لدي من الأولاد ٦، منهم ٤ ذكور، و٢ من الإناث، زوجت الأولى، ولم أطلب لها مهرا إلا رمزيا، وأنوي إذا الله تعالى أكرم الثانية، وجاء نصيبها أن أطلب ذات المهر، وهنا أعتقد في قرارة نفسي أني تنازلت عن حق من حقوقهما دون مشاورتهما، وعدم رفضهما هو امتثال وطاعة ورضا لأمري، ورغبة مني في تعويضهما عما قصرت فيه من حقوقهما قمت بشراء منزل صغير بمبلغ بسيط يقارب قيمة المهور المتعارف عليها والسائدة، واعتقدت فيه المأوى والملاذ بأمر الله تعالى من ملمات الزمان إذا تخلى عن إحداهن زوجها، فهل يجوز لي أن اشتري لهن هذا المنزل، علما بأن الذكور حظوا بمصاريف دراسية زيادة عنهن ؟ وإن كان لا يجوز، فهل من الممكن أن أبقيه وقفا لهن يقتطع من ميراثهن بالثمن الذي تم شراؤه، وليس بالقيمة السوقية في حينه، علما بأنها تضاعفت ٣ أضعاف، وقد يزيد ؟
إذا زوجها الولي بأقل من مهر المثل فما الذي يجب عليه؟
السؤال: 299037
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
المهر حق للزوجة، وللأب أن يزوجها بأقل من صداق مثلها.
وأما غير الأب من الأولياء، فليس له أن يزوجها بأقل من صداق مثلها، فإن فعل بغير إذنها: وجب لها مهر المثل، يكمّله الزوج، ويكون الولي ضامنا له.
قال في “كشاف القناع” (5/ 137) : ” (وللأب تزويج ابنته البكر والثيب بدون صداق مثلها، وإن كرهت، كبيرة كانت أو صغيرة)؛ لأن عمر خطب الناس فقال: لا تغالوا في صداق النساء، فما أصدق النبي – صلى الله عليه وسلم – أحدا من نسائه، ولا بناته، أكثر من اثنتي عشرة أوقية.
وكان ذلك [يعني: كلام عمر] بمحضر من الصحابة، ولم ينْكَر؛ فكان اتفاقا منهم على أن له أن يزوج بذلك، وإن كان دون صداق مثلها.
ولأنه ليس المقصود من النكاح العِوَض، وإنما المقصود السكن والازدواج، ووضع المرأة في منصب عند من يكفيها، ويصونها، والظاهر من الأب مع تمام شفقته وحسن نظره أنه لا ينقصها من الصداق إلا لتحصيل المعاني المقصودة، فلا يمنع منه. بخلاف عقود المعاوضات، فإن المقصود منها العوض…
(وإن فعل ذلك) أي: زوجها بدون صداق مثلها (غير الأب، بإذنها : صح ، ولم يكن لغيره) – أي: غير العاقد – من الأولياء (الاعتراض ، إن كانت) الآذنة (رشيدة) ؛ لأن الحق لها ، فإذا رضيت بإسقاطه : سقط ، كبيع سلعتها.
(وإن فعله) أي: زوَّجها بدون مهر مثلها ، (بغير إذنها : وجب مهر المثل) ، لأنه قيمة بُضعها، وليس للولي نقصها منه ، والنكاح صحيح لا يؤثر فيه فساد التسمية وعدمها ، (ويكمّله) أي يكمل الزوج مهر المثل ؛ لأنه المستوفي لبدله ، وهو البضع.
(ويكون الولي ضامنا) ، لأنه مُفرِّط ، كما لو باع مالها بدون ثمن مثله” انتهى.
وينظر: “الشرح الممتع” (12/281-282).
وإلى هذا ذهب المالكية.
وأما الشافعية فيرون أن لها الاعتراض على المهر ولو كان الولي هو أبوها.
وعند الحنفية خلاف، ومنهم من يبطل النكاح إذا زوج الأب ابنته البكر بدون مهر المثل.
وينظر: “الفقه الإسلامي وأدلته”، للدكتور وهبة الزحيلي (9/ 6785).
والمعتبر في مهر المثل: بمن يساوي الزوجة من جميع أقاربها من جهة أبيها وأمها كأختها وعمتها وبنت أخيها وبنت عمها وأمها وخالتها وغيرهن القربى فالقربى.
وينظر: “الموسوعة الفقهية” (39/ 155).
وعليه ؛ فما دام الأب هو الذي تولى تزويجها بأقل من مهر المثل ، فلا شيء عليه ، ولا يلزمه تعويضها .
وإن علمت البنت بالمهر قبل العقد فلم تنكره، فهذا إقرار ورضى منها، وتأكيد منها على صحة تصرف الأب ، فلا شيء لها .
بل مذهب الحنابلة والمالكية أنه ليس من حقها الاعتراض ، من حيث الأصل، كما سبق؛ فكيف إذا رضيت وسكتت ؟!
ثانيا:
ينبغي أن تراعي ما ذكرنا في تزويج ابنتك الثانية.
والأفضل أن تستشيرها في النقصان عن مهر المثل ، من باب الاحتياط ، خروجا من خلاف من منع ذلك من العلماء ، كالشافعية .
ثالثا:
يجب على الأب والأم أن يعدلا في في عطيتهما لأولادهما؛ لحديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما: ” أن أَبَاهُ أَتَى بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي نَحَلْتُ ابْنِي هَذَا غُلَامًا كَانَ لِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَهُ مِثْلَ هَذَا فَقَالَ: لَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَارْجِعْهُ ” أخرجه البخاري (2586)، ومسلم (1623).
وفي لفظ لمسلم (1623) فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا بَشِيرُ أَلَكَ وَلَدٌ سِوَى هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ: أَكُلَّهُمْ وَهَبْتَ لَهُ مِثْلَ هَذَا؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَلَا تُشْهِدْنِي إِذًا، فَإِنِّي لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ .
نحلت: أي: أعطيت، من النِّحلة، وهي العطاء.
وينظر جواب السؤال رقم: (22169).
وبهذا يعلم أنه لا يجوز أن تشتري المنزل وتعطيه للبنات دون البقية، لما في ذلك من التفضيل في العطية، إلا أن يكون ذلك بموافقة إخوانهن والحال أنهم بالغون راشدون.
وكذا لا يجوز أن تجعله ميراثا لهن يحتسب بالثمن الذي اشتري به؛ لما في ذلك من الوصية لوارث وهي ممنوعة، ولما فيه من تفضيلهن بفارق السعر.
فاتق الله واعدل بين أولادك، واحذر من الجور.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة