أشكلت علي مسألة العول حين سمعت أحدهم يقول : إذا أخذنا بمسائل العول فهذا يعني أننا قلنا إن الله سبحانه وتعالى أخطأ في تقسيم الميراث في آيات المواريث تعالى الله عن ذلك ، وأنا أعرف أن ذلك الشخص أراد أن ينزه الله عن ذلك ، فلم يأخذ هذا القائل بمسائل العول ، فكيف نرد على هذه الشبهة ؟
جواب شبهة حول مسألة العول
السؤال: 302362
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
المواريث قسمها الله تعالى بنفسه، وبينها في كتابه في آيات من سورة النساء معلومة.
والورثة: أصحاب فروض مقدرة، أو عصبات.
والفروض المقدرة ستة: النصف، والربع، والثمن، والثلثان، والثلث، والسدس.
والعاصب يأخذ ما بقي بعد أصحاب الفروض؛ لقوله صلى الله وسلم: (أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا ، فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ) رواه البخاري (6732) ، ومسلم (1615).
ثانيا:
العول هو زيادة فروض الورثة عن التركة، أي عن الواحد الصحيح، أو زيادة في السهام، ونقصان في أنصباء الورثة.
وذلك كما لو ماتت امرأة عن زوج وأختين شقيقتين، فإن للزوج النصف؛ لقوله تعالى: (وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ) النساء/12
وللأختان: الثلثان؛ لقوله تعالى: (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ) النساء/176 .
والنصف إذا أضيف إلى الثلثين، كان واحدا وسدسا.
وطريقة حل مسائل العول : أن ينقص نصيب كل واحد من الورثة بمقدار ما حصل به العول في المسألة.
فأصل هذه المسألة ستة، للزوج نصفها وهو ثلاثة، وللأختين ثلثاها وهو أربعة، فتعول إلى سبعة، فيأخذ الزوج ثلاثة من سبعة ، بدلا من ثلاثة من ستة. وتأخذ الأختان أربعة من سبعة، بدلا، من أربعة من ستة.
فالنقص دخل على الجميع بقدر متساوٍ.
وهذا لا يتعارض مع القسمة التي بينها الله ، فإنه سبحانه بين الفروض المقدرة، ولم يقل: إنه يجب أن تساوي الواحد الصحيح ولا تزيد عليه!
ويتضح هذا بمعرفة ما يقابل العول، وهو الرد، وهو نقص الفروض عن التركة، فإننا نعطي كل صاحب فرض فرضه، ثم نرد الزيادة عليهم، فتدخل الزيادة على الجميع، كما أن النقص في مسائل العول يدخل على الجميع، فيتحقق العدل في المسألتين.
فلو مات رجل عن بنت، وبنت ابن؛ فللبنت النصف، ولبنت الابن السدس، ويبقى ثلث، يُرد عليهما.
والمسألة أصلها ستة، للبنت النصف وهو ثلاثة، ولبنت الابن السدس وهو واحد، ومجموع السهام أربعة، فيجعل أصل مسألة الرد، فتأخذ البنت ثلاثة من أربعة، وتأخذ بنت الابن واحدا من أربعة.
فدخلت الزيادة على الجميع.
فالأنصبة المقدرة في القرآن لأصحاب الفروض لا يستفاد منها شيء واحد، وهو القدر المستحق من التركة لكل وارث، بل يستفاد منها مع ذلك: قدر هذا الحق، بالنسبة لحقوق بقية الورثة، منسوبا لمجموع التركة، وذلك في حال زيادة الأسهم أو نقصها، كما في حالتي العول والرد.
ثانيا:
الحالات التي يحصل فيها عول كثيرة ، فقد يجتمع النصف مع الثلثين، كما مثلنا، والنصف مع النصف والسدس، كزوج وأخت شقيقة وأخ لأم.
ويجتمع النصف والنصف والثلث، كزوج، وأخت شقيقة وأم. إلى غير ذلك من المسائل.
فإما أن يدخل النقص على جميعهم، ويتحقق العدل، وإما أن يدخل النقص على بعضهم فقط.
ونظير هذا: الرجل يكون عليه ديون، وله مال لا يفي بديونه، فيَقتسم غرماؤه ماله ، ويتحاصُّون فيه بقدر رؤوس أموالهم.
قال أبو بكر ابن العربي رحمه الله في ” أحكام القرآن ” (1/ 457): “اجتمعت الأمة على ما قال عمر، ولم يلتفت أحد إلى ما قال ابن عباس؛ وذلك أن الورثة استووا في سبب الاستحقاق، وإن اختلفوا في قدره، فأعطُوا عند التضايُق حكم الحصة؛ أصله: الغرماء، إذا ضاق مال الغريم عن حقوقهم، فإنهم يتحاصون بمقدار رءوس أموالهم في رأس مال الغريم” انتهى.
ثالثا:
القول بأن الله تعالى أخطأ في الحساب، كفر عظيم، لا يصدر إلا من جاحد مظلم القلب، وإلا فمن عرف قدرة الله وعلمه وعظمته، ونظر في هذا الكون المبني على أدق الحسابات، بل نظر في بدنه وأجزائه، وحركة قلبه وأمعائه، فلا يمكن أن يصدر منه هذا الكفر.
بل الله العليم الخبير: بيّن المقادير، وترك لأهل العلم تحقيقها عند التزاحم، ولهذا أجمع الصحابة على القول بالعول، كما بينا في جواب السؤال رقم : (131556) .
وفصل الكلام: أن الله تعالى لم يقل: إن الفروض لا تزيد على الواحد الصحيح، ولا تنقص منه، بل ذلك يرجع إلى المسائل، فمنها ما يعول، ومنها ما يُرد فيه على أصحاب الفروض.
وليس لأحد أن يترك القول بالعول؛ لأن ذلك خلاف الإجماع، ولأنه لا يمكن تقسيم الإرث تقسيما عادلا إلا به، وليس وراءه إلا إدخال النقص على بعض الوارثين دون بعض، كما جاء عن ابن عباس.
قال ابن قدامة رحمه الله: ” ولا نعلم اليوم قائلا بمذهب ابن عباس، ولا نعلم خلافا بين فقهاء الأمصار في القول بالعول، بحمد الله ومنه” انتهى من “المغني” (6/ 283).
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة