0 / 0

هل صح أن الإمام مالك كان يغني في صغره ؟ وهل حملت به أمه أكثر من سنة ؟

السؤال: 307421

هل صحيح أن الإمام مالك كان يريد أن يصبح مغنيا في صغره ؟ وهل صحيح أن أمه حملته لأكثر من سنة ؟ وهل صحيح أنه كان شديد البياض أشقر ذو أعين زرقاء ؟

ملخص الجواب

صح أن الإمام مالك كان أبيض ، أشقر ، حسن الوجه ، أزرق العينين. واشتهر عند أهل السير: أن أمه حملت به ثلاث سنين . ولا يصح أنه كان يريد أن يصبح مغنيًا في صغره ، والخبر الوارد في ذلك باطل مكذوب .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولًا:

سبق في موقعنا ذكر نبذة عن حياة الإمام مالك رحمه الله ، في جواب السؤال رقم : (119256).

وفيها أن الإمام مالك كان أشقر ، حسن الوجه .

وجاء في “سير أعلام النبلاء” (8/ 69) : ” عن عيسى بن عمر ، قال : ما رأيت قط بياضًا ، ولا حمرة؛ أحسن من وجه مالك ، ولا أشد بياضَ ثوبٍ من مالك.

ونقل غير واحد: أنه كان طوالا ، جسيما ، عظيم الهامة ، أشقر ، أبيض الرأس واللحية ، عظيم اللحية ، أصلع ، وكان لا يُحفي شاربه ، ويراه مُثْلة [أي : كان لا يحلقه بالموسى ، وإنما كان يكتفي بقصه] .

وقيل : كان أزرق العين ، روى بعض ذلك : ابن سعد ، عن مطرف بن عبد الله ” انتهى.

ثانيًا:

أما ما زُعم من أنه كان مغنيًا في صغره ؛ فقد جاء ذلك في “كتاب الأغاني” لأبي الفرج الأصبهاني (4/ 159) : ” أخبرني محمد بن عمرو العتابي ، قال : حدثنا محمد بن خلف بن المرزبان – ولم أسمعه أنا من محمد بن خلف – ، قال : حدثني إسحاق بن محمد بن أبان الكوفي ، قال : حدثني حسين بن دحمان الأشقر قال : كنت بالمدينة فخلا لي الطريق وسط النهار، فجعلت أتغنى : ( ما بالُ أهلكِ يا رَبابُ … خُزْراً كأنّهم غِضابُ ).

قال : فإذا خوخة قد فُتِحَتْ ، وإذا وجه قد بدا تتبعه لحية حمراء ، فقال : يا فاسق أسأتَ التأدية ، ومنعتَ القائلة ، وأذعتَ الفاحشة ، ثم اندفع يغنيه ، فظننت أن طُوَيْسًا قد نشر بعينه ، فقلت له : أصلحك الله من أين لك هذا الغناء ؟

فقال : نشأت وأنا غلام حدث أتبع المغنين وآخذ عنهم ، فقالت لي أمي : يا بني ، إن المغني إذا كان قبيح الوجه لم يُلْتَفَتْ إلى غنائه ، فدع الغناء واطلب الفقه ؛ فإنه لا يضر معه قبح الوجه ، فتركت المغنين واتبعت الفقهاء ، فبلغ الله بي عز وجل ما ترى .

فقلت له : فَأَعِدْ جعلت فداءك ، قال : لا ، ولا كرامة أتريد أن تقول أخذته عن مالك بن أنس ، وإذا هو مالك بن أنس ، ولم أعلم “.

وبالنظر إلى إسناد القصة نجد أن مدارها على إسحاق بن محمد النخعي ؛ وهو كذاب وضاع من الزنادقة ، تنسب إليه الفرقة الإسحاقية الذين يقولون بألوهية علي بن أبي طالب – رضي الله عنه.

قال الذهبي : ” إِسْحَاق بْن محمد بْن أَحْمَد بْن أبان النَّخعيّ . أبو يعقوب الكُوفيُّ… وكان من غُلاةِ الرّافضة الَّذِي تُنْسب إليه الإسحاقيَّة الّذين يقولون : عليّ هُوَ الله تعالي ، فتعالى الله عما يقولون عُلُوًّا كبيرًا ” انتهى من “تاريخ الإسلام” تحقيق بشار (6/ 514).

وقد صرَّح الحافظ ابن حجر العسقلاني في ترجمة هذا الكذاب ، أنه هو الذي اختلق قصة غناء الإمام مالك ، فقال مبينًا سبب الترجمة له في كتابه، مع أنه زنديق : ” واعتذار المصنف عن أئمة الجرح عن ترك ذكره، بكونه زنديقا: ليس بعذر ؛ لأن له روايات كثيرة، موقوفة ومرفوعة ، وفي كتاب الأغاني لأبي الفرج منها جملة كبيرة ، فكيف لا يذكر ليحذر؟…

وإسحاق بن محمد هذا ، اسم جده: أبان وهو الذي يروي محمد بن خلف بن المرزبان عنه ، عن حسين بن دحمان الأشقر، قال : كنت بالمدينة فخلا لي الطريق نصف النهار، فجعلت أتغنى: ” ما بال أهلك يا رباب ” الأبيات ، وفيه قصة مالك معه وإخباره عن مالك أنه كان يجيد الغناء؛ في حكاية أظنها مختلقة ، رواها صاحب كتاب الأغاني عن المرزبان . 

ولا يُغْتَرُّ بها فإنها من رواية هذا الكذاب ” انتهى من “لسان الميزان” (2/71).

ومما يدل على بطلان هذه القصة أيضًا مخالفتها لصفات الإمام مالك التي صحت عنه .

فقد جاء في ترجمته الصحيحة ، أنه كان أبيض حسن الوجه والصورة ، وصاحب هذه القصة المكذوبة يزعم أنه كان قبيح الوجه ؛ لأنه ذكر أن أمه قالت له : ” إن المغني إذا كان قبيح الوجه لم يُلْتَفَتْ إلى غنائه ، فدع الغناء واطلب الفقه ” .

وثمة دلائل أخرى على بطلان هذه القصة تجدها في هذا الرابط :

 http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=379720

وعليه : فلا يصح القول بأن الإمام مالك كان مغنيًا في صغره ثم ترك الغناء ودرس الفقه !

ثالثًا:

ذكر غير واحد من أهل التراجم والسير أن الإمام مالكا حملت به أمّه ثلاث سنين !

ففي “الطبقات الكبرى” لابن سعد (5/ 430) : ” قَالَ محمد بن عمر: وسمعت نساء آل جحاف من ولد زيد بن الخطاب يقلن :

ما حملت منا امرأة أقل من ثلاثين شهرا . والحمل كذلك- أراد توطأ ثم ترفعها الحيضة ثلاث سنين . أو أقل أو أكثر ثم يستبين الحمل من غير وطيء حادث – قَالَ : وسمعت مالك بن أنس يقول : قد يكون الحمل سنتين أو أكثر وأعرف من حمل به أكثر من سنتين – يعني نفسه – ” انتهى.

وفي “ترتيب المدارك وتقريب المسالك” للقاضي عياض (1/ 120) : ” اختُلف في حمل أمه به ؛ فقال ابن نافع الصائغ والواقدي ومعن ومحمد بن الضحاك: حملت به أمه ثلاث سنين .

وقال نحوه بكار بن عبد الله الزبيري ، وقال : أنضجته والله الرحم… قال ابن المنذر : وهو المعروف ” انتهى.

وقال الذهبي في “تاريخ الإسلام” (11/ 319) : ” قال معن بن عيسى ، والواقدي ، ومحمد بن الضحاك : ” حملت بمالك أمه ثلاث سنين ” انتهى .

ومعن بن عيسى من أثبت أصحاب مالك.

قال أبو حاتم : ” أثبت أصحاب مالك وأوثقهم معن بن عيسى ، وهو أحب إليّ من عبد الله بن نافع الصائغ ، ومن ابن وهب ” انتهى من “تهذيب الكمال” (28/339).

وقد وقع مثل هذا لغير مالك – رحمه الله تعالى – :

فروى الدارقطني في سننه (4/500) ، والبيهقي في “السنن الكبرى” (7/728) عن الوليد بن مسلم قال : ” قلت لمالك بن أنس : إني حدثت عن عائشة ، أنها قالت : لا تزيد المرأة في حملها على سنتين قدر ظل المغزل . فقال : ” سبحان الله من يقول هذا ؟ هذه جارتنا امرأة محمد بن عجلان امرأة صدق ، وزوجها رجل صدق ، حملت ثلاثة أبطن في اثنتي عشرة سنة، تحمل كل بطن أربع سنين” انتهى.

وقد سبق في موقعنا في جواب السؤال رقم : (140103) أن من الفقهاء من ذهب إلى أن مدة الحمل قد تصل إلى سنتين ، وهو مذهب الحنفية .

ومنهم من قال: ثلاث سنين ، وهو قول الليث بن سعد .

وقيل غير ذلك أيضا .

والمسألة فيها خلاف كبير بين أهل الفقه وأهل الطب وغيرهم ، لا يسع المقام لذكر ذلك الخلاف ، وفي الرابط التالي نبذة عن هذا الخلاف : http://majles.alukah.net/t4784-2/

والحاصل :

أنه صح أن الإمام مالك كان أبيض ، أشقر ، حسن الوجه ، أزرق العينين.

واشتهر عند أهل السير: أن أمه حملت به ثلاث سنين .

ولا يصح أنه كان يريد أن يصبح مغنيًا في صغره ، والخبر الوارد في ذلك باطل مكذوب .

والله أعلم.

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android