0 / 0

دعوى الأخطاء اللغوية في القرآن

السؤال: 308091

ما الرد على شبهة أخطاء لغوية بالقرآن بالتفصيل شرعياً ولغوياً للآيات التالية ؟ قال تعالى : (قالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ ) يوسف/72 فالخطأ: الانتقال من جمع المتكلم إلى المفرد المتكلم. والصحيح: أن يقال : قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ ونحن بِهِ زعماء . وقال تعالى : (فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ) التكوير/ 26 ، والصحيح أن يقال : فإلى أين تذهبون. وقال تعالى : (ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ )عبس/20 ، خطأ والصحيح: (ثُمَّ للسَّبِيل يَسَّرَه) . وقال تعالى : ( بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ) القيامة /14 ، خطأ والصحيح : بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِير. وقال تعالى : ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ) ق / 16 ، خطأ والصحيح: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ إليه نَفْسُه. وقال تعالى : (مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآَبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا ) الكهف / 5 ، خطأ والصحيح: كَلِمَةً:كان يجب ان تكون مرفوعة لأنها فاعل .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولًا :

اعلم – وفقك الله – أن كل طاعن في عربية القرآن من المتأخرين عن المشركين الأول ، فإن اعتراضه باطل ذاهب ، لأن أهل الشرك ، وهم أهل العربية التي نزل القرآن بها  لم ينهض أحد منهم إلى الاعتراض على عربية القرآن ، وبدلًا من الطعن في لغته ، قاموا بحمل السلاح في مواجهة الدعوة .

تُرى أحمل السلاح أهون عليهم من الطعن في عربيته – إن كان ثمة مطعن يمكن النفوذ منه – ؟

لذا ، فإن الواجب على المؤمن أن يطمئن من هذه الناحية ، وأن يعلم أن الطعن في القرآن من جهة العربية لا يكون إلا ممن سفه نفسه ، وأضل غيره بجهله .

ثم نقول لهذا الطاعن الواهم ، الذي سفه نفسه :

هب أن محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ، لم يكن نبيا مرسلا من رب العالمين ؛ ألم يكن رجلا عربيا ؟!

أليست اللغة العربية، أساليبها، وقواعدها : إنما تؤخذ عن ألسن أهل ذلك الزمان من العرب ؟

أليس محمد بن عبد الله بن عبد المطلب – صلى الله عليه وسلم – من سَراة رجال ذلك الزمان ، وأشرافهم ؟!

أليس أحق بأن يؤخذ عنه لسان العرب، من مجاهيل العرب، والشعراء، والرُّجّاز؟

فما لهم أين يَذهبون ؟ بل أنَّى يُؤفكون ؟!

وهذا جواب عام عن كل طعن يوجه لعربية القرآن ، ونحن نبين لك الجواب المفصل عن كل شبهة من هذه الشبه التي أوردتها .

ثانيًا :

قوله تعالى :  قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ مَاذَا تَفْقِدُونَ. قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ، وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ، وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ  يوسف/71-72.

زعم الطاعن الخاطئ، أن الصحيح أن يقول : ونحن به زعماء .

والجواب :

أن هذا الزعم غلط محض، لأن الله تعالى ذكر أن يوسف عليه السلام وضع الصواع في رحل أخيه ، ثم خرج هو ومن معه من جنده وأعوانه في طلب إخوته ، فلما أقبل عليهم نادى منادٍ من قِبَل يوسف:  أيتها العير إنكم لسارقون ) ، فأقبل إخوة يوسف ، وسألوهم : ( ماذا تفقدون ) ؟

فقال أعوان يوسف : ( نفقد صواع الملك ، ولمن جاء به حمل بعير ) ، وقال كبيرهم ( وأنا به زعيم )، أي : أنا له كافل وضامن ، لأنه أميرهم ، وهو الموكل بالخزائن وقتئذ ، كما هو معلوم .

قال “ابن عاشور” في “التحرير والتنوير” : “ومرجع ضمير ( أقبلوا ) عائد إلى فتيان يوسف …

والذي قال : ( وأنا به زعيم ) واحد من المقبلين وهو كبيرهم .

والزعيم : الكفيل “، انتهى ، بتصرف يسير .

هذا وجه ، ووجه آخر :

أن يكون القائل ، من أصل الكلام ، واحدا ، وأن يكون الجمع والإفراد = لرضا من معه بالكلام ، قال “البقاعي” في “نظم الدرر” (10/ 170): ” وإفراد الضمير تارة ، وجمعه أخرى : دليل على أن القائل واحد ، وأنه نسب إلى الكل لرضاهم به “، انتهى .

ثالثا:

أما قول تعالى :   فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ   التكوير/26 ، وقول السائل : الصحيح : إلى أين تذهبون ؟

فمن أين جاء بأنه الصحيح  ؟

والجواب :

أن ترك “إلى” إما على الحذف أو التضمين ،  وقد قال العلماء : “العرب تقول: إلى أين تذهب؟ وأين تذهب؟ ويقول : ذهبت الشام ، وانطلقت السوق ، وخرجت الشام ، استجازوا في هذه الأحرف الثلاثة إلغاء (إلى) لكثرة استعمالهم إياها ، وأنشد :

تَصيحُ بِنا حَنيفةُ إذْ رأتْنا … وأيَّ الأرضِ تذهبُ بالصِّياحِ

أراد إلى أي الأرض ” انتهى من “التفسير البسيط” (23/ 281).

وقد قال “الطبري” (24/ 127): “يقول : فأين تعدلون عن كتابي وطاعتي ، وقيل : ( فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ ) [التكوير: 26] ولم يقل : فإلى أين تذهبون ، كما يقال : ذهبت الشأم ، وذهبت السوق .

وحكي عن العرب سماعًا: انطلق به الغور، على معنى إلغاء الصفة، وقد ينشد لبعض بني عقيل:

تَصيحُ بِنا حَنيفةُ إذْ رأتْنا … وأيَّ الأرضِ تذهبُ للصِّياحِ

بمعنى : إلى أي الأرض تذهب ؟ واستجيز إلغاء الصفة [ الصفة : هي حرف الجر  (إلى) ] في ذلك، للاستعمال”  انتهى .

وانظر : “الدر المصون” للسمين الحلبي (10/ 707).

رابعا:

أما قوله تعالى : ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ  عبس/ 20 ، فقد اعترض المعترض على كلمة ( السبيل ) ، وأن الصحيح : للسبيل  .

والجواب :

قال “السمين الحلبي” (10/ 690): ” والسبيل ظرفٌ ، أي: يَسَّر للإِنسان الطريقَ ، أي : طريق الخيرِ والشرّ، كقولِه : وَهَدَيْنَاهُ النجدين [البلد: 10] .

وقال أبو البقاء : ويجوز أن ينتصِبَ بأنه مفعولٌ ثانٍ لـ يَسَّره ، والهاء للإِنسان ، أي : يَسَّره السبيلَ ، أي : هداه له .

قلت : فلا بُدَّ مْن تضمينِه معنى أَعْطى ، حتى يَنْصِبَ اثنين ، أو يُحْذفُ حرفُ الجرِّ ، أي: يَسَّره للسبيل ، ولذلك قَدَّره بقولِه : هداه له .

ويجوزُ أَنْ يكون السبيل منصوباً على الاشتغال بفعلٍ مقدرٍ ، والضميرُ له ، تقديره : ثم يَسَّر السبيلَ يَسَّره ، أي : سَهَّله للناسِ كقوله : أعطى كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هدى [طه: 50] ، وتقدَّم مثلُه في قولِه : إِنَّا هَدَيْنَاهُ السبيل [الإِنسان: 3]” انتهى .

خامسا :

أما قوله تعالى :  بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ  القيامة/ 14 ، فقد اعترض على تأنيث ( بصيرة ).

والجواب :

قال “الواحدي” في “التفسير البسيط” (22/ 493): ” فأمَّا تأنيث (البصيرة) فيجوز أن يكون؛ لأن المراد بالإنسان – هاهنا – الجوارح؛ لأنها شاهدة على نفس الإنسان، كأنه قيل : بل الجوارح على نفس الإنسان بصيرة .

وقال أبو عبيدة : جاءت هذه الهاء في صفة الذكر ، كما جاءت: رجل راوية ، وعلامة ، وطاغية .

وقال الأخفش : جعله هو البصيرة ، كما تقول للرجل : أنْتَ حُجَّةٌ عَلى نَفْسِكَ “، انتهى .

وقال “الطاهر” : ” ونظم قوله: ( بل الإنسان على نفسه بصيرة )

صالح لإفادة معنيين:

أولهما : أن يكون ( بصيرة )، بمعنى : مبصر شديد المراقبة، فيكون ( بصيرة ) خبرًا عن الإنسان .

و( على نفسه ) متعلقًا بـ ( بصيرة )، أي الإنسان بصير بنفسه .

وعدي بحرف ( على ) لتضمينه معنى المراقبة .

وهو معنى قوله في الآية الأخرى :  ( كفى بنفسك اليوم عليك حسيبًا ).

وهاء ( بصيرة ) : تكون للمبالغة مثل هاء علامة ونسابة ، أي الإنسان عليم بصير ، قوي العلم بنفسه يومئذ .

والمعنى الثاني: أن يكون ( بصيرة ) مبتدأ ثانيًا، والمراد به قرين الإنسان من الحفظة . و ( على نفسه ) : خبر المبتدأ الثاني مقدمًا عليه ، ومجموع الجملة خبرًا عن الإنسان . و ( بصيرة ) حينئذ يحتمل أن يكون بمعنى بصير، أي : مبصر ، والهاء للمبالغة ، كما تقدم في المعنى الأول ، وتكون تعدية ( بصيرة ) بـ ( على ) لتضمينه معنى الرقيب كما في المعنى الأول .

ويحتمل أن تكون ( بصيرة ) صفة لموصوف محذوف ، تقديره : حجة بصيرة ، وتكون ( بصيرة ) مجازًا في كونها بينة ، كقوله تعالى: ( قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر ) [الإسراء: 102] ، ومنه قوله تعالى: ( وآتينا ثمود الناقة مبصرة ) [الإسراء: 59] ، والتأنيث لتأنيث الموصوف .

وقد جرت هذه الجملة مجرى المَثَل ، لإيجازها ، ووفرة معانيها “، انتهى من “التحرير والتنوير” (29/ 347).

سادسا :

اعترض الواهم الخاطئ ، على قوله تعالى :  وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ  ق/16 ، وزعم أن الصحيح : توسوس إليه نفسه .

والجواب :

أن ” ( بِهِ ): جارّ ومجرور، متعلِّق بـ “تُوَسْوِسُ”.

وجُوِّز في الباء أن تكون زائدة. أي: مثل قولك: صَوَّت بكذا، وهمس به “، انتهى  من “التفصيل في إعراب التنزيل” (26/ 281).

قال “ابن عاشور” في “التحرير والتنوير” : ” والباء في قوله به : زائدة لتأكيد اللصوق ، والضمير: عائد الصلة ، كأنه قيل: ما تتكلمُهُ نفسه ، على طريقة : ( وامسحوا برؤوسكم ) [المائدة: 6] .

وفائدة الإخبار بأن الله يعلم ما توسوس به نفس كل إنسان : التنبيه على سعة علم الله تعالى بأحوالهم كلها ، فإذا كان يعلم حديث النفس ؛ فلا عجب أن يعلم ما تنقص الأرض منهم.

والإخبار عن فعل الخلق بصيغة المضي : ظاهر ، وأما الإخبار عن علم ما توسوس به النفس ، بصيغة المضارع : فللدلالة على أن تعلق علمه تعالى بالوسوسة : متجدد ، غير منقض ، ولا محدود، لإثبات عموم علم الله تعالى ، والكناية عن التحذير من إضمار ما لا يرضي الله “، انتهى .

ثامنًا :

أما اعتراض الواهم الغالط ، على قوله تعالى : مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآَبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا  ، الكهف/ 5، بأن قوله ( كلمة ) : الصحيح فيها أن تكون بالرفع بدل النصب .

فالجواب :

قوله تعالى :  كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ  :

كَبُرَتَ : فعل ماض . لإنشاء الذم . والتاء : حرف للتأنيث . والفاعل ضمير مستتر ، وفيه قولان:

1 – يعود على مقالتهم : ( قَالُوْا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا ) ، أي: كبر مقالهم، وهي جملة تفيد التعجب، أي: ما أكبرها كلمة.

2 – الفاعل ضمير مستتر مفسّر بالنكرة بعده، وهي “كَلِمَةً”.

والمعنى على الذَّمّ مثل (بئس رجلًا). وعلى هذا يكون المخصوص بالذَّم محذوفًا، والتقدير: كبرت هي، أي: الكلمةُ كلمة خارجة من أفواههم.

( كَلِمَةً ): وفيها إعرابات :

1 – النصب على التمييز ، كما تقدَّم في بيان فاعل “كَبُرَت”. وهو الظاهر عند أبي حيان.

قال ابن الأنباري: ” … والتقدير كبرت الكلمة ، كلمةً”.

2 – النصب على الحال. ذكرته فرقةٌ. وقال السمين: “وليس بظاهر”.

3 – ذهب أبو عبيدة إلى أنه نصب على التعجُّب، أي: أكبِرْ بها كلمةً. أي: من كلمة. ومثله عند الزمخشري: ما أكبرها كلمة.

ذكر هذا أبو حيان .

والجملة استئنافيّة لا محل لها من الإعراب “، انتهى  من “التفصيل في إعراب التنزيل” (15/ 237).

والحاصل:

أن أقرب جواب لكل هذه الضلالات، هو ما قدمناه في أول جوابنا:

هب أنه لم يكن نبيا ؛ ألم يكن رجلا عربيا، على لسان قومه ، ومن كلامه يؤخذ لسان العرب، وتعرف القواعد، ويحتج لها بما جاء عنه من الكلام ؟!

ثم: قد تبين وجه الكلام، ومخارجه في كل آية مما ذكره الواهم الغالط في هذا المقام.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android