ما هو حكم قول سبحان العلم أو سبحان الأقدار من باب الإخبار أو التعجب وليس بنية العبادة ؟
هل يكون التسبيح لغير الله، كقولهم: سبحان العلم ؟
السؤال: 315862
ملخص الجواب
لا يجوز أن ينسب التسبيح إلا لله رب العالمين، فيقال : سبحان الله ، ونحو ذلك ، فمن أعجبه شيء مما قدّره الله وقضاه فليقل: سبحان الله، وليترك اللفظ الموهم الملبس، الذي لم يؤثر ولم ينقل في مثل تلك الحال.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
التسبيح لا يكون إلا لله، ومعناه التنزيه عن النقائص، وليس شيء منزهاً عنها التنزيه المطلق إلا الله، ولهذا لم يرد في القرآن أو في السنة إضافة التسبيح لغيره تعالى.
قال العز بن عبد السلام رحمه الله: ” التسبيح: التنزيه من السوء على وجه التعظيم، فلا يُسبَّح غير الله تعالى؛ لأنه قد صار مستعملاً في أعلى مراتب التعظيم التي لا يستحقها سواه” انتهى من تفسيره (1/ 115).
والتسبيح يقتضي مع التنزيه: إثبات المحامد التي يُحمد عليها.
ولهذا جاء عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: “سُبْحَانَ” اسْمٌ لَا يَسْتَطِيعُ النَّاسُ أَنْ يَنْتَحِلُوهُ.
وقال مَيْمُونُ بْنُ مهران: “اسْمٌ يُعَظَّمُ اللَّهُ بِهِ ، وَيُحَاشَى بِهِ مِنْ السُّوءِ”.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ” والأمر بتسبيحه يقتضي أيضا تنزيهه عن كل عيب وسوء، وإثبات صفات الكمال له. فإن التسبيح يقتضي التنزيه والتعظيم، والتعظيم يستلزم إثبات المحامد التي يحمد عليها، فيقتضي ذلك تنزيهه وتحميده وتكبيره وتوحيده.
قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي ثنا ابن نفيل الحراني ثنا النضر ابن عربي قال: سأل رجل ميمون بن مهران عن ” سبحان الله “؟ فقال: ” اسم يُعظم الله به ، ويُحاشى به من السوء “…
وعن أبي الأشهب عن الحسن قال: ” سبحان ” : اسم لا يستطيع الناس أن ينتحلوه…
حدثنا كثير بن هشام ثنا جعفر بن برقان ثنا يزيد بن الأصم قال: جاء رجل إلى ابن عباس فقال: ” لا إله إلا الله ” : نعرفها أنه لا إله غيره ، و” الحمد لله ” : نعرفها أن النعم كلها منه ، وهو المحمود عليها ، و” الله أكبر ” : نعرفها أنه لا شيء أكبر منه ؛ فما ” سبحان الله ” ؟ فقال ابن عباس: وما تُنكر منها؟ هي كلمة رضيها الله لنفسه ، وأمر بها ملائكته ، وفزع إليها الأخيار من خلقه” انتهى من “مجموع الفتاوى” (16/ 125).
فالتسبيح : تنزيه وتعظيم وإثبات للكمال والعظمة، فلا يكون إلا لله، لا لنبي مرسل، ولا لملك مقرب، فضلا عمن هو دون ذلك.
ولهذا قال كثير من المفسرين في قوله تعالى: إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا الفتح/8، 9، إن الضمائر كلها عائدة إلى (الله) لقرينة (وتسبحوه) والتسبيح لا يكون إلا لله.
قال ابن عاشور: “وَالتَّعْزِيزُ: النَّصْرُ وَالتَّأْيِيدُ، وَتَعْزِيزُهُمُ اللَّهَ ، كَقَوْلِهِ: ( إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ ) [مُحَمَّد: 7].
وَالتَّوْقِيرُ: التَّعْظِيمُ. وَالتَّسْبِيحُ: الْكَلَامُ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى تَنْزِيهِ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ كُلِّ النَّقَائِصِ.
وَضَمَائِرُ الْغَيْبَةِ الْمَنْصُوبَةُ الثَّلَاثَةُ : عَائِدَةٌ إِلَى اسْمِ الْجَلَالَةِ ؛ لِأَنَّ إِفْرَادَ الضَّمَائِرِ مَعَ كَوْنِ الْمَذْكُورِ قَبْلَهَا اسْمَيْنِ ؛ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَحَدُهُمَا.
وَالْقَرِينَةُ عَلَى تَعْيِينِ الْمُرَادِ : ذِكْرُ ( وَتُسَبِّحُوهُ ) .
وَلِأَنَّ عَطْفَ : ( وَرَسُولِهِ ) ، عَلَى لَفْظِ الْجَلَالَةِ : اعْتِدَادٌ بِأَنَّ الْإِيمَان بالرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِيمَانٌ بِاللَّهِ ؛ فَالْمَقْصُودُ هُوَ الْإِيمَانُ بِاللَّهِ.