ما صحة هذه الكلمات التالية : هناك ثلاثة مستويات للصّيام منسوبة إلى الإمام الغزالي : يجب أن نعرف أن هناك ثلاث درجات للصيام : عادية ، خاصّة ، خاصّة جدّا. (1) الصيام العادي يعني الامتناع عن الطعام والشراب والعلاقة الجنسية. (2) الصيام الخاص يعني أن يحفظ المرء سمعه وبصره ولسانه ويديه ورجليه ، وجميع الأعضاء الأخرى بعيدا عن الآثام. (3) الصيام الخاص الممتاز ، يعني صيام القلب من الاهتمامات والأفكار الدنيوية التي لا تستحق ، وأن يكون في تجاهل تام لكل شيء ما عدا الله. " ؟
صحة قول الغزالي في مراتب الصوم: صوم العموم والخصوص وخصوص الخصوص
السؤال: 311409
ملخص الجواب
هذه المراتب موجودة، وصيام الناس متفاوت، وعلى المؤمن أن يحقق الصوم بكل معانيه. وليس المقصود من ذلك : أن العوام لهم صوم، والخواص لهم صوم، بل الجميع مأمورون بتحقيق أعلى الصوم وأكمله، لكن اقتضت سنة الله تعالى في عباده أنهم متفاوتون في ذلك، كما أنهم متفاوتون في إقامة الصلاة وتحقيق الخشوع فيها.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
قال أبو حامد الغزالي رحمه الله: "اعْلَمْ أَنَّ الصَّوْمَ ثَلَاثُ دَرَجَاتٍ صَوْمُ الْعُمُومِ وصوم الخصوص وصوم خصوص الخصوص
وأما صَوْمُ الْعُمُومِ : فَهُوَ كَفُّ الْبَطْنِ وَالْفَرْجِ عَنْ قضاء الشهوة ، كما سبق تفصيله.
وَأَمَّا صَوْمُ الْخُصُوصِ : فَهُوَ كَفُّ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَاللِّسَانِ ، وَالْيَدِ وَالرِّجْلِ وَسَائِرِ الْجَوَارِحِ، عَنِ الْآثَامِ.
وأما صوم خصوص الخصوص : فصوم القلب عن الهمم الدَّنِيَّةِ ، وَالْأَفْكَارِ الدُّنْيَوِيَّةِ ، وَكَفُّهُ عَمَّا سِوَى اللَّهِ عز وجل بالكلية" انتهى من "إحياء علوم الدين" (1/ 234).
وهذه معان صحيحة، فإن المؤمنين يتفاوتون في الصوم، فمنهم من صومه مجرد الامتناع عن الطعام والشراب وشهوة الفرج، ولكن قد يطلق لسانه بالغيبة والنميمة والكذب، ويطلق عينه للنظر المحرم، وسمعه للخنا والموسيقى ونحوها، وجوارحه للأذى والفساد، فهذا صوم ناقص ضعيف.
وقد روى البخاري (6057) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ وَالجَهْلَ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ .
ومثل هذا يخشى على صومه، كما روى أحمد (8856) عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش، ورب قائم حظه من قيامه السهر قال شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند: إسناده جيد.
وروى ابن أبي شيبة في مصنفه (8882) عن عمر رضي الله عنه قال: ليس الصيام من الطعام والشراب وحده، ولكنه من الكذب، والباطل، واللغو، والحلف .
وروى مثله (8884) عن علي رضي الله عنه.
وروى (8883) عن ميمون بن مهران قال: "إن أهون الصوم ترك الطعام والشراب".
فالمرتبة الأولى من الصوم: الصوم الناقص، الذي لا يحجز صاحبه عن محرمات اللسان والجوارح.
قال ابن رجب رحمه الله: " قال بعض السلف: أهون الصيام : ترك الشراب والطعام.
وقال جابر: إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم ودع أذى الجار، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك ، ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء…
وفي مسند الإمام أحمد : أن امرأتين صامتا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، فكادتا أن تموتا من العطش ، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فأعرض ، ثم ذكرتا له ، فدعاهما ، فأمرهما أن تتقيآ ، فقاءتا ملء قدح قيحا ودما وصديدا ولحما عبيطا . فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن هاتين صامتا عما أحل الله لهما ، وأفطرتا على ما حرم الله عليهما ؛ جلست إحداهما إلى الأخرى ، فجعلتا تأكلان في لحوم الناس) " انتهى من "لطائف المعارف"، ص155 .
والحديث المذكور ضعيف الإسناد.
فمن حفظ جوارحه عن المحرمات، فقد أتى بحقيقة الصوم، وهي المرتبة الثانية التي سماها الغزالي: صوم الخصوص.
وأما المرتبة الثالثة، وهي صوم القلب عن الهمم الدنية ، والأفكار الدنيوية، وجمعه بالكلية على الله وحده، فلا شك أنها مرتبة عظيمة لا يصل إليها إلا الموفقون، فإن القلب هو ملك الأعضاء، ومحل التقوى، ومحل نظر الرب سبحانه، وكمال العبادة يكون بجمعه على الله، وإقباله عليه، وقطع الشواغل عنه، فمن حقق الصوم بقلبه وجوارحه، فقد حاز الكمال.
والحاصل :
أن هذه المراتب موجودة، وأن صيام الناس متفاوت، وأن على المؤمن أن يحقق الصوم بكل معانيه.
وليس المقصود من ذلك : أن العوام لهم صوم، والخواص لهم صوم، بل الجميع مأمورون بتحقيق أعلى الصوم وأكمله، لكن اقتضت سنة الله تعالى في عباده أنهم متفاوتون في ذلك، كما أنهم متفاوتون في إقامة الصلاة وتحقيق الخشوع فيها.
نسأل الله أن يرزقنا وإياكم حقيقة الصوم، وأن يجعلنا من المقبولين.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب