0 / 0

تفضيل الرجال على النساء

السؤال: 308471

كنت أقرأ فى سورة البقرة فى قول الله تعالى : (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا ) ، فتدبرت فى قوله تعالى : (بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا ) فهنا فهمت أن معناها أن الرجال مفضلون على النساء فى أشياء ، والنساء مفضلون على الرجال فى أشياء ، يعنى كلاهما مفضل على الآخر، فمثلا الأم مفضلة على الأب بالنسبة للولد من حيث برها ، والزوج مفضل على الزوجة من حيث القوامة ، فلما قرأت فى كتب المفسرين وجدت أنهم فسروا ” بعضهم” بالرجال و “بعض” بالنساء ، فهل يحتمل معنى الآية أن يكون كما ذكرت كلاهما مفضل على الآخر من جهه حسب حكمة الله التى اقتضاها فى خلقه ؟ ولكن المفسرين ساقوا أن الزوج مفضل على زوجته إنما فقط لأن هذا فى سياق الآية ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولًا :

اعلم – وفقك الله – أن التفسير علم من العلوم التي لها أصول يُرجع إليها لمعرفة ميزان الأقوال ، والحكم عليها قوة وضعفًا ، وصحة وزيفًا .

ثانيًا :

قوله تعالى : الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا  النساء/ 34 .

ذكر أهل التفسير في هذه الآية ، أن التفضيل تفضيل للرجال على النساء ، وهذا هو الصواب لأمور:

1- أنه تفسير السلف ، وهو أصل عظيم من أصول التفسير ، وأدلته .

2- أنه المناسب لسياق الآيات ، فإن “السياق يرشد إلى تبيين المجمل ، وتعيين المحتمل ، والقطع بعدم احتمال غير المراد ، وتخصيص العام ، وتقييد المطلق ، وتنوع الدلالة .

وهذا من أعظم القرائن الدالة على مراد المتكلم ، فمن أهمله غلط في نظره ، وغالط في مناظرته”، انتهى، من “بدائع الفوائد” لابن القيم (4/ 10).

قال ابن عباس: “يريد الله : بما فضل الله الرجالَ على النساء”، انظر: “التفسير البسيط” (6/ 486).

قال الإمام ابن كثير : ” وَقَوْلُهُ: وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ أَيْ: فِي الْفَضِيلَةِ فِي الخُلُق، وَالْمَنْزِلَةِ، وَطَاعَةِ الْأَمْرِ، وَالْإِنْفَاقِ، وَالْقِيَامِ بِالْمَصَالِحٍ، وَالْفَضْلِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ [النِّسَاءِ:34] “، انتهى، من “تفسير ابن كثير” (1/ 610).

وقال (2/ 292): ” يَقُولُ تَعَالَى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ أَيِ: الرَّجُلُ قَيّم عَلَى الْمَرْأَةِ، أَيْ هُوَ رَئِيسُهَا وَكَبِيرُهَا وَالْحَاكِمُ عَلَيْهَا ، وَمُؤَدِّبُهَا إِذَا اعوجَّت .

بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ أَيْ: لِأَنَّ الرِّجَالَ أَفْضَلُ مِنَ النِّسَاءِ، وَالرَّجُلُ خَيْرٌ مِنَ الْمَرْأَةِ؛ ولهذَا كَانَتِ النُّبُوَّةُ مُخْتَصَّةٌ بِالرِّجَالِ ، وَكَذَلِكَ المُلْك الْأَعْظَمُ؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ( لَنْ يُفلِح قومٌ وَلَّوا أمْرَهُم امْرَأَةً ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ ، وَكَذَا مَنْصِبُ الْقَضَاءِ وَغَيْرُ ذَلِكَ.

وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ أَيْ: مِنَ الْمُهُورِ وَالنَّفَقَاتِ ، وَالْكُلَفِ الَّتِي أَوْجَبَهَا اللَّهُ عَلَيْهِمْ لهنَّ ، فِي كِتَابِهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَالرَّجُلُ أَفْضَلُ مِنَ الْمَرْأَةِ فِي نَفْسِهِ، وَلَهُ الْفَضْلُ عَلَيْهَا وَالْإِفْضَالُ، فَنَاسَبَ أَنْ يَكُونَ قَيّما عَلَيْهَا، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ الآية [البقرة: 228] “، انتهى .

