ما صحة هذا الحديث : ” جاء نفر من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فسألوه عن مسائل ، فكان فيما سألوه أخبرنا يا محمد لأي علة توضأ هذه الجوارح الأربع ، وهى أنظف المواضع في الجسد ؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله حين وسوس الشيطان إلى آدم دنا من الشجرة ونظر إليها ذهب ماء وجهه ، ثم قام ومشى إليها ، وهى أول قدم مشت إلى الخطيئة ، ثم تناول بيده منها مما عليها فأكل ، فطار الحلى والحلل عن جسده ، فوضع آدم يده على رأسه ، وبكى ، فلما تاب الله عليه فرض عليه وعلى ذريته غسل هذه الجوارح الأربع ، وأمره بغسل الوجه ؛ لنظر إلى الشجرة ، وأمره بغسل اليدين إلى الموفقين لتناوله منها ، وأمره بمسح الرأس لوضعه يده على أم رأسه ، وأمره بمسح القدمين لمشيه بهما إلى الخطيئة ” ؟
خبر يروى عن الحكمة من الوضوء
السؤال: 298783
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
هذا الحديث لا يعرف له أصل؛ وإنما يذكره بعض الشيعة في كتبهم ككتابهم “علل الشرائع”، بسند لا يصح؛ حيث قال صاحب الكتاب:
حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل، قال: حدثنا علي بن الحسين السعد آبادي، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن أبيه عن فضالة، عن الحسن بن أبي العلاء، عن أبي عبد الله – أي جعفر الصادق-.
وسنده يحتوي على ضعفاء ومجاهيل حتى على مذهب الشيعة أنفسهم؛ والشيعة قد أكثروا من الكذب على جعفر الصادق وتقويله ما لم يقل.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
” وأما الكذب والأسرار التي يدعونها عن جعفر الصادق: فمن أكبر الأشياء كذبا حتى يقال: ما كُذب على أحد ما كُذب على جعفر رضي الله عنه ” انتهى من “مجموع الفتاوى” (4 / 78).
وقال رحمه الله تعالى:
” بل كُذِب على جعفر الصادق أكثر مما كُذِب على من قبله، فالآفة وقعت من الكذابين عليه لا منه. ولهذا نسب إليه أنواع من الأكاذيب…
وحتى أن كل من أراد أن ينفق أكاذيبه نسبها إلى جعفر ” انتهى من “منهاج السنة” (4 / 54).
ومما يؤكد بطلان هذا الحديث : أن الأحاديث التي ذكرت فضل الوضوء ، ذكرت أنه يطهر المتوضئ نفسه من ذنوبه مع غسل أعضائه ، ولم تذكر هذه الأحاديث شيئا مما ورد في السؤال.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ – أَوِ الْمُؤْمِنُ – فَغَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَ مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إِلَيْهَا بِعَيْنَيْهِ مَعَ الْمَاءِ – أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ -، فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَ مِنْ يَدَيْهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ كَانَ بَطَشَتْهَا يَدَاهُ مَعَ الْمَاءِ أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ -، فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَجَتْ كُلُّ خَطِيئَةٍ مَشَتْهَا رِجْلَاهُ مَعَ الْمَاءِ – أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ – حَتَّى يَخْرُجَ نَقِيًّا مِنَ الذُّنُوبِ رواه مسلم (244).
وعَنْ عَمْرو بْن عَبَسَةَ السُّلَمِيّ: قَالَ: قُلْتُ: ” يَا نَبِيَّ اللهِ فَالْوُضُوءَ حَدِّثْنِي عَنْهُ، قَالَ: مَا مِنْكُمْ رَجُلٌ يُقَرِّبُ وَضُوءَهُ فَيَتَمَضْمَضُ، وَيَسْتَنْشِقُ فَيَنْتَثِرُ إِلَّا خَرَّتْ خَطَايَا وَجْهِهِ، وَفِيهِ وَخَيَاشِيمِهِ، ثُمَّ إِذَا غَسَلَ وَجْهَهُ كَمَا أَمَرَهُ اللهُ، إِلَّا خَرَّتْ خَطَايَا وَجْهِهِ مِنْ أَطْرَافِ لِحْيَتِهِ مَعَ الْمَاءِ، ثُمَّ يَغْسِلُ يَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ، إِلَّا خَرَّتْ خَطَايَا يَدَيْهِ مِنْ أَنَامِلِهِ مَعَ الْمَاءِ، ثُمَّ يَمْسَحُ رَأْسَهُ، إِلَّا خَرَّتْ خَطَايَا رَأْسِهِ مِنْ أَطْرَافِ شَعْرِهِ مَعَ الْمَاءِ، ثُمَّ يَغْسِلُ قَدَمَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ، إِلَّا خَرَّتْ خَطَايَا رِجْلَيْهِ مِنْ أَنَامِلِهِ مَعَ الْمَاءِ، فَإِنْ هُوَ قَامَ فَصَلَّى، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَمَجَّدَهُ بِالَّذِي هُوَ لَهُ أَهْلٌ، وَفَرَّغَ قَلْبَهُ لِلَّهِ، إِلَّا انْصَرَفَ مِنْ خَطِيئَتِهِ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ رواه مسلم (832).
وعَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ جَسَدِهِ، حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِهِ رواه مسلم (245).
قال ابن القيم رحمه الله تعالى:
” فتأمل محاسن الوضوء بين يدي الصلاة، وما تضمنه من النظافة والنزاهة ومجانبة الأوساخ والمستقذرات.
وتأمل كيف وضع على الأعضاء الأربعة التي هي آلة البطش والمشي، ومجمع الحواس التي أكثر تعلُّق الذنوب والخطايا بها، ولهذا خصها النبي صلى الله علية وسلم بالذكر في قوله: ( إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة؛ فالعين تزني وزناها النظر، والأذن تزني وزناها الاستماع، واليد تزني وزناها البطش، والرجل تزني وزناها المشي، والقلب يتمني ويشتهي، والفرج يصدق ذلك ويكذبه ).
فلما كانت هذه الأعضاء هي أكثر الأعضاء مباشرة للمعاصي، كان وسخ الذنوب ألصق بها، وأعلق من غيرها؛ فشرع أحكم الحاكمين الوضوء عليها ليتضمن نظافتها وطهارتها من الأوساخ الحسية، وأوساخ الذنوب والمعاصي.
وقد أشار النبي إلى هذا المعنى… والأحاديث في هذا الباب كثيرة.
فاقتضت حكمة أحكم الحاكمين، ورحمته: أن شرع الوضوء على هذه الأعضاء التي هي أكثر الأعضاء مباشرة للمعاصي، وهي الأعضاء الظاهرة البارزة للغبار والوسخ أيضا، وهي أسهل الأعضاء غسلا، فلا يشق تكرار غسلها في اليوم والليلة؛ فكانت الحكمة الباهرة في شرع الوضوء عليها دون سائر الأعضاء ” انتهى من “مفتاح دار السعادة” (2 / 915 – 917).
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب