تنزيل
0 / 0
10,07121/04/2019

هل تستجاب الدعوة على من لم يقصد الظلم ؟

السؤال: 300672

عمي اتهم الخادمة بالسرقة ؛ بسبب دلائل وجدها ، وهي نفت ذلك ، وعمي مقتنع بما وجد ، فهل إذا كانت لم تسرق حقًّا كما قالت فهل تستجاب دعوتها على عمي لأنه ظلمها ؟ علما أنه في نظره لم يظلمها ، ومقتنع بما وجد ، ولكن خطر لي أنه أحيانا بعض الحقائق مضللة ، لذا إذا لم تكن قد سرقت فهي مظلومة ، وبالتالي هل تستجاب دعوتها على عمي الذي لم يظلمها في رأيه ؟

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولاً:

لا يحل لمسلم أن يتهم مسلمًا أو مسلمةً بالسرقة إلا بإقرار السارق أو بوجود بينة معتبرة ، والبينة هي شهادة رجلين عدلين ، وعند بعض العلماء جواز إثبات السرقة بالقرائن الواضحة .

ففي “الموسوعة الفقهية الكويتية” (24/ 332): ” اتفق الفقهاء على أن السرقة تثبت بالإقرار أو بالبينة. 

وعند بعضهم أن السرقة تثبت باليمين المردودة ، وعند غيرهم يجوز إثباتها بالقرائن .

والإقرار : إقرار السارق إذا كان مكلفا بأن كان بالغا عاقلا. وذهب جمهور الفقهاء إلى أن السارق يجب أن يكون مختارا في إقراره ، فإن أكره على الإقرار بحبس أو ضرب أو نحوهما ، فلا يعتد بهذا الإقرار.

 أما البينة فهي : شهادة رجلين تتوافر فيهما شروط تحمل الشهادة وشروط أدائها ، ولا تقبل شهادة رجل واحد ولو مع يمين المسروق منه

أما القرائن : فجمهور الفقهاء على أن حد السرقة لا يثبت إلا بالإقرار أو البينة .

ويرى بعضهم جواز ثبوت السرقة ، ومن ثم إقامة الحد وضمان المال ، بالقرائن والأمارات إذا كانت ظاهرة الدلالة ، باعتبارها من السياسة الشرعية التي تُخرج الحق من الظالم الفاجر .

 قال ابن القيم في “الطرق الحكمية” (ص8) : ” لم يزل الأئمة والخلفاء يحكمون بالقطع إذا وجد المال المسروق مع المتهم ، وهذه القرينة أقوى من البينة والإقرار ؛ فإنهما خبران يتطرق إليهما الصدق والكذب ، ووجود المال معه نص صريح لا تتطرق إليه شبهة ” انتهى بتصرف يسير.

فما لم يوجد إقرار من السارق ، أو بينة معتبرة مثل وجود المال المسروق معه ؛ فيحرم اتهامه بالسرقة ، واتهامه من الظلم البين .

وقد أمرنا الله تعالى باجتناب الظن ، وتوعد على ظلم الآخرين واتهامهم بما ليس فيهم ، فقال تعالى في الأولى :  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا   الحجرات/ 12 .

وَعَن أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :   إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا تَحَسَّسُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَكُونُوا إِخْوَانًا   رواه البخاري ( 4849 ) ، ومسلم ( 2563 ) .

قال القرطبي رحمه الله : “وَالَّذِي يُمَيِّزُ الظُّنُونَ الَّتِي يَجِبُ اجْتِنَابُهَا عَمَّا سِوَاهَا ، أَنَّ كُلَّ مَا لَمْ تُعْرَفْ لَهُ أَمَارَةٌ صَحِيحَةٌ ، وَسَبَبٌ ظَاهِرٌ : كان حراما واجب الاجتناب ، وَذَلِكَ إِذَا كَانَ الْمَظْنُونُ بِهِ مِمَّنْ شُوهِدَ مِنْهُ السَّتْرَ وَالصَّلَاحَ ، وَأُونِسَتْ مِنْهُ الْأَمَانَةُ فِي الظَّاهِرِ ، فَظَنُّ الْفَسَادِ بِهِ وَالْخِيَانَة:ِ مُحَرَّمٌ ” انتهى من “تفسير القرطبي” (16/331) . 

وقال الله تعالى :  وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا  الأحزاب/ 58 .

وقال رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :  اتَّقُوا الظُّلْمَ ، فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ  رواه مسلم (2578) .

وينظر جواب السؤال رقم : (112196) ففيه بيان كيف يجتنب المسلم سوء الظن بالناس .

ثانيًا:

إذا لم يكن عند عمك بينة ، أو قرينة ظاهرة لا لبس فيها ، تُثبت أن الخادمة هي من سرقت ؛ فحينها يكون ظالمًا لها ، وقد وعد الله المظلوم بنصرته واستجابة دعائه .

قال النبي صلى الله عليه وسلم :   ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ : الْإِمَامُ الْعَادِلُ ، وَالصَّائِمُ حِينَ يُفْطِرُ ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ يَرْفَعُهَا فَوْقَ الْغَمَامِ وَتُفَتَّحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَيَقُولُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ : وَعِزَّتِي لَأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ   رواه الترمذي (2525) صححه الألباني في “صحيح الترمذي” .

فدل هذا الحديث على مشروعية دعاء المظلوم على من ظلمه ، لكن لا يدعو عليه بغير مظلمته ، ولا يعتدي عليه في الدعاء ، فيظلمه هو الآخر . 

وينظر للفائدة : جواب السؤال رقم : (71152) . 

أما إذا كان عمك لديه بينة ، أو قرينة معتبرة للدلالة على سرقتها ، إلا أن الحقيقة أن الخادمة لم تسرق ، فهو معذور في اتهامها لحدوث لبس أو غموض في الأمر .

والذي يظهر، والمأمول من عفو الله وكرمه: أن يعوضها الله من فضله وكرمه، ما يجبر كسرها ، ويكافئ مظلمتها، أو يزيد؛ وألا يستجيب لها في دعائها على عمك، إذا كان لم يقصد ظلمها، ولم يفرط فيما يجب عليه من التثبت الواجب، وحفظ الحقوق ، وصون الأعراض . وهو معذور إذا عمل بما يقره عليه الشرع ، من القرائن الظاهرة، وعلم الغيوب عند رب العالمين.

والله أعلم.

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android