0 / 0

حول شرح حديث :” إن أولى الناس بالله من بدأهم بالسلام “.

السؤال: 299699

قال رسول الله : (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِاللَّهِ مَنْ بَدَأَهُمْ بِالسَّلَامِ) أبو داود ، والرواية في الترمذي هو: ( إذا التقى المؤمنان فسلم كل واحد منهما على صاحبه وتصافحا كان أحبهما إلى الله أحسنهما بشراً لصاحبه) . ما هو شرح هذا الحديث ؟ وهل يعني أنه إذا قال أحدهم لي : السلام عليكم أولا أنه أقرب إلى الله مني ؟ فأحياناً قد أبدؤه بالسلام أولاً ، فهل هذا يعني أنني أقرب إلى الله من ذلك الشخص ؟ يرجى توضيح هذا الحديث ، أشعر أحيانًا بالغمّ ؛ لأنني أعتقد أنه عندما يقول لي أحدهم : السلام عليكم فهو أقرب إلى الله مني ، وهذا يجعلني أشعر بالحزن وبأنني غير قريب من الله

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :

الحديث الأول الذي أورده السائل الكريم ، حديث حسن .

أخرجه أحمد في “المسند” (22192) ، وأبو داود في “سننه” (5197) ، والترمذي في “سننه” (2694) ، من حديث أبي أمامة رضي الله عنه ، قال : إنَّ أولى النَّاسِ بالله مَنْ بَدَأهُمْ بِالسَّلام  .

وفي لقظ :   مَنْ بَدَأَ بِالسَّلَامِ فَهُوَ أَوْلَى بِاللهِ وَرَسُولِهِ  .

وفي لفظ : ” قِيلَ يَا رَسُولَ اللهِ الرَّجُلاَنِ يَلْتَقِيَانِ أَيُّهُمَا يَبْدَأُ بِالسَّلاَمِ؟ فَقَالَ: أَوْلاَهُمَا بِاللَّهِ  ” .

وإسناده حسن ، وحسن إسناده النووي في “روضة الطالبين” (10/234) ، وابن الملقن في “تحفة المحتاج” (1624) ، وصححه الشيخ الألباني في “السلسلة الصحيحة” (3382) .

وأما الحديث الثاني ، والذي عزاه السائل إلى الترمذي ، فهو حديث ضعيف جدا ، ولم يروه الترمذي صاحب السنن ، وإنما رواه الحكيم الترمذي صاحب “نوادر الأصول” .

أخرجه البزار في “مسنده” (308) ، والبيهقي في “شعب الإيمان” (7692) ، من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، قال : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم :  إِذَا الْتَقَى الرَّجُلانِ الْمُسْلِمَانِ فَسَلَّمَ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ، فَإِنَّ أَحَبَّهُمَا إِلَى اللهِ أَحْسَنُهُمَا بِشْرًا بِصَاحِبِهِ ، فَإِذَا تَصَافَحَا نَزَلَتْ عَلَيْهِمَا مِائَةٌ رَحْمَةٍ ، لِلْبَادِي مِنْهُمَا تِسْعُونَ وَلِلْمُصَافِحِ عَشْرَةٌ  .

والحديث ليس في سنن الترمذي كما قلنا ، وإنما عزاه القاري في “مرقاة المفاتيح” (7/2964) إلى الحكيم الترمذي ، وهو عنده في “نوادر الأصول” (3/12) ، والحديث قال فيه الشيخ الألباني في “السلسلة الضعيفة” (2385) :” ضعيف جدا ” انتهى .

ثانيا:

وأما معنى الحديث : فإنه لا ينبغي أن يحمل المسلم على الغم والحزن ، كما ذكر السائل ، بل يحمله على الفرح بفضل الله ورحمته ، وكرمه الواسع ، وقربه من عباده ، ويحثه على المسابقة والمسارعة في الخيرات ، وبيان ذلك كما يلي :

أولا : إن معنى الحديث أنه إذا التقى المسلم بأخيه المسلم ، فسبقه بالسلام عليه ، فهذا دليل على مسارعته إلى الطاعة ، وسبقه لأخيه دليل حرصه على الخير ، ولذا كان السابق بالسلام أقرب إلى رحمة الله ، وأعظم ثوابا من الآخر ، لأنه السابق إلى ذكر الله ، والمذكر به .

قال ابن علان في “دليل الفالحين” (5/335) :” قال ابن رسلان: ومعنى الروايتين أقرب الناس من الله بالطاعة: من بدأ أخاه بالسلام عند ملاقاته ، لأنه السابق إلى ذكر الله ومذكره “. انتهى

وقال القاري في “مرقاة المفاتيح” (7/2944) :” إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ أَيْ: أَقْرَبَهُمْ مِنَ الْمُتَلَاقِيَيْنِ ( بِاللَّهِ ) أَيْ: بِرَحْمَتِهِ وَغُفْرَانِهِ ( مَنْ بَدَأَ ) : وَفِي الْجَامِعِ: مَنْ بَدَأَهُمْ ( بِالسَّلَامِ ) : قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ: أَقْرَبُ النَّاسِ ، مِنَ الْمُتَلَاقِيَيْنِ ، إِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ مَنْ بَدَأَ بِالسَّلَامِ ” انتهى .

وقال المناوي في “فيض القدير” (2/441) :” إن أولى الناس بالله . أي من أخصهم برحمته وغفرانه ، والقرب منه في جنانه ، من : الوَلْي، [أي]: القرب .

( من بدأهم بالسلام ) أي : أقربهم من الله بالطاعة ، من بدأ أخاه المسلم بالسلام ، عند ملاقاته؛ لأنه السابق إلى ذكر الله ، والسلام تحية المسلمين ، وسنة المرسلين ” انتهى .

ثانيا : ، أن الحديث لا ينفي قرب الآخر من رب العالمين ، ولا ينفي كذلك الثواب عنه ، بل هو في تفضيل البادئ على غيره .

ولذا قال في حديث المتخاصمين :  وخيرهما الذي يبدأ بالسلام   .

وهو ما أخرجه البخاري في “صحيحه” (6077) ، ومسلم في “صحيحه” (2560) ، من حديث أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:  لاَ يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثِ لَيَالٍ ، يَلْتَقِيَانِ: فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا ، وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلاَمِ  .

قال الباجي في “المنتقى شرح الموطأ” (7/215) :” وَقَوْلُهُ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَكْثَرُ ثَوَابًا ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَبْدَأُ بِالْمُوَاصَلَةِ الْمَأْمُورِ بِهَا، وَتَرْكِ الْمُهَاجَرَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا ، مَعَ أَنَّ الِابْتِدَاءَ بِهَا أَشَدُّ مِنْ الْمُسَاعَدَةِ عَلَيْهَا “. انتهى

وقال القاري في “مرقاة المفاتيح” (8/3147) :” وَإِنَّمَا يَكُونُ الْبَادِئُ خَيْرَهُمَا ، لِدَلَالَةِ فِعْلِهِ عَلَى أَنَّهُ أَقْرَبُ إِلَى التَّوَاضُعِ ، وَأَنْسَبُ إِلَى الصَّفَاءِ وَحُسْنِ الْخُلُقِ ، وَلِلْإِشْعَارِ بِأَنَّهُ مُعْتَرِفٌ بِالتَّقْصِيرِ ، وَلِلْإِيمَاءِ إِلَى حُسْنِ الْعَهْدِ ، وَحِفْظِ الْمَوَدَّةِ الْقَدِيمَةِ ، أَوْ كَأَنَّهُ بَادِئٌ فِي الْمَحَبَّةِ وَالصُّحْبَةِ “. انتهى

والسبق المذكور في هذا الحديث ، وكون البادئ بالسلام أولى بالله ، لا يعني ذلك أنه أفضل عند الله مطلقا ، ولا أنه أولى بالله مطلقا ، ولا أنه خير من المسبوق بالسلام في هذه الحال ، مطلقا ؛ بل المعنى : أنه أولى الرجلين بالله ، في هذه الحال ، وأسبقهم في هذا المقام ، وأكثرهم ثوابا عند الله في هذا العمل .

ثم العمل معروض على العباد ، فإن سبقك هذه المرة، فاحرص على أن تكون أنت السابق فيما تستقبل من أمرك ، وإن فاتك فضل السبق إلى الخير في هذه الخصلة ، فاحرص على تعويض ذلك بخصال الخير الأخرى . وهكذا كان حال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم .

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: ” جَاءَ الفُقَرَاءُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ مِنَ الأَمْوَالِ بِالدَّرَجَاتِ العُلاَ، وَالنَّعِيمِ المُقِيمِ يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَلَهُمْ فَضْلٌ مِنْ أَمْوَالٍ يَحُجُّونَ بِهَا، وَيَعْتَمِرُونَ، وَيُجَاهِدُونَ، وَيَتَصَدَّقُونَ، قَالَ:  أَلاَ أُحَدِّثُكُمْ إِنْ أَخَذْتُمْ أَدْرَكْتُمْ مَنْ سَبَقَكُمْ وَلَمْ يُدْرِكْكُمْ أَحَدٌ بَعْدَكُمْ، وَكُنْتُمْ خَيْرَ مَنْ أَنْتُمْ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِ إِلَّا مَنْ عَمِلَ مِثْلَهُ تُسَبِّحُونَ وَتَحْمَدُونَ وَتُكَبِّرُونَ خَلْفَ كُلِّ صَلاَةٍ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ .

رواه البخاري (843) ، ومسلم (595) .

عَنْ أَبِي ذَرٍّ : ” أَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللهِ، ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالْأُجُورِ، يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَيَتَصَدَّقُونَ بِفُضُولِ أَمْوَالِهِمْ، قَالَ:   أَوَلَيْسَ قَدْ جَعَلَ اللهُ لَكُمْ مَا تَصَّدَّقُونَ؟ إِنَّ بِكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةً، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ صَدَقَةٌ، وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ  ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيَأتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟ قَالَ:  أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ  رواه مسلم (1006) .

فانظر، كيف أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، لما عجزوا عن باب من أبواب الخير، لم يحملهم ذلك على الحزن المقعد عن الطاعات، ولا الضعف عن أبواب الخير، بل سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدلهم على ما يعوضون به ما فاتهم من السبق ، وفتح لهم برحمة الله وفضله، من أبواب الخير، ما يقدرون عليه، ويسابقون فيه السابقين والمحسنين !!

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android