سؤالي بشأن “أن بعض أهل العلم قد ذهبوا إلى جواز الأخذ من اللحية ما زاد عن القبضة استدلالاً بفعل ابن عمر رضي الله عنه. فلماذا لم يذهبوا الفقهاء إلى الأخذ بفعل ابن مسعود حيث دخل المسجد، وأقيمت الصلاة، فصلى ركعتي الفجر في المسجد إلى أسطوانة؟” أفيدوني بالتفصيل في ضوء القرآن والسنة المطهرة وجزاكم الله خير الجزاء.
حجية قول الصحابي ولِمَ لم يأخذ الجمهور بأثر ابن مسعود في صلاة سنة الفجر والإمام يصلي ؟
السؤال: 300422
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
اختلف الفقهاء والأصوليون في الاحتجاج بقول الصحابي، بعد اتفاقهم على أنه لا يكون حجة إذا خالفه صحابي آخر.
قال الأمين الشنقيطي رحمه الله:
“حاصل تحرير هذه المسألة: أن قول الصحابي الموقوف عليه: له حالتان:
الأولى: أن يكون مما لا مجال للرأي فيه.
الثانية: أن يكون مما له فيه مجال.
فان كان مما لا مجال للرأي فيه، فهو في حكم المرفوع كما تقرر في علم الحديث، فيقدم على القياس، ويخص به النص؛ إن لم يعرف الصحابي بالأخذ من الإسرائيليات.
وان كان مما للرأي فيه مجال: فإن انتشر في الصحابة ، ولم يظهر له مخالف : فهو الإجماع السكوتي ، وهو حجة عند الأكثر.
وإن علم له مخالف من الصحابة : فلا يجوز العمل بقول أحدهم ، إلا بترجيح بالنظر في الأدلة، كما ذكره المؤلف في الفصل الذي بعد هذا.
وان لم ينتشر: فقيل: حجة على التابعي ومن بعده ؛ لأن الصحابي حضر التنزيل ، فعرف التأويل ، لمشاهدته لقرائن الأحوال .
وقيل ليس بحجة على المجتهد التابعي مثلا ، لأن كليهما مجتهد ، يجوز في حقه أن يخطئ ، وأن يصيب.
والأول : أظهر.
وعن أحمد : لا يُخرج عن قول الخلفاء الأربعة . فقولهم عنده حجة ، وليس بإجماع .
وحديث : عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين : أخرجه الترمذي وغيره ، أبو داود…
(تنبيه): قول الصحابي: الذي ليس له حكم الرفع : ليس بحجة على مجتهد آخر من الصحابة إجماعاً .
واعلم أن الذين قالوا: إن قول الخلفاء الأربعة ، وقول أبي بكر وعمر: كغيرهم من الصحابة ، قالوا: إن المراد بالأمر بالاقتداء بهم : هو المقلد.
وأما المجتهد العارف بالدليل : فليس بمأمور بترك الدليل الظاهر له ، لقول غيره.
واعلم أن التحقيق : أنه لا يخصص النص بقول الصحابي ، إلا إذا كان له حكم الرفع؛ لأن النصوص لا تخصص باجتهاد أحد ، لأنها حجة على كل من خالفها” انتهى من “مذكرة في أصول الفقه” ص198
ثانيا:
ما جاء عن ابن مسعود رضي الله : مخالف للسنة الصحيحة، ولفعل غيره من الصحابة ، كابن عمر؛ فإنه كان إذا دخل والإمام يصلي : دخل معه ، وقضى ركعتي الفجر بعد طلوع الشمس.
أما أثر ابن مسعود، فهو ما رواه عبد الرزاق في “المصنف” (4021) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُوسَى قَالَ: “جَاءَنَا ابْنُ مَسْعُودٍ وَالْإِمَامُ يُصَلِّي الْفَجْرَ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ إِلَى سَارِيَةٍ، وَلَمْ يَكُنْ صَلَّى رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ “.
وروي نحوه عن أبي الدرداء رضي الله عنه (4020).
وهذا مخالف لعدة أحاديث مرفوعة، منها:
1-عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ : فَلَا صَلَاةَ إِلَّا الْمَكْتُوبَةُ رواه مسلم (710).
