يموت صبي للأنصار في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، ولما ظنت به أمنا عاشئة أنه من أهل الجنة ، قال لها رسول الله : (وما يدريك فإن الله جعل للنار أهلها في أصلاب آبائهم) ، أو كما قال ، فما يجعل المسلم يجزم أن أطفال المسلمين كلهم في الجنة بدون اختبار لهم ، كمثل أطفال الكفار في الآخرة ، وقد أعلمنا الله في سورة الكهف عن الصبي الذي قتله الخضر فقال : ( وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا) ، فهنا الأبوان شهد الله لهم بالإيمان ، والصبي كان في علم الله سيكون كافرا ، فما يدرينا في أمثاله من الصبيان الذين ماتوا على الفطرة ما كانوا فاعلين هم أيضا ، هل سيكونون كمثل هذا الغلام أم لا ؟ ثم أليس المؤمن الذي سيدخله الله الجنة امتحن وافتتن وجاهد وصبر حتى ، لهذا وقع في نفسي أن كلا الفريقين من الأطفال الذين ماتوا على الفطرة يمتحن والله أعلم ، أفيدوني وصححوا لي .
هل يمتحن أطفال المؤمنين في الآخرة ؟ والجواب عن الاستدلال بغلام الخضر
السؤال: 300082
ملخص الجواب
الأدلة قد دلت على أن أطفال المؤمنين في الجنة، وانعقد الإجماع على ذلك، وما جاء معارضا لذلك في الظاهر، فالجواب عنه ما قدمنا. وأما أطفال المشركين : ففيهم خلاف، والراجح أنهم يمتحنون، كما سبق بيانه في جواب السؤال رقم : (6496) .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
أطفال المسلمين في الجنة بالإجماع. وقد حكى هذا الإجماع غير واحد من أهل العلم.
قل ابن كثير رحمه الله : "فأما ولدان المؤمنين: فلا خلاف بين العلماء كما حكاه القاضي أبو يعلى بن الفراء الحنبلي عن الإمام أحمد أنه قال : لا يختلف فيهم أنهم من أهل الجنة .
وهذا هو المشهور بين الناس ( أي عامة العلماء ) ، وهو الذي نقطع به إن شاء الله عز وجل" انتهى من "تفسير القرآن العظيم " ( 3 / 33 ).
وقال الإمام أحمد رحمه الله : من يشك أن أولاد المسلمين في الجنة ؟!
وقال أيضا : إنه لا اختلاف فيهم " انتهى من "حاشية ابن القيم على سنن أبي داود" ( 7/ 83).
وقال النووي رحمه الله: "أجمع من يعتد به من علماء المسلمين : على أن من مات من أطفال المسلمين فهو من أهل الجنة؛ لأنه ليس مكلفا" انتهى من "شرح مسلم "(16 / 207).
وهذا لا يعني الشهادة لطفل معين بأنه من أهل الجنة، فإن المعين لا يشهد له بذلك ، ولو كان صغيرا.
وهذا ما دل عليه حديث عائشة رضي الله عنها.
روى مسلم (2662) عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ : " دُعِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى جَنَازَةِ صَبِيٍّ مِنْ الْأَنْصَارِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ طُوبَى لِهَذَا عُصْفُورٌ مِنْ عَصَافِيرِ الْجَنَّةِ لَمْ يَعْمَلْ السُّوءَ وَلَمْ يُدْرِكْهُ ، قَالَ: أَوَ غَيْرَ ذَلِكَ يَا عَائِشَةُ ، إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ لِلْجَنَّةِ أَهْلًا خَلَقَهُمْ لَهَا وَهُمْ فِي أَصْلَابِ آبَائِهِمْ ، وَخَلَقَ لِلنَّارِ أَهْلًا خَلَقَهُمْ لَهَا وَهُمْ فِي أَصْلَابِ آبَائِهِمْ .
قال النووي رحمه الله بعد أن حكى الإجماع على أطفال المسلمين في الجنة: " وأجاب العلماء بأنه لعله نهاها عن المسارعة إلى القطع ، من غير أن يكون عندها دليل قاطع ، كما أنكر على سعد بن أبي وقاص في قوله: أعطه إني لأراه مؤمنا. قال: (أو مسلما) الحديث.
ويحتمل: أنه صلى الله عليه وسلم قال هذا قبل أن يعلم أن أطفال المسلمين في الجنة، فلما علم قال ذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: (ما من مسلم يموت له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم) وغير ذلك من الأحاديث، والله أعلم" انتهى من "شرح مسلم "(16 / 207).
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله :" والمقصود من هذا منعها من أن تشهد لأحد معين بالجنة أو بالنار، ولو كان طفلا. لا يشهد له " انتهى من "مجموع فتاوى ابن باز" (25 /122) .
ثانيا:
أما غلام الخضر، فقد اختلف فيه، هل كان بالغا أم لا؟
وعلى القول بأنه بالغ، فلا إشكال، ويكون الخضر عليه السلام اطلع على كفره، ولم يطلع عليه موسى عليه السلام.
وعلى القول بأن لم يكن بالغا، فكفر الصبي الميِّز صحيح في قول كثير من أهل العلم، لكنه لا يُقتل في شريعتنا حتى يبلغ.
والغلام قد يطلق على البالغ، كما في قول ليلى الأخيلية:
شفاها من الداء العضال الذي بها … غلام إذا هز القناة سقاها
وقال صفوان لحسان:
تلقَّ ذباب السيف عني فإنني … غلام إذا هوجيت لست بشاعر.
وينظر: "تفسير القرطبي" (11/ 21).
وقال الرازي رحمه الله: " اعلم أن لفظ الغلام قد يتناول الشاب البالغ، بدليل أنه يقال: رأي الشيخ خير من مشهد الغلام. جُعل الشيخ نقيضا للغلام، وذلك يدل على أن الغلام هو الشاب، وأصله من الاغتلام، وهو شدة الشبق، وذلك إنما يكون في الشباب، وأما تناول هذا اللفظ للصبي الصغير فظاهر.
وليس في القرآن كيف لقياه هل كان يلعب مع جمع من الغلمان الصبيان أو كان منفردا؟ وهل كان مسلما أو كان كافرا؟ وهل كان منعزلا؟ وهل كان بالغا أو كان صغيرا؟
وكان اسم الغلام بالصغير أليق، وإن احتمل الكبير، إلا أن قوله: (بغير نفس) أليق بالبالغ منه بالصبي؛ لأن الصبي لا يُقتل وإن قَتل …
البحث الثاني: ظاهر الآية يدل على أن موسى عليه السلام استبعد أن يقتل النفس إلا لأجل القصاص بالنفس. وليس الأمر كذلك؛ لأنه قد يحل دمه بسبب من الأسباب، وجوابه أن السبب الأقوى هو ذلك" انتهى من "تفسير الرازي" (21/ 486).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وهذا الغلام الذي قتله الخضر: قد يقال فيه: إنه ليس في القرآن ما يبين أنه كان غير مكلف، بل ولا ما يبين أنه كان غير بالغ، ولكن قال في الحديث الصحيح: الغلام الذي قتله الخضر طبع يوم طبع كافراً، ولو أدرك لأرهق أبويه طغياناً وكفراً.
وهذا دليل على كونه لم يدرك بعد، فإن كان بالغاً – وقد كفر – فقد صار كافراً بلا نزاع.
وإن كان مكلفاً قبل الاحتلام في تلك الشريعة، أو على قول من يقول: إن المميزين مكلفون بالإيمان قبل الاحتلام، كما قاله طوائف من أهل الكلام والفقه، من أصحاب أبي حنيفة وأحمد وغيرهم – أمكن أن يكون مكلفاً بالإيمان قبل البلوغ.
ولو لم يكن مكلفاً، فكفر الصبي المميز صحيح عند أكثر العلماء، فإذا ارتد الصبي المميز صار مرتداً، وإن كان أبواه مؤمنين، ويؤدب على ذلك باتفاق العلماء ، أعظم مما يؤدب على ترك الصلاة، لكن لا يقتل في شريعتنا حتى يبلغ.
فالغلام الذي قتله الخضر: إما أن يكون كافراً بالغاً، كفر بعد البلوغ ، فيجوز قتله.
وإما أن يكون كافراً قبل البلوغ ، وجاز قتله في تلك الشريعة، وقُتل ، لئلا يفتن أبويه عن دينهما، كما يقتل الصبي الكافر في ديننا، إذا لم يندفع ضرره عن المسلمين إلا بالقتل.
بل الصبي الذي يقاتل المسلمين يُقتل، فقتل الصبي الكافر المميز: يجوز لدفع صِياله الذي لا يندفع إلا بالقتل.
وأما قتل صبي لم يكفر بعد، بين أبوين مؤمنين، للعلم بأنه إذا بلغ كفر وفتن، فقد يقال إنه ليس في القرآن ما يدل عليه، ولا في السنة.
وقد يقال: بل في السنة ما يدل عليه، ومنه قول ابن عباس لنجدة الحروري، لما سأله عن قتل الغلمان: إن علمت منهم ما علمه الخضر من ذلك الغلام: فاقتله ، وإلا فلا. رواه مسلم.
والمعلوم من الكتاب والسنة لا يعارض إلا بما يصلح أن يعارض به.
ومن قال بالأول، يقول: إن الله تعالى لم يأمر أن يعاقب أحدٌ بما يعلم أنه يكون منه ، قبل أن يكون منه، ولا هو سبحانه يعاقب العباد بما يعلم أنهم سيعملونه حتى يفعلوه" انتهى من "درء تعارض العقل والنقل" (8/ 427).
والحاصل:
أن الأدلة قد دلت على أن أطفال المؤمنين في الجنة، وانعقد الإجماع على ذلك، وما جاء معارضا لذلك في الظاهر، فالجواب عنه ما قدمنا.
وأما أطفال المشركين : ففيهم خلاف، والراجح أنهم يمتحنون، كما سبق بيانه في جواب السؤال رقم : (6496) .
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة