لقد قرأت في مواقع الملحدين أن الإسلام يمنع التفكير ، فآمل الرد على هذا الشبهة ؟
التفكير في الإسلام
السؤال: 306654
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولًا :
يجب على المسلم أن يحافظ على عقيدته وإيمانه ، ويهتم بسلامة فطرته وفكره ، ويهرب بدينه وقلبه من الشبهات والفتن ، فإن القلوبَ ضعيفةٌ، والشبهَ خطَّافة ، تُخْتطف بشيء من البريق الذي يزينها به أهل البدع والضلالات ، ولكنها في الحقيقة شبه واهية ضعيفة .
والنظر في كتب البدع والضلالة، أو كتب الشرك والخرافة أو كتب الأديان الأخرى التي طالها التحريف، أو كتب الإلحاد والنفاق، أو مواقعهم التي تتبنى هذه الأفكار المنحرفة، وتروج للشبهات الباطلة= لا يجوز إلا لمتأهِّل في العلم الشرعي ، يريد بقراءته لها الرد عليها وبيان فسادها، ويكون عنده القدرة على ذلك الأمر، والتأهل لذلك المقام.
أما أن ينظر، أو يقرأ فيها من لم يتحقق بالعلم الشرعي؛ فمثل هذه يناله غالبا من هذه المطالعة شيء من الحيرة، وضعف اليقين في قلبه، وتزلزله بما يقابله من شبهات.
وقد وقع ذلك لكثير من عامة الناس، بل من طلبة العلم الذين لم يتأهلوا لذلك المقام، حتى انتهى الأمر ببعضهم إلى الزيغ والضلال، والعياذ بالله.
وغالبا ما يغتر الناظر في هذه الكتب بأن قلبه أقوى من الشبهات المعروضة ، إلا أنه يفاجأ – مع كثرة قراءته – بأن قلبه قد تشرَّب من الشبهات، ما لم يخطر له على بال .
ولذلك كانت كلمة العلماء والسلف الصالحين على تحريم النظر والمطالعة في هذه الكتب .
وقد ذكرنا كلام العلماء في الجواب رقم : (92781) فانظره .
ثانيًا :
لا بد من أخذ الإسلام من مصادره ، وأعظمها، وقطب رحاها: القرآن والسنة .
وقد جعل الإسلام للعقل والتفكير مكانة ، وظهرت هذه المكانة في آيات كثيرة ، وهناك في القرآن عبارات تكررت عشرات المرات ، منها : ( لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) ، ( لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) ، ( لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ ) .
وقد دعا الله إلى التفكر في القرآن الكريم ، فقال سبحانه : ( كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ) ص/ 29 .
وقال سبحانه داعيًا للتفكر في مخلوقاته : ( أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ ) الروم/8 .
بل إن الله تعالى عاب على أهل النار أنهم لم ينتفعوا بعقولهم ، فحكى عنهم قولهم : ( وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ) ، وقال : ( أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ) .
والتفكر عبادة ، نبه الله عليها في قوله : ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ) آل عمران .
قال الشيخ السعدي : ” يخبر تعالى: إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب ، وفي ضمن ذلك حث العباد على التفكر فيها، والتبصر بآياتها، وتدبر خلقها، وأبهم قوله: آيات ولم يقل: “على المطلب الفلاني” ؛ إشارة لكثرتها وعمومها، وذلك لأن فيها من الآيات العجيبة ما يبهر الناظرين، ويقنع المتفكرين، ويجذب أفئدة الصادقين، وينبه العقول النيرة على جميع المطالب الإلهية، فأما تفصيل ما اشتملت عليه، فلا يمكن لمخلوق أن يحصره، ويحيط ببعضه.
وفي الجملة: فما فيها من العظمة والسعة، وانتظام السير والحركة: يدل على عظمة خالقها، وعظمة سلطانه وشمول قدرته.
وما فيها من الإحكام والإتقان، وبديع الصنع، ولطائف الفعل، يدل على حكمة الله ووضعه الأشياء مواضعها، وسعة علمه.
وما فيها من المنافع للخلق، يدل على سعة رحمة الله، وعموم فضله، وشمول بره، ووجوب شكره.
وكل ذلك يدل على تعلق القلب بخالقها ومبدعها، وبذل الجهد في مرضاته، وأن لا يشرك به سواه، ممن لا يملك لنفسه ولا لغيره مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء.
وخص الله بالآيات أولي الألباب، وهم أهل العقول؛ لأنهم هم المنتفعون بها، الناظرون إليها بعقولهم لا بأبصارهم.
ثم وصف أولي الألباب بأنهم يذكرون الله في جميع أحوالهم: قياما وقعودا وعلى جنوبهم: وهذا يشمل جميع أنواع الذكر، بالقول والقلب، ويدخل في ذلك الصلاة قائما، فإن لم يستطع فقاعدا، فإن لم يستطع فعلى جنب، وأنهم يتفكرون في خلق السماوات والأرض أي: ليستدلوا بها على المقصود منها.
ودل هذا على أن التفكر عبادة من صفات أولياء الله العارفين، فإذا تفكروا بها، عرفوا أن الله لم يخلقها عبثا، فيقولون: ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك عن كل ما لا يليق بجلالك، بل خلقتها بالحق وللحق، مشتملة على الحق.
فقنا عذاب النار بأن تعصمنا من السيئات، وتوفقنا للأعمال الصالحات، لننال بذلك النجاة من النار ” انتهى من “التفسير” ( 161).
وفي الحديث عَنْ عطاء قَالَ: ” دَخَلْتُ أَنَا وَعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ عَلَى عَائِشَةَ فَقَالَتْ لِعُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ: قَدْ آنَ لَكَ أَنْ تَزُورَنَا فقَالَ: أَقُولُ يَا أُمَّهْ كَمَا قَالَ الْأَوَّلُ: زُرْ غِباً تَزْدَدْ حُبًّا قَالَ: فَقَالَتْ: دَعُونَا مِنْ رَطَانَتِكُمْ هَذِهِ
قَالَ ابْنُ عُمَيْرٍ: أَخْبِرِينَا بِأَعْجَبِ شَيْءٍ رَأَيْتِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: فَسَكَتَتْ ثُمَّ قَالَتْ: لَمَّا كَانَ لَيْلَةٌ مِنَ اللَّيَالِي قَالَ: ( يَا عَائِشَةُ ذَرِينِي أَتَعَبَّدُ اللَّيْلَةَ لِرَبِّي ) قُلْتُ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّ قُرْبَكَ وَأُحِبُّ مَا سَرَّكَ قَالَتْ: فَقَامَ فَتَطَهَّرَ ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي قَالَتْ : فَلَمْ يَزَلْ يَبْكِي حَتَّى بَلَّ حِجره قَالَتْ: ثُمَّ بَكَى فَلَمْ يَزَلْ يَبْكِي حَتَّى بَلَّ لِحْيَتَهُ قَالَتْ: ثُمَّ بَكَى فَلَمْ يَزَلْ يَبْكِي حَتَّى بَلَّ الْأَرْضَ فَجَاءَ بِلَالٌ يُؤْذِنُهُ بِالصَّلَاةِ فَلَمَّا رَآهُ يَبْكِي قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ تَبْكِي وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ قَالَ:
(أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا ؟! لَقَدْ نَزَلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ آيَةٌ ؛ وَيْلٌ لِمَنْ قَرَأَهَا وَلَمْ يَتَفَكَّرْ فِيهَا: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ …. ) الْآيَةَ كُلَّهَا آل عمران/190.
رواه ابن حبان في صحيحه : (2/ 286) ، وانظر : “السلسة الصحيحة “(1/ 147).
وللأديب والمفكر الكبير، الأستاذ عباس محمود العقاد، كتاب حول هذه المسألة، عنوانه: “التفكير فريضة إسلامية”، يمكن الاستفادة منه.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة