تصادفت مع زوجة صديق أبي، وأنا لم أتزوج، وهي كبيرة، تعرفت علي وأحبتني كثيرا وأنا ايضا، ولم تنقطع عنا، بل تتصل، وتسأل، وتجتمع بنا، ولكن بعد عدة سنوات خطبت ابنة خالتي لابنها ، فلما عرفت كُسِرَ قلبي قليلا؛ لأنها تركتني، وأخذت ابنة خالتي، رغم معرفتها بي، وعرفت من قريبة لي إنها لا تريدني؛ لأن عائلتي ليسوا من أصحاب البشرة البيضاء، وهم كذلك، ولذلك تريد امرأة لابنها بيضاء، بعد ذلك تم زواجهم، وكانت ابنة خالتي تتباهى قليلا هي ووالدتها، مدة رأيت زوجها في طريقنا لمكان ما، ثم قلت: لأمي الحمدلله أني لم آخذه ، إنه جدا عادي، وبعدها مدحته لأمي، وقلت : قد تكون أخلاقه حسنة، ولا أقصد أن أسب شكله، لكنهم تباهوا لذلك اندهشت عندما رأيته، فماحكم قولي لجملة ( الحمدلله أني ما أخذته)؟ وماذا أفعل أنا نادمة ؟
التوبة من الغيبة
السؤال: 315836
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
الغيبة ضابطها؛ أن يخبر عن الغائب بشيء ليس بكذب، لكن يكرهه هذا الغائب، ولا يرضى بذكره.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟
قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.
قَالَ: ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ .
قِيلَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟
قَالَ: إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ، فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ رواه مسلم (2589).
قال ابن هبيرة رحمه الله تعالى:
” في هذا الحديث ما يدل على أن حد الغيبة: الصدق في وصف من يغتاب، انتهازا للفرصة ” انتهى من “الإفصاح” (8 / 176).
والاخبار بأن فلانا عادي الخلقة وليس به جمال؛ وإن كان حقيقة؛ إلا أنه في سياق الانتقاص منه كما يظهر من السؤال؛ فيتناوله ضابط الغيبة.
عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” حَسْبُكَ مِنْ صَفِيَّةَ كَذَا وَكَذَا” قال الراوي : تَعْنِي قَصِيرَةً.
فَقَالَ: لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ الْبَحْرِ لَمَزَجَتْهُ رواه أبو داود (4875)، والترمذي (2502) وقال: “هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ”.
قال النووي رحمه الله تعالى:
” ( مزجتهُ ) أي: خالطتهُ مُخالطةً يتغيرُ بها طعمهُ أو ريحهُ ، لشدةِ نتنها وقبحها .
وهذا الحديث من أعظم الزواجر عن الغيبة أو أعظمُها؛ وما أعلمُ شيئاً من الأحاديث يبلغُ في الذمّ لها هذا المبلغ ، ( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى )، نسألُ اللَّه الكريم لطفه والعافية مِنْ كُلّ مَكْرُوهٍ ” انتهى من “الأذكار” (ص 290).
وقال ابن قدامة رحمه الله:
” واعلم أن كل ما يفهم منه مقصود الذم، فهو داخل في الغيبة، سواء كان بكلام أو بغيره، كالغمز، والإشارة والكتابة بالقلم، فإن القلم أحد اللسانين.
وأقبح أنواع الغيبة، غيبة المتزهدين المرائين، مثل أن يُذكر عندهم إنسان فيقولون: الحمد لله الذي لم يبتلنا بالدخول على السلطان، والتبذل في طلب الحطام، أو يقولون: نعوذ بالله من قلة الحياء، أو نسأل الله العافية، فإنهم يجمعون بين ذم المذكور ومدح أنفسهم.
وربما قالا أحدهم عند ذكر إنسان: ذاك المسكين قد بلى بآفة عظيمة، تاب الله علينا وعليه، فهو يظهر الدعاء ويخفى قصده ” انتهى من “مختصر منهاج القاصدين” (170).
ثانيا:
الأصل في التوبة من المظالم طلب العفو من المظلوم.
عن أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ لِأَخِيهِ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهَا ، فَإِنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ دِينَارٌ وَلاَ دِرْهَمٌ ، مِنْ قَبْلِ أَنْ يُؤْخَذَ لِأَخِيهِ مِنْ حَسَنَاتِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ أَخِيهِ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ رواه البخاري (6534).
لكن إخبار المظلوم بما قيل فيه طلبا لعفوه كما في حالتك، ليس من شأنه ، في المعتاد من الأحوال أن يصلح ذات البين، أو يترتب عليه مسامحة، والتئام للشمل، بل من شأنه – عادة – أن يزيد في المفسدة؛ حيث سيواجه المظلومَ بكلام يزعجه هو غافل عنه، وربما هاجت فتن وخصام داخل عائلتك بسببه.
فلذا عليك بالتوبة بالندم على ما بدر منك، والعزم على عدم العودة إليه، وذكر المظلوم بما قد يكون فيه من خير؛ كما صنعت، وكذا الاستغفار له.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
” ومن ظلم إنسانا ، فقذفه ، أو اغتابه ، أو شتمه ثم تاب : قبل الله توبته.
لكن إن عرف المظلومُ، مكَّنَه من أخذ حقه.
وإن قذفه أو اغتابه، ولم يبلغه؛ ففيه قولان للعلماء، هما روايتان عن أحمد:
أصحهما : أنه لا يُعلمه أني اغتبتك.
وقد قيل: بل يحسن إليه في غيبته ، كما أساء إليه في غيبته. كما قال الحسن البصري: كفارة الغيبة أن تستغفر لمن اغتبته ” انتهى من “مجموع الفتاوى” (3 / 291).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
” الغيبة وأقوال العلماء في كيفية التوبة منها:
إذا كان الحق غير مالي ، مثل أن يكون شخص اغتبته في مجلس أو مجالس ، فكيف التوبة من هذا؟ قال كثير من العلماء: لابد أن تذهب إليه وتستحله، وإلا فسيأخذ من حسناتك يوم القيامة، اذهب إليه وقل له: يا فلان! سامحني.
وقال بعض العلماء: لا يجب أن تستحله، وإنما تستغفر له، وتثني عليه في المجالس التي كنت تغتابه فيها، والحسنات يذهبن السيئات، وقد جاء في الحديث: (كفارة من اغتبته أن تستغفر له).
ولكن فيه قول ثالث وسط ، ولعله الصواب، يقول: إن كان صاحبك الذي اغتبته قد علم بذلك ، فلا بد من أن تذهب إليه وتستحله؛ لأنه لن يزول ما في قلبه حتى تستحله.
أما إذا كان لم يعلم فيكفي أن تستغفر له، وأن تثني عليه في المجالس التي كنت تغتابه فيها، والله غفور رحيم. ” انتهى من “لقاء الباب المفتوح” (124 / 5 ترقيم الشاملة).
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (6308)، ورقم: (99554) .
ونسأل الله تعالى أن يعفو عنا وعنك، وأن يزيل همك ويرزقك من فضله.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة