود، حدثنا عمرو بن عبد الغفار، حدثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي، عن مسروق، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: البكْرَان يُجْلَدان ويُنفيَانِ، وَالثَّيِّبَانِ يُجْلَدَانِ ويُرجَمانِ، والشَّيْخانِ يُرجَمان هذا حديث غريب من هذا الوجه ” .
انتهى من “تفسير ابن كثير” (2 / 234).
وهذا الإسناد ضعيف جدا؛ لأن عمرو بن عبد الغفار متروك الحديث.
قال الذهبي رحمه الله تعالى:
” عمرو بن عبد الغفار الفقيمى.
قال أبو حاتم: متروك الحديث.
وقال ابن عدي: اتهم بوضع الحديث.
وقال ابن المديني: رافضي تركته لأجل الرفض.
وقال العقيلي وغيره: منكر الحديث ” انتهى من “ميزان الاعتدال” (3 / 272).
وقد خالف سندا ومتنا من هو أوثق منه؛ فقد رواه النسائي بسند صحيح عن أبي بن كعب موقوفا عليه ، وليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه أن الشيخ لا يقتصر على رجمه كما في الرواية السابقة، وإنما يجلد ويرجم؛ وأما الثيب المحصن الشاب فيرجم ولا يجلد، حيث قال النسائي في “السنن الكبرى” (6 / 407):
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَزْرَةَ، عَنِ الْحَسَنِ الْعُرَنِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ نُضَيْلَةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: قَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ: ” يُجْلَدُونَ وَيُرْجَمُونَ، وَيُرْجَمُونَ وَلَا يُجْلَدُونَ، وَيُجْلَدُونَ وَلَا يُرْجَمُونَ ” فَفَسَّرَهُ قَتَادَةُ: ” الشَّيْخُ الْمُحْصَنُ إِذَا زَنَى يُجْلَدُ ثُمَّ يُرْجَمُ، وَالشَّابُّ الْمُحْصَنُ يُرْجَمُ إِذَا زَنَى، وَالشَّابُّ الَّذِي لَمْ يُحْصَنْ يُجْلَدْ “.
وبنحو هذا رواه سعيد بن منصور في “السنن – كتاب التفسير” (3 / 1196) عن شَريك، عَن فِرَاس بن يحيى الهمداني، عَنِ الشَّعْبي، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ أبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: ” البِكْرَان إِذَا زَنَيَا يُجْلَدان ويُنْفَيَان، والثَّيِّبَان يُرْجَمان، والشَّيْخَان يُجْلَدان ويُرْجَمان “.
فالخلاصة؛ أن هذا الخبر ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هو من كلام الصحابي أبي بن كعب رضي الله عنه، وعنده أن الشيخين الثيبين يجلدان ويرجمان، والثيبين الشابين يرجمان فقط.
ثانيا:
في هذا الخبر ثلاث مسائل.
المسألة الأولى والثانية: عقوبة البكر والثيب إذا زنيا : ” البكران يجلدان وينفيان، والثيبان يجلدان ويرجمان “.
وهذا المعنى قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ كما رواه الإمام مسلم في “صحيحه” (1690) عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خُذُوا عَنِّي، خُذُوا عَنِّي، قَدْ جَعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلًا، الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَنَفْيُ سَنَةٍ، وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ، وَالرَّجْمُ .
فالمسألة الأولى: البكران يجلدان وينفيان.
معناه أن الزاني إذا كان بكرا؛ لم يسبق له أن تزوج؛ فعقوبته أن يجلد مائة جلدة وينفى ويبعد عن مكان إقامته لمدة سنة.
فأما الجلد فهو أمر مجمع عليه، وقد نص عليه القرآن.
قال الله تعالى: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ النور/2 .
قال ابن المنذر رحمه الله تعالى:
” قال الله جل ذكره: ( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ).
وثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أوجب على البكر الزاني جلد مائة.
وأجمع أهل العلم على القول به.
فالقول به يجب، للكتاب والسنة، والاتفاق ” انتهى من “الاشراف” (7 / 253).
وأما التغريب والإبعاد والنفي لمدة سَنَة؛ فهذا محل خلاف بين أهل العلم؛ فذهب جمهور العلماء إلى القول به ؛ واحتجوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله:
فأما قوله فقد سبق في حديث عبادة بن الصامت.
وأما فعله؛ فكما رواه البخاري (6859) ، ومسلم (1697) عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ، قَالاَ: ” جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَنْشُدُكَ اللَّهَ إِلَّا قَضَيْتَ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ، فَقَامَ خَصْمُهُ، وَكَانَ أَفْقَهَ مِنْهُ، فَقَالَ: صَدَقَ، اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ، وَأْذَنْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ!
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُلْ!
فَقَالَ: إِنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا فِي أَهْلِ هَذَا، فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ، فَافْتَدَيْتُ مِنْهُ بِمِائَةِ شَاةٍ وَخَادِمٍ، وَإِنِّي سَأَلْتُ رِجَالًا مِنْ أَهْلِ العِلْمِ، فَأَخْبَرُونِي أَنَّ عَلَى ابْنِي جَلْدَ مِائَةٍ وَتَغْرِيبَ عَامٍ، وَأَنَّ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا الرَّجْمَ.
فَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ، المِائَةُ وَالخَادِمُ رَدٌّ عَلَيْكَ، وَعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَيَا أُنَيْسُ اغْدُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا فَسَلْهَا، فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا فَاعْتَرَفَتْ، فَرَجَمَهَا “.
واستثنى الإمام مالك النساء؛ فقال : إن المرأة البكر الزانية تجلد فقط ولا تنفى؛ لأن نفيها فيه إضرار بمحرمها الذي سيرافقها ، ففيه عقوبة له بلا ذنب، ونفيها بدون محرم فيه خطر عليها.
والإمام أبو حنيفة لم يجعل التغريب عقوبة ثابتة ، وإنما جعلها من باب التأديب ويرجع فيه إلى اجتهاد الحاكم والقاضي.
قال ابن قدامة رحمه الله تعالى:
” ويجب مع الجلد تغريبه عاما، في قول جمهور العلماء؛ روي ذلك عن الخلفاء الراشدين، وبه قال أُبَيُّ، وأبو ذَرّ، وابن مسعود، وابن عمر، رضي الله عنهم، وإليه ذهب عطاء، وطاوس، والثوري، وابن أبي ليلى، والشافعي، وإسحاق، وأبو ثور.
وقال مالك، والأوزاعي: يُغرَّب الرجل دون المرأة؛ لأن المرأة تحتاج إلى حفظ وصيانة…
ولأن تغريبها بغير مَحْرَم إغراء لها بالفجور، وتضييع لها، وإن غربت بمَحْرَم، أفضى إلى تغريب من ليس بزان، ونفي من لا ذنب له ” انتهى من “المغنى” (12 / 322).
وقال ابن كثير رحمه الله تعالى:
” إذا كان – الزاني – بكرا لم يتزوج، فإن حده مائة جلدة كما في الآية، ويزاد على ذلك أن يُغَرَّب عاما عن بلده عند جمهور العلماء، خلافا لأبي حنيفة، رحمه الله؛ فإن عنده أن التغريب إلى رأي الإمام، إن شاء غرب وإن شاء لم يغرب ” انتهى من “تفسير ابن كثير” (6 / 5).
المسألة الثانية: الثيبان يجلدان ويرجمان.
ومعنى هذا أن الزاني إذا كان ثيبا؛ أي قد سبق وأن تزوج ودخل بزوجته، وكذا الزانية إذا كانت ثيبا ؛ فعقوبتهما: الجلد مائة جلدة، ثم الرجم.
فأما الرجم؛ فهي عقوبة مجمع عليها بين أهل العلم.
قال ابن المنذر رحمه الله تعالى:
” أجمع أهل العلم على أن الحر المسلم إذا تزوج امرأة مسلمة، تزويجاً صحيحاً، ودخل بها، ووطئها في الفرج: أنه محصن، يوجب عليه وعليها، إذا كانت حرة، وزنيا: الرجم…
وأجمع أهل العلم على أن المرء لا يكون بعقد النكاح محصناً، حتى يكون معه الوطء ” انتهى من “الإشراف” (7 / 253 – 254).
وقد دلت على عقوبة الرجم أحاديث عدة من قول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله؛ كما في حديث عبادة الصامت وحديث أَبِي هُرَيْرَةَ، وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ وقد سبق ذكرهما، وروى البخاري (6830) ، ومسلم (1691) واللفظ له عَنِ عَبْد اللهِ بْن عَبَّاسٍ، قال: ” قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَقِّ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ، فَكَانَ مِمَّا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةُ الرَّجْمِ، قَرَأْنَاهَا وَوَعَيْنَاهَا وَعَقَلْنَاهَا، فَرَجَمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ، فَأَخْشَى إِنْ طَالَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ، أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: مَا نَجِدُ الرَّجْمَ فِي كِتَابِ اللهِ، فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اللهُ، وَإِنَّ الرَّجْمَ فِي كِتَابِ اللهِ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى إِذَا أَحْصَنَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، إِذَا قَامَتِ الْبَيِّنَةُ، أَوْ كَانَ الْحَبَلُ، أَوِ الِاعْتِرَافُ “.
وأما عقوبة الجلد قبل رجم الزاني الثيب: فهي عقوبة مختلف فيها عند أهل العلم.
فذهب الجمهور إلى أن الزاني الثيب يرجم فقط ولا يجلد.
وذهب بعضهم إلى أنه تجمع له العقوبتان الجلد ثم الرجم.
قال النووي رحمه الله تعالى:
” واختلفوا في جلد الثيب مع الرجم؛ فقالت طائفة: يجب الجمع بينهما فيجلد ثم يرجم، وبه قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه، والحسن البصري، وإسحاق بن راهويه، وداود، وأهل الظاهر، وبعض أصحاب الشافعي.
وقال جماهير العلماء: الواجب الرجم وحده …
وحجة الجمهور: أن النبي صلى الله عليه وسلم اقتصر على رجم الثيب في أحاديث كثيرة، منها قصة ماعز، وقصة المرأة الغامدية، وفي قوله صلى الله عليه وسلم: واغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها .
قالوا: وحديث الجمع بين الجلد والرجم منسوخ؛ فإنه كان في أول الأمر ” انتهى من “شرح صحيح مسلم” (11 / 189).
المسألة الثالثة: والشيخان يرجمان.
وسبق بيان أن الصحيح الثابت من كلام أُبَيِّ بن كَعْب: أن الشيخين يجلدان ويرجمان.
وبهذا القول قال مسروق الراوي عن أبي بن كعب.
روى عبد الرزاق في “المصنف” (7 / 329) عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: ( الْبِكْرَانِ يُجْلَدَانِ ويُنْفَيَانِ، وَالثَّيِّبَانِ يُرْجَمَانِ وَلَا يُجْلَدَانِ، وَالشَّيْخَانِ يُجْلَدَانِ وَيُرْجَمَانِ ).
فذهب أُبَيُّ بن كَعْب ومسروق إلى أن الثيب الزاني، إذا كان قد دخل في سن الشيخوخة، فإن عقوبته تكون أشد؛ فيعاقب بالجلد ثم الرجم.
وجماهير أهل العلم على خلاف هذا القول ويذهبون إلى أن عقوبة الزاني الثيب واحدة، سواء كان شابا أم شيخا، حتى جزم بعض العلماء ببطلان التفريق بين الشيخ والشاب.
قال النووي رحمه الله تعالى:
” وحكى القاضي عن طائفة من أهل الحديث أنه يجب الجمع بينهما – أي الجلد والرجم – إذا كان الزاني شيخا ثيبا، فإن كان شابا ثيبا اقتصر على الرجم، وهذا مذهب باطل لا أصل له ” انتهى من “شرح صحيح مسلم” (11 / 189).
وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى:
” وأما القول الثالث وهو الفرق بين الشيخ والشاب، فلا يخفى سقوطه ” انتهى من “أضواء البيان” (6 / 52).
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب