تنزيل
0 / 0
5,60803/09/2019

اقتباس الأدعية من القرآن

السؤال: 300480

ما حكم اقتباس الأدعية من القرآن ، مثل : ” اللهم إني أعوذ بك من أن تكره انبعاثي فتثبطني ” ؟

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

الاقتباس من القرآن معناه: تضمين الشعر أو النثر بعض القرآن ؛ لا على أنه منه بألا يقال فيه (قال الله تعالى) ونحوه، فإن ذلك حينئذ لا يكون اقتباسًا، وإنما يكون استشهادا، واستدلالا، ونحو ذلك. “الإتقان”(1/ 386).

واقتباس شيء من القرآن في الدعاء ونحوه كالخطب والمواعظ : مقبول .

انظر : “الإتقان” (1/ 387).

قال الإمام ابن عقيل: “تضمين القرآن لمقاصد ، تضاهي مقصود القرآن : لا بأس به ؛ تحسينًا للكلام، كما يضمن في الرسائل إلى المشركين : آيات تقتضي الدعاية إلى الإسلام.

فأما تضمين كلام فاسد : فلا يجوز” انتهى من ” الآداب الشرعية”(2/ 289).

وانظر في تفصيل حكم الاقتباس جواب السؤال رقم : (119673)، ورقم: (103923).

ومما ثبت في السنة منذلك: ما رواه البخاري (1127) ، ومسلم (775) عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، رضي الله عنه : ” أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَرَقَهُ وَفَاطِمَةَ بِنْتَ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ لَيْلَةً، فَقَالَ:  أَلاَ تُصَلِّيَانِ؟  فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنْفُسُنَا بِيَدِ اللَّهِ، فَإِذَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَنَا بَعَثَنَا، فَانْصَرَفَ حِينَ قُلْنَا ذَلِكَ وَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيَّ شَيْئًا، ثُمَّ سَمِعْتُهُ وَهُوَ مُوَلٍّ يَضْرِبُ فَخِذَهُ، وَهُوَ يَقُولُ: وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا [الكهف: 54] .

ومن أمثلة اقتباسات السلف من القرآن: ما رواه البخاري في صحيحه (6736) عن هُزَيْلِ بْنَ شُرَحْبِيلَ، قَالَ: ” سُئِلَ أَبُو مُوسَى عَنْ بِنْتٍ وَابْنَةِ ابْنٍ وَأُخْتٍ، فَقَالَ: لِلْبِنْتِ النِّصْفُ، وَلِلْأُخْتِ النِّصْفُ، وَأْتِ ابْنَ مَسْعُودٍ، فَسَيُتَابِعُنِي.

فَسُئِلَ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَأُخْبِرَ بِقَوْلِ أَبِي مُوسَى فَقَالَ: لَقَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ المُهْتَدِينَ، أَقْضِي فِيهَا بِمَا قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  لِلاِبْنَةِ النِّصْفُ، وَلِابْنَةِ ابْنٍ السُّدُسُ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ، وَمَا بَقِيَ فَلِلْأُخْتِ .

فَأَتَيْنَا أَبَا مُوسَى فَأَخْبَرْنَاهُ بِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَقَالَ: لاَ تَسْأَلُونِي مَا دَامَ هَذَا الحَبْرُ فِيكُمْ!!

وقول ابن مسعود هنا، اقتباس من قول الله تعالى :  قُلْ لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ  الأنعام/56.

وذكروا أنه لما احتضر هارون أمير المؤمنين، أمرني أن آتيه بأكفانه، فأتيته بها، ثم أمرني فحفرت له قبره، ثم أمر فحمل إليه، وجعل يتأمله ويقول:  مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ  الحاقة/28-29 .

انظر: “العاقبة وذكر الموت” ، لعبد الحق الأشبيلي (128، 130).

ثانيا:

وأما اقتباس نفس الدعاء الوارد في القرآن، ودعاء الله به: فهذا كثير أيضا فاش، بل من هذه الأدعية ما أثنى الله على عباده المؤمنين به ، كما في قوله تعالى :  وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ  البقرة/201 .

روى البخاري (4522) ، ومسلم (2690): عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: ” كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:  اللَّهُمَّ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ  .

وهذا أمر معروف فاش في الأدعية النبوية، والأذكار المسنونة، وما زال هذا دأب الصالحين، أن يتخيروا من أدعية القرآن والسنة : ما يناسب حاجاتهم، وأحوالهم، ويرون أن هذا أفضل وأبلغ من مجرد دعاء المرء بكلامه .

وأما إن كان على وجه ما ورد في الدعاء ، من أن يرى ذم الكسل، فيتعوذ بالله أن يثبطه على العبادة ، أو يرى مدح المسارعة إلى الخيرات، فيسأل الله أن يوفقه إليها : فهذا أيضا حسن مشروع ، لا حرج فيه ، لكن مع ترك تكلف المناسبات في ذلك ، بل يدعو بما يتيسر من ذلك ، إن ظهر له وجهه ، ويدعو بما أعجبه وأحبه من خير الدنيا والآخرة.

ويدل لذلك ما وراه مسلم في صحيحه (772) عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: ” صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَافْتَتَحَ الْبَقَرَةَ، فَقُلْتُ: يَرْكَعُ عِنْدَ الْمِائَةِ، ثُمَّ مَضَى، فَقُلْتُ: يُصَلِّي بِهَا فِي رَكْعَةٍ، فَمَضَى، فَقُلْتُ: يَرْكَعُ بِهَا، ثُمَّ افْتَتَحَ النِّسَاءَ، فَقَرَأَهَا، ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ، فَقَرَأَهَا، يَقْرَأُ مُتَرَسِّلًا، إِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ، وَإِذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ، وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ .. ” .

والشاهد منه : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ما ذكر في الحديث في صلاته في الليل ، وفيه التسبيح والدعاء (السؤال) عند ورود ما يناسب ذلك من الآيات.

قال النووي رحمه الله: ” قَوْلُهُ : ( يَقْرَأُ مُتَرَسِّلًا إِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ وَإِذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ ): فِيهِ اسْتِحْبَابُ هَذِهِ الْأُمُورِ لِكُلِّ قَارِئٍ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا” انتهى  من “شرح مسلم” (6/62).

وقد صرح بقريب من ذلك الوزير العالم ابن هبيرة الحنبلي رحمه الله، قال:

” وفيه أيضًا من الفقه : أنه إذا كان في صلاة ، فمرت به آية رحمة ، فشاء أن يسألها الله تعالى، مغتنمًا ما في القرآن من مناسبة الطلب : سألها ؛ فإن القرآن وحي مجدد. وإذا مر بآية فيها تسبيح الله تعالى فإنه يسبح الله ، بما روي في الأخبار…

وإذا مر بآية عذاب للكافرين : استعاذ بالله تعالى ، من مثل أن يقرأ قوله: واستغفر لذنبك ، فيقول الحديث المروي وهو: (اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم) .

ومثل أن يأتي قوله عز وجل: ما لكم لا ترجون لله وقارًا ، فيقول ها هنا: (اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك) .

وفي مثل قوله سبحانه في ذكر تسبيحه سبحانه وتعالى: يسبحون الليل والنهار لا يفترون .

وقد سبق أن معنى قولنا: (سبحان الله) أنه تنزيه له عز وجل عن كل مالا يجوز عليه، ثم يقول: (وبحمده) أي وبحمده سبحته، ولذلك يقول: (سبحان الله العظيم).

وهذا فلا أراه إلا في النافلة ؛ فأما الفريضة : فيقصرها على أذكارها ، مع التفكر في كل ذكر من أذكارها، فإنها حاوية شاملة جامعة، وليكن في إنجازه لها مبادرًا الوسواس ” انتهى من “الإفصاح” (2/237).

وفي “مطالب أولي النهى” ، للشيخ مصطفى الرحيباني رحمه الله (1/484): ” (و) لمصل (سؤال) الله الرحمة (عند) قراءته أو سماعه (آية رحمة، و) له (تعوذ) ، أي: أن يستعيذ بالله (عند) مروره على (آية عذاب) لحديث حذيفة: صليت مع النبي – صلى الله عليه وسلم – ذات ليلة، فافتتح البقرة، فقلت: يركع عند المائة، ثم مضى، إلى أن قال: إذا مر بآية فيها تسبيح، سبح، وإذا مر بسؤال؛ سأل، وإذا مر بتعوذ، تعوذ . مختصر، رواه مسلم ” انتهى.

فإذا جاز ذلك في صلاته، سواء قلنا إنه خاص بالنفل، أو عام في الفرض والنفل ، على خلاف بين أهل العلم في ذلك ؛ فالأمر في خارج الصلاة أوسع، كما لا يخفى .

والله أعلم .

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android