هناك من يقول: إن المرأة يجوز لها وضع البودرة علي وجهها خارج المنزل، ويستدل أن الصحابيات كن يضعن شيئاً من الحمرة أو الصفرة، وأيضا يقول: إن تفسير آية ( وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ) يقوْي الاستدلال بجواز وضع الحمرة علي وجه المرأة؟
هل للمرأة وضع شيء من الزينة على وجهها عند الخروج من المنزل؟
السؤال: 299259
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
قال الله تعالى:
( وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ) النور (31).
واختلف العلماء في المراد بقول تعالى: ( إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا )، والمشهور في هذا قولان:
القول الأول: أن المراد به الثياب الظاهرة، وهو الذي سبق في الموقع ترجيحه في أجوبة عدة ويلزم منه تغطية المرأة لوجهها أمام الرجال الأجانب عنها، منها جواب السؤال رقم: (11774).
والقول الثاني: أن المراد به: الوجه والكفين.
قال ابن كثير رحمه الله تعالى:
” وقال الأعمش، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: ( وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ) قال: وجهها وكفيها والخاتم.
وروي عن ابن عمر، وعطاء، وعكرمة، وسعيد بن جبير، وأبي الشعثاء، والضحاك، وإبراهيم النخعي، وغيرهم -نحو ذلك. وهذا يحتمل أن يكون تفسيرا للزينة التي نهين عن إبدائها…
ويحتمل أن ابن عباس ومن تابعه أرادوا تفسير ما ظهر منها بالوجه والكفين، وهذا هو المشهور عند الجمهور ” انتهى من “تفسير ابن كثير” (6 45).
وأصحاب هذا القول يقولون : إن ما يرخص فيه مما يظهر من وجهها : هو ما يظهر عادة عند الخدمة في البيت، لكن إن تعمدت تحسينه وتعاهد حسنه قبل الخروج فهو حرام.
قال ابن القطان رحمه الله تعالى:
” … جواز إبداء المرأة وجهها وكفيها.
لكن يُستثنى من ذلك، ما لا بد من استثنائه قطعا، وهو ما إذا قصدت بإبداء ذلك: التبرج وإظهار المحاسن؛ فإن هذا يكون حراما، ويكون الذي يجوز لها إنما هو إبداء ما هو في حكم العادة ظاهر حين التصرُّف والتبذُّل… ” انتهى من “إحكام النظر” (ص 209).
والشريعة أحكامها متشابهة لا تختلف.
قال الله تعالى: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) النساء /82.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى:
” قد استقرت شريعته سبحانه أن حكم الشيء حكم مثله، فلا تفرق شريعته بين متماثلين أبدا، ولا تجمع بين متضادين … فبحكمته وعدله ظهر خلقه وشرعه، وبالعدل والميزان قام الخلق والشرع، وهو التسوية بين المتماثلين، والتفريق بين المختلفين ” انتهى من “زاد المعاد” (4/248).
وإذا كانت الآية الكريمة نفسها تنهى المرأة عن تنبيه الناس على ما تخفيه من الزينة، فكيف بتعمد إظهارها؟! قال الله تعالى:
(وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ) النور/31.
قال ابن كثير رحم الله تعالى:
” وقوله:( وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ ) كانت المرأة في الجاهلية إذا كانت تمشي في الطريق، وفي رجلها خلخال صامت -لا يُسمع صوته- ضربت برجلها الأرض، فيعلم الرجال طنينه، فنهى الله المؤمنات عن مثل ذلك. وكذلك إذا كان شيء من زينتها مستورا، فتحركت بحركة لتظهر ما هو خفي، دخل في هذا النهي؛ لقوله تعالى: ( وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ ).
ومن ذلك أيضا: أنها تنهى عن التعطر والتطيب عند خروجها من بيتها ليشتم الرجال طيبها ” انتهى من “تفسير ابن كثير” (6/49).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ، وَلَكِنْ لِيَخْرُجْنَ وَهُنَّ تَفِلَاتٌ ) رواه الإمام أحمد في “المسند” (15/405)، وأبو داود (565)، وصححه محققو المسند.
قال ابن دقيق العيد رحمه الله تعالى:
” قوله: ( وَلْيَخْرُجْنَ تَفِلَاتٍ )، وفي بعض الروايات: (إِذَا شَهِدَتْ إِحْدَاكُنَّ الْمَسْجِدَ فَلَا تَمَسَّ طِيبًا )، وفي بعضها: (إِذَا شَهِدَتْ إِحْدَاكُنَّ الْعِشَاءَ فَلا تَطَيَّبْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ).
فيُلحق بالطيب ما في معناه؛ فإن الطيب إنما مُنع منه لما فيه من تحريك داعية الرجال وشهوتهم، وربما يكون سببا لتحريك شهوة المرأة أيضا؛ فما أوجب هذا المعنى: الْتَحق به.
وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَصَابَتْ بَخُورًا فَلَا تَشْهَدْ مَعَنَا الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ ).
ويلحق به أيضا: حُسن الملابس، ولبس الحُلي الذي يظهر أثره في الزينة.
وحمل بعضهم قول عائشة رضي الله عنها ، في الصحيح: ( لَوْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ لَمَنَعَهُنَّ الْمَسْجِدَ كَمَا مُنِعَتْ نِسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ ) على هذا، تعني إحداث حسن الملابس والطيب والزينة ” انتهى من “احكام الأحكام” (1 / 166 – 167).
وقد أباح الله تعالى للمرأة الكبيرة في السن أن تكشف وجهها ، لعدم ترتب مفسدة على كشفها وجهها ، وهي كبيرة في السن ، ولكن بشرط ألا تُظهر زينتها أمام الرجال الأجانب عنها .
فقال تعالى : (وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) النور/60.
قال السعدي رحمه الله في تفسيره (ص 574):
“(وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ) أي: اللاتي قعدن عن الاستمتاع والشهوة. (اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا) أي: لا يطمعن في النكاح، ولا يُطمع فيهن، وذلك لكونها عجوزا لا تَشتهي ولا تُشتهى ، أو دميمة الخلقة لا تُشتهى.
(فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ) أي: حرج وإثم (أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ) أي: الثياب الظاهرة، كالخمار ونحوه، الذي قال الله فيه للنساء: (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ)؛ فهؤلاء يجوز لهن أن يكشفن وجوههن لآمن المحذور منها وعليها.
ولما كان نفي الحرج عنهن في وضع الثياب، ربما تُوُهِّم منه جواز استعمالها لكل شيء، دفع هذا الاحتراز بقوله: (غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ)؛ أي: غير مظهرات للناس زينةً، من تجمُّلٍ بثياب ظاهرة ، وتسترُ وجهها ، ومن ضرب الأرض برجلها، ليُعلم ما تُخفي من زينتها، لأن مجرد الزينة على الأنثى، ولو مع تسترها، ولو كانت لا تُشتهى: يفتن فيها، ويوقعُ الناظرَ إليها في الحرج” انتهى.
وقال القرطبي (12/309):
“قوله تعالى: (غير متبرجات بزينة): أي غير مظهرات ولا متعرضات بالزينة لينظر إليهن، فإن ذلك من أقبح الأشياء وأبعده عن الحق.
والتبرج: التكشف والظهور للعيون” انتهى .
فهذا لمن هي كبيرة في السن ، فكيف بمن هي شابة ، ويتطلع الرجال إليها ؟!
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (280556).
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة