أنا مؤمنة بالقضاء والقدر، ولكن أحياناً يجرّني الشيطان إلى هذا التساؤل: بعض الآباء يكونون صالحين، طائعين لله، ويحاولون تربية أبناءهم تربية صالحة مستقيمة، ويتعبون معهم جداً، ويفعلون جميع الأسباب المؤدية لذلك، ولا يجدون أثر ذلك على أولادهم، فتجدهم غير محافظين على الصلاة، أو يفعلون بعض المعاصي، وهناك بعض الآباء مقصّرين جداً في طاعة الله، ويفعلون بعض المعاصي، ولا يحرصون على تربية أبنائهم مطلقاً، ومع ذلك يكون أبناءهم محافظين جداً على الصلاة في وقتها، أنا لا أعترض على قضاء الله سبحانه وتعالى، ولكن لماذا يكون أبناءهم صالحين، مع أنهم لا يبذلون أي جهد في ذلك؟ أم هذا من الابتلاء الذي يجب أن نصبر عليه؟
فساد بعض أبناء الصالحين والدعاة هل هو تقصير منهم أم ابتلاء؟
السؤال: 314851
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
الإيمان بالقدر ركن من أركان الإيمان، كما في حديث جبريل المشهور، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْإِيمَانِ، قَالَ: أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ، قَالَ: صَدَقْتَ رواه مسلم (8).
ومما قدره الله صلاح الأولاد أو فسادهم، وما قدره سبحانه يكون ولابد.
ونحن مأمورون بالتربية والإحسان ووقاية الأهل والأولاد من النار، فمن قام بذلك أتم قيام، فهو مثاب مأجور، ومن قصر وفرط وانشغل عن أهله وأولاده، ولو بتعليم الناس ودعوتهم إلى الله، فقد أخطأ وفرط فيما ولاه الله من الأمانة؛ وقد يأثم، فإن أهل البيت أولى بالتعليم والدعوة من غيرهم، كما قال تعالى: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ الشعراء/214، وقال: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى طه/132
فمن فرط وقصر، ثم رأى فساد أولاده، فلا يلومن إلا نفسه.
ومن اجتهد وأحسن، ثم فسد ولده؛ فليعلم أنه ابتلاء من الله تعالى، وقد حصل ذلك مع خيرة خلق الله، وهم أنبياؤه ورسله، كما في ابن نوح عليه السلام، وكما في زوجة نوح، وزوجة لوط عليهما السلام، وكما في أبي طالب عم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك أن التوفيق وهداية القلوب بيد الله تعالى، ولهذا قال لنبيه: إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ القصص/56.
وإذا رأى الإنسان فسادا في ابن عالم أو مصلح، فينبغي أن يحمل ذلك على الابتلاء، لا على تقصير أبيه في تربيته، لأن ذلك من إساءة الظن.
وكم رأينا من آباء مقصرين أو فاسدين، ينعم الله على أبنائهم بالصلاح والاستقامة، فهذا فضل الله يؤتيه من يشاء: وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ القصص/68.
وعلى كل راع أن يقوم بواجبه، وأن يستعين بالله تعالى، ويفزع إليه في تربية وهداية أبنائه، كما قال تعالى: حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ الأحقاف/15، 16.
وقال في شأن عباد الرحمن: وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا الفرقان/74.
وقال عن دعاء نبيه زكريا عليه السلام: هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ آل عمران/38.
نسأل الله أن يصلح ذرياتنا، وأهالينا.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب