بعض الصحابة ارتكبوا بعض الكبائر ، وهم أكثر منا إيمانا ، فهل يعني هذا أننا من باب أولى سوف نرتكب كبائرا ؛ لأن إيماننا أقل من إيمانهم ؟ أم إن هذا القياس غير صحيح ؟ وبماذا نرد على من يفعل كبائر ، ويقول : إن الصحابة فعلوا كبائر ؟
يتساهل في المعاصي؛ بحجة أنها وقعت من الصحابة أيضا
السؤال: 315492
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
هذا الكلام من خدع الشيطان يهونّ بها المعاصي على الشخص ليسترسل فيها ولا يتوب منها.
وهذا الكلام باطل من وجوه :
الأول :
أن الأسوة الكاملة للمسلم هو النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الله تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا الأحزاب/21.
قال ابن كثير رحمه الله تعالى:
” هذه الآية الكريمة أصل كبير في التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وأحواله؛ ولهذا أمر الناس بالتأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب، في صبره ومصابرته ومرابطته ومجاهدته وانتظاره الفرج من ربه، عز وجل، صلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم الدين ” انتهى من “تفسير ابن كثير” (6 / 391).
وكذا الالتزام بما جاء به من أمر أو نهي.
قال الله تعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ الحشر/7.
فكل من خالف نهيه، فلم يحقق التقوى المطلوبة، فقد عرض نفسه لعقاب الله تعالى.
الثاني :
أن المسلم مأمور باتباع الصحابة رضي الله عنهم فيما أحسنوا فيه ، لا في غير ذلك .
قال الله تعالى : وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ التوبة/100 .
قال محمد بن كعب القرظي :
” وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ”: شرط في التابعين شريطة ، وهي : أن يتبعوهم في أفعالهم الحسنة، دون السيئة” انتهى .
ينظر : “الدر المنثور” (4/272) ، “تفسير البغوي” (4/88) .
فعلى المسلم أن يجتهد في اتباع الصحابة رضي الله عنهم في أعمالهم الحسنة ، حتى يكون من أهل الآية السابقة ، أما ما أخطأوا فيه –رضي الله عنهم- فلسنا مأمورين باتباعهم في ذلك .
ومن أعمالهم الحسنة التي يجب على المسلم أن يقتدي بهم فيها : أنهم كانوا إذا أخطأوا بادروا بالتوبة ، وكانوا يتوبون توبة عظيمة صادقة يمحو الله بها ذنوبهم ، والأحاديث في هذا معلومة مشهورة ، كتوبة ماعز، والمرأة الغامدية رضي الله عنهما .
فعلى المسلم أن يجتهد في طاعة الله تعالى والبعد عن معصيته ، ثم .. إن زل فإنه يبادر بالتوبة النصوح ، ولا يتعلل بما وقع من بعض الصحابة ، فإنهم كانوا يتوبون ولم يكونوا يصرون على المعصية .
الثالث :
أن الكبائر – وإن كانت وقعت من بعض الصحابة- إلا أنها قليلة جدا ، بل كانت نادرة ، وكان الغالب عليهم – رضي الله عنهم – هو الاستقامة على أمر الله ، والاجتهاد في مرضاته غاية الاجتهاد ، فلماذا يترك هذا الشخص المشار إليه في السؤال الأعم الأغلب من أحوال الصحابة وأفعالهم ، ويتعلل بالقليل النادر ؟!
ثم .. إن كان صادقا ، فليفعل مثلهم ، كانوا يبادرون بالتوبة ، ولم يكونوا يصرون على الذنب، كما سبق.
ثم ليتأس بمن جادت بنفسها لله، وأقرت، وأقيم عليها الحد.
ثم ليتأس بعباداتهم، وأحوالهم، وبذلهم، وجهادهم، وصدقاتهم، وصيامهم، وقيامهم…
فليكن هذا المسكين، في حاله، وفعاله: كحال الصحابة، وفعالهم..
ثم لينظر: هل يستدرجه الشيطان، حيئنذ، بمثل هذا المقال؟!
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب