0 / 0

تدبير الله وعنايته بالمخلوقات .

السؤال: 304986

ما الفرق بين تدبير الله للمخلوقات وعناية الله بالمخلوقات ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولًا :

ذكر الله سبحانه وتعالى أنه  : يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ * ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ   السجدة/5-6 .

وقال سبحانه :   اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ  الرعد/2 .

وقال سبحانه :   إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ  يونس/3 .

و “التدبير: تنزيل الأمور في مراتبها، على أحكام عواقبها” .

انظر : “التفسير البسيط” (11/ 121).

فالله تعالى ” يقدر أمور الكائنات ، على ما اقتضته حكمته وسبقت به مشيئته ” .

و” (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ): يصرف شأْن الكائنات بنظام دقيق وحكمة بالغة ” .

و” (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ): أَي يقضى فيه ويقدره بحكمته”.

انظر: “التفسير الوسيط – مجمع البحوث الإسلامية ” (4/ 50)، (4/ 82)، (5/ 402).

وقال الشيخ السعدي رحمه الله:

” يقول تعالى مبينا لربوبيته وإلهيته وعظمته: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ: مع أنه قادر على خلقها في لحظة واحدة، ولكن لما له في ذلك من الحكمة الإلهية، ولأنه رفيق في أفعاله.

ومن جملة حكمته فيها: أنه خلقها بالحق، وللحق، ليُعرف بأسمائه وصفاته، ويُفرد بالعبادة.

ثُمَّ بعد خلق السماوات والأرض اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ استواء يليق بعظمته.

يُدَبِّرُ الأمْرَ في العالم العلوي والسفلي من الإماتة والإحياء، وإنزال الأرزاق، ومداولة الأيام بين الناس، وكشف الضر عن المضرورين، وإجابة سؤال السائلين.

فأنواع التدابير نازلة منه، وصاعدة إليه، وجميع الخلق مذعنون لعزه خاضعون لعظمته وسلطانه.” انتهى من “تفسير السعدي” (357).

ثانيًا :

ومن تدبير الله تعالى للمخلوقات: عنايته بهم ، و”دليل العناية” ، ويسمى: دليل النظام ، أو التناسق؛ لأنه يفتح للعبد آفاق النظر والتأمل في الكون، وما فيه من مخلوقات، وما تدل عليه بأحوالها، وشواهدها: على عناية الله بأمر هذا الكون، وتدبيره لخلقه، سبحانه، وما يدل عليه ذلك من علمه، وحكمته، وقدرته، ورحمته بخلقه، سبحانه.

ومن الآيات القرآنية التي ورد فيها دليل العناية قوله تعالى:   وَجَعَلْنَا فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً سُبُلاً لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ, وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ, وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ  الأنبياء/31 – 33، وقوله تعالى:   وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ, وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ, وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ, وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ   الحجر/19 – 22 .

فهذه الآيات القرآنية التي ذكرناها وآيات أخرى كثيرة نظائر لها: تلفت نظر الإنسان لما في هذا الكون، من التنظيم الدقيق والتناسق بين أجزاء الكون، يدل دلالة قاطعة على العناية التامة بهذا الكون وما فيه، وأن إلهًا واحدًا قادرًا هو الذي نظم كل ما فيه أحسن تنظيم . وأنه لا يوجد أي شيء في الكون إلا في محله المناسب وبالقدر المناسب، فكل ما فيه في غاية الحكمة والعناية والإتقان، والناظر لهذا الإتقان العجيب والتنظيم المدهش في كل شيء، في الأرض وفي السماء وما بينهما، بحيث إن أي تغيير فيه يؤدي إلى الخلل والفساد؛ لا يسعه إلا أن يؤمن بوحدانية الله تعالى.

إننا لو سألنا عالم الفلك، فإنه يبين لنا من دقائق الحسابات الفلكية وتنظيم الكواكب وأحجامها وأبعادها ما يحير العقول.

ولو سألنا عالم التشريح عن جسم الإنسان، وعالم الحيوان عن أنواع الحيوان الطائر والسابح والماشي والزاحف بأشكاله وألوانه وخواصه ومعيشته وغرائبه؛ لأسلمنا ذلك بلا شك إلى وحدانية الله.

ولو سألنا عالم النبات عن أنواعه وثماره وأوراقه وطعومه وخواصه، لأجابنا بما يدل دلالة قاطعة على وحدانية الله.

ولو نظرنا إلى التنظيم الدقيق في الأرض ببجرها ويابسها وجبالها وأغوارها وسهولها وصخورها ورمالها ومعادنها وينابيعها وأنهارها وطبقاتها، لأدى بنا ذلك إلى الاعتراف بوحدانية الله.

إن العقل السليم يرفض رفضًا تامًّا أن يكون أي ترتيب وتنظيم لشيء ما، حدث بصورة عفوية وبطريق الصدفة، فلو دخلنا دارًا أو محلًّا تجاريًّا منظمًا، لأدى بنا النظر لأول وهلة إلى أن منظمًا نظم هذه الدار وهذا المحل، فكيف بهذا الكون المنظم كل شيء فيه أحسن تنظيم؟ ” انتهى من ” عقيدة التوحيد في القرآن الكريم ” (147 – 149).

وليس هناك فرق ظاهر مؤثر بين “العناية”، و”التدبير” ؛ وإنما يمكن القول: إن (التدبير) : أمر أشمل وأعم من العناية.

وبكل حال: فلعل أول من استعمل مصطلح “العناية” في هذا الباب، وسمى الاستدلال بحكم الله في كونه، ورعاية لأمر خلقه: “دليل العناية”، هو الفيلسفو الأندلسي: أبو الوليد ابن رشد، الحفيد، في كتابه المعروف: “مناهج الأدلة في عقائد الملة” .

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android