وقال “السعدي” في “تيسير اللطيف المنان” (137): ” الرجال قوامون على النساء في أمور الدين والدنيا، يلزمونهن بحقوق الله، والمحافظة على فرائضه، ويكفونهن عن جميع المعاصي والمفاسد، وبتقويمهن بالأخلاق الجميلة والآداب الطيبة ، وقوامون أيضا عليهن بواجباتهن من النفقة والكسوة والمسكن وتوابع ذلك.

بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ [النساء: 34] أي: ذلك بسبب فضل الرجال عليهن ، وإفضالهم عليهن.

فتفضيل الرجال على النساء من وجوه متعددة : من كون الولايات كلها مختصة بالرجال، والنبوة والرسالة، وباختصاصهم بالجهاد البدني ، ووجوب الجماعة والجمعة ونحو ذلك، وبما تميزوا به عن النساء من العقل والرزانة، والحفظ والصبر والجلد والقوة التي ليست للنساء.

وكذلك يده هي العليا عليها بالنفقات المتنوعة ، بل وكثير من النفقات الأخر والمشاريع الخيرية، فإن الرجال يفضلون النساء بذلك كما هو مشاهد، ولهذا حذف المتعلق في قوله: وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ [النساء: 34]، ليدل على هذا التعميم.

فعلم من ذلك أن الرجل كالوالي والسيد على امرأته ، وهي عنده أسيرة عانية تحت أمره وطاعته ، فليتق الله في أمرها ، وليقومها تقويما ينفعه في دينه ودنياه ، وفي بيته وعائلته يجد ثمرات ذلك عاجلا وآجلا ، وإلا يفعل فلا يلومن إلا نفسه.

وهن قسمان:

القسم الأول: قسم هن أعلى طبقات النساء، وخير ما حازه الرجال، وهن المذكورات في قوله: فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ [النساء: 34]، أي: مطيعات لله ولأزواجهن، قد أدت الحقين، وفازت بكفلين من الثواب، حافظات أنفسهن من جميع الريب، وحافظات لأمانتهن ورعاية بيوتهن، وحافظات للعائلة بالتربية الحسنة، والأدب النافع في الدين والدنيا، وعليهن بذل الجهد والاستعانة بالله على ذلك؛ فلهذا قال: بِمَا حَفِظَ اللَّهُ [النساء: 34] ، أي: إذا وفقن لهذا الأمر الجليل فليحمدن الله على ذلك، ويعلمن أن هذا من حفظه، وتوفيقه وتيسيره لها، فإن من وكل إلى نفسه فالنفس أمارة بالسوء، ومن شاهد منة الله، وتوكل على الله، وبذل مقدوره في الأعمال النافعة، كفاه الله ما أهمه، وأصلح له أموره، ويسر له الخير، وأجراه على عوائده الجميلة.

والقسم الثاني: هن الطبقة النازلة من النساء، وهن بضد السابقات في كل خصلة، اللاتي من سوء أخلاقهن، وقبح تربيتهن: تترفع على زوجها، وتعصيه في الأمور الواجبة والمستحبة، فأمر الله بتقويمهن، بالأسهل فالأسهل، فقال:

وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ [النساء: 34] أي: بينوا لهن حكم الله ورسوله في وجوب طاعة الأزواج، ورغبوهن في ذلك بما يترتب عليه من الثواب، وخوفوهن معصية الأزواج، وذكروهن ما في ذلك من العقاب، وما يترتب عليه من قطع حقوقها، وإباحة هجرها وضربها.

فإن تقومن بالوعظ والتذكير، فذلك المطلوب، وحصل الاتفاق الذي لا يشوبه مُكَدِّر.

فإن لم يفد التذكير: فاهجروهن في المضاجع، بأن لا ينام عندها، ولا يباشرها بجماع ولا غيره؛ لعل الهجر ينجع فيها، ذلك بمقدار ما يحصل به المقصود فقط، فإن القصد بالهجر نفع المهجور وأدبه، ليس الغرض منه شفاء النفس، كما يفعله من لا رأي له إذا خالفته زوجته أو غيرها، ولم يحصل مقصوده، هجر هجرا مستمرا، أي: بقي متأثرا بذلك، عاتبا على من لم يواته على ما يحب، ووصلت به الحال إلى الحقد الذي هو من الخصال الذميمة، فهذا ليس من الهجر الجميل النافع، وإنما هو من الحقد الضار بصاحبه، الذي لا يحصل به تقويم ولا مصلحة.

فإن نفع الهجر للزوجة، وإلا انتقل إلى ضربها ضربا خفيفا غير مبرح، فإن حصل المقصود، ورجعت إلى الطاعة، وتركت المعصية، عاد الزوج إلى عشرتها الجميلة، ولا سبيل له إلى غير ذلك من أذيتها؛ لأنها رجعت إلى الحق.

وهذا الدواء لكل عاص ومجرم، إن الشارع رغبه، إذا ترك إجرامه: عاد حقه الخاص والعام، كما في حق التائب من الظلم، وقطع الطريق وغيرها، فكيف الزوج مع زوجته؟!

وفي هذه الآية ونحوها فائدة نافعة، وهي أنه ينبغي لمن عاد إلى الحق: أن لا يذكر الأمور السالفة، فإن ذلك أحرى للثبات على المطلوب، فإن تذكير الأمور الماضية ربما أثار الشر، فانتكس المرض، وعادت الحال إلى أشد من الأولى”. انتهى.

وقال “ابن عاشور” : ” فالتفضيل: هو المزايا الجبلية التي تقتضي حاجة المرأة إلى الرجل في الذب عنها وحراستها لبقاء ذاتها، كما قال عمرو بن كلثوم:

يَقُتْن جيادَنا، ويقلن: لستم * بعولتنا، إذا لم تمنعونا

فهذا التفضيل ظهرت آثاره على مر العصور والأجيال، فصار حقًا مكتسبًا للرجال، وهذه حجة برهانية على كون الرجال قوامين على النساء، فإن حاجة النساء إلى الرجال من هذه الناحية مستمرة، وإن كانت تقوى وتضعف.

وقوله: ( وبما أنفقوا ) جيء بصيغة الماضي: للإيماء إلى أن ذلك أمر قد تقرر في المجتمعات الإنسانية منذ القدم، فالرجال هم العائلون لنساء العائلة من أزواج وبنات.

وأضيفت الأموال إلى ضمير الرجال، لأن الاكتساب من شأن الرجال، فقد كان في عصور البداوة بالصيد وبالغارة وبالغنائم والحرث، وذلك من عمل الرجال، وزاد اكتساب الرجال في عصور الحضارة بالغرس والتجارة والإجارة والأبنية، ونحو ذلك.

وهذه حجة خطابية لأنها ترجع إلى مصطلح غالب البشر، لا سيما العرب. ويندر أن تتولى النساء مساعي من الاكتساب، لكن ذلك نادر بالنسبة إلى عمل الرجل، مثل استئجار الظئر نفسها وتنمية المرأة مالا ورثته من قرابتها.

ومن بديع الإعجاز صوغ قوله: ( بما فضل الله بعضهم على بعض ، وبما أنفقوا من أموالهم ) في قالب صالح للمصدرية، وللموصولية، فالمصدرية مشعرة بأن القيامة سببها تفضيل من الله وإنفاق، والموصولية مشعرة بأن سببها ما يعلمه الناس من فضل الرجال، ومن إنفاقهم، ليصلح الخطاب للفريقين: عالمهم وجاهلهم، كقول السموأل أو الحارثي:

سلي إن جهلت الناس عنا وعنهم … فليس سواءً: عالم وجهول “، انتهى من “التحرير والتنوير” (5/ 39).

وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم : (43252) ، ورقم : (269847) .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android