2- عن مَالِك ابْنِ بُحَيْنَةَ : ” أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا ، وَقَدْ أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ ، يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَثَ بِهِ النَّاسُ، وَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: آلصُّبْحَ أَرْبَعًا، آلصُّبْحَ أَرْبَعًا ؟! رواه البخاري (663) ، ومسلم (711).
وهذا نص في صلاة الصبح .
3-وعَبْدِ اللهِ بْنِ سَرْجِسَ، قَالَ: ” دَخَلَ رَجُلٌ الْمَسْجِدَ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةِ الْغَدَاةِ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فِي جَانِبِ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ دَخَلَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا سَلَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: يَا فُلَانُ! بِأَيِّ الصَّلَاتَيْنِ اعْتَدَدْتَ؟ أَبِصَلَاتِكَ وَحْدَكَ، أَمْ بِصَلَاتِكَ مَعَنَا؟ رواه مسلم (712).
وهذا أيضا نص في صلاة الصبح .
4-ومعارض بفعل ابن عمر رضي الله عنهما، فقد روى عبد الرزاق في المصنف (4017) عَنِ ابْنِ عُمَرَ : ” دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَالْقَوْمُ فِي الصَّلَاةِ، وَلَمْ يَكُنْ صَلَّى رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ، فَدَخَلَ مَعَ الْقَوْمِ فِي صَلَاتِهِمْ، ثُمَّ قَعَدَ، حَتَّى إِذَا أَشْرَقَتْ لَهُ الشَّمْسُ، قَضَاهَا قَالَ: وَكَانَ إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ ، وَهُوَ فِي الطُّرُقِ : صَلَّاهُمَا فِي الطَّرِيقِ.
وروى عبد الرزاق (4019) عن نافع قَالَ: ” وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا وَجَدَ الْإِمَامَ يُصَلِّي ، وَلَمْ يَكُنْ رَكَعَهُمَا، دَخَلَ مَعَ الْإِمَامِ، ثُمَّ يُصَلِّيهِمَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ”.
وقد نقلت مخالفة فعل ابن مسعود ، عن غير عبد الله بن عمر ، أيضا ، كما سيأتي نقله في كلام النووي .
ثالثا:
لجميع ما تقدم : فإن الجمهور لم يعملوا بأثر ابن مسعود رضي الله.
قال النووي رحمه الله: ” مذهبنا أنه إذا أقيمت الصلاة كره أن يشتغل بنافلة سواه ، تحية المسجد وسنة الصبح وغيرها .
ونقله ابن المنذر عن عمر بن الخطاب وابنه وأبي هريرة وسعيد بن جبير وعروة بن الزبير وابن سيرين وأحمد وإسحاق وأبي ثور.
ونَقل عن ابن مسعود ومسروق والحسن البصري ومكحول ومجاهد وحماد بن أبي سليمان: أنه لا بأس بصلاة سنة الصبح ، والإمام في الفريضة.
قال: وقال مالك إن لم يخف أن يفوته الإمام بالركعة : فليصل خارجا قبل أن يدخل، وإن خاف فوت الركعة : فليركع مع الإمام.
وقال الأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز وأبو حنيفة: اركعها في ناحية المسجد ، ما دمت تتيقن أنك تدرك الركعة الأخيرة ، فإن خشيت فوت الأخيرة فادخل مع الإمام” انتهى من “المجموع” (4/ 56).
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم : (272363).
رابعا:
من فاتته سنة الفجر : فله أن يصليها بعد طلوع الشمس ، أو قبله.
وينظر السؤال رقم (132496) .
خامسا:
أما إذا ثبت قول الصحابي أو فعله، ولا مخالف له من الصحابه، فإنه يكون حجة كما تقدم.
وقد احتج جماعة من الفقهاء بجواز أخذ ما زاد عن القبضة من اللحية، بفعل ابن عمر رضي الله عنه.
والراجح: أنه لا يأخذ منها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأخذ من لحيته، وكذلك أكثر أصحابه رضي الله عنهم.
وينظر: جواب السؤال رقم : (48960) ، ورقم : (137251).
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة