أنا طبيبة أمراض جلدية، ويتطلب مني عملي بفحص مرضي الجذام، ومتابعتهم بصورة دورية . وسؤالي عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم (فروا من المجذوم فرارك من الأسد )، ماذا علي أن أفعل ؟ علما بأني المسؤلة عن فحصهم، واكتشاف الحالات، ومتابعتهم أول بأول.
هل ينهى الطبيب عن مخالطة مرضى الجذام لحديث (فر من المجذوم فرارك من الأسد) ؟
السؤال: 300907
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالفرار من المجذوم، كما روى أحمد (9720) من حديث أبي هريرة قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: فِرَّ مِنْ الْمَجْذُومِ فِرَارَكَ مِنْ الْأَسَدِ وصححه شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند، وقد رواه البخاري في صحيحه معلقا.
وهذا من باب البعد عن أسباب المرض والعطب، فإن الجذام قد ينتقل إلى الشخص السليم بإذن الله، وقد لا ينتقل، فكان الاحتياط هو البعد عنه.
ولهذا قرر الفقهاء منع الجذمى من مخالطة الأصحاء إلا بإذنهم.
قال في "كشاف القناع" (6/ 126): " ولا يجوز للجُذَماء، مخالطة الأصحاء عموما، ولا مخالطة أحد معين صحيح إلا بإذنه ، وعلى ولاة الأمور منعهم من مخالطة الأصحاء ، بأن يسكنوا في مكان مفرد لهم ونحو ذلك، وإذا امتنع ولي الأمر من ذلك أو المجذوم: أثم، وإذا أصر على ترك الواجب مع علمه به: فسق). قاله [أي شيخ الإسلام] في الاختيارات . وقال: كما جاءت به سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه ، وكما ذكر العلماء " انتهى.
وفي "الموسوعة الفقهية" (15/ 131): " ذهب المالكية والشافعية والحنابلة: إلى منع مجذوم يُتأذى به، من مخالطة الأصحاء، والاجتماع بالناس، لحديث: (فر من المجذوم فرارك من الأسد).
وقال الحنابلة: لا يحل لمجذوم مخالطة صحيح إلا بإذنه. فإذا أذن الصحيح لمجذوم بمخالطته: جاز له ذلك. لحديث (لا عدوى ولا طيرة).
ولم نر للحنفية نصا في المسألة.
وإذا كثر عدد الجذمى فقال الأكثرون: يؤمرون أن ينفردوا في مواضع عن الناس، ولا يمنعون من التصرف في حوائجهم. وقيل: لا يلزم الانفراد.
ولو استضر أهل قرية فيهم جذمى بمخالطتهم في الماء، فإن قدروا على استنباط ماء بلا ضرر، أمروا به، وإلا استنبطه لهم الآخرون، أو أقاموا من يستقي لهم، وإلا فلا يمنعون " انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " ويجب على ولي الأمر أن يعزل الجذماء عن الأصحاء، أي حجر صحي، ولا بد، ولا يعد هذا ظلماً لهم، بل هذا يعد من باب اتقاء شرهم؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: فرَّ من المجذوم فرارك من الأسد.
وظاهر هذا الحديث يعارض قوله صلّى الله عليه وسلّم: لا عدوى ولا طِيَرة، ولا شك في هذا؛ لأنه إذا انتفت العدوى، فماذا يضرنا إذا كان المجذوم بيننا.
ولكن العلماء ـ رحمهم الله ـ أجابوا بأن العدوى التي نفاها الرسول صلّى الله عليه وسلّم، إنما هي العدوى التي يعتقدها أهل الجاهلية، وأنها تعدي ولا بد، ولهذا لما قال الأعرابي: يا رسول الله كيف يكون لا عدوى، والإبل في الرمل كأنها الظباء، يعني ليس فيها أي شيء ـ يأتيها الجمل الأجرب فتجرب؟! فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: مَنْ أعدى الأول ؟
والجواب: أن الذي جعل فيه الجرب هو الله، إذاً فالعدوى التي انتقلت من الأجرب إلى الصحيحات كان بأمر الله عزّ وجل، فالكل بأمر الله تبارك وتعالى.
وأما قوله صلّى الله عليه وسلّم: فر من المجذوم، فهذا أمر بالبعد عن أسباب العطب؛ لأن الشريعة الإسلامية تمنع أن يلقي الإنسان بنفسه إلى التهلكة.
ولهذا إذا قوي التوكل على الله تعالى فلا بأس بمخالطة الأجذم، فإن النبي صلّى الله عليه وسلّم أخذ ذات يوم بيد مجذوم ، وقال له: كل باسم الله [رواه أبو داود والترمذي]، فشاركه في أكله، لقوة توكله صلّى الله عليه وسلّم على الله، وأن هذا الجذام مهما كان في العدوى، إذا منعه الله ـ عزّ وجل ـ لا يمكن أن يتعدى" انتهى من "الشرح الممتع" (11/ 120).
وينظر جواب السؤال رقم : (175379).
وقد تبين بهذا أنه لا حرج على من خالط المجذوم، خاصة إذا قوي توكله على الله، لا سيما إذا دعت الحاجة إلى ذلك، كما إذا كان المجذوم يحتاج إليه كالطبيب ونحوه، واحتاط من يخالطه لأمر العدوى، بالأخذ بأسباب الوقاية الطبية الممكنة.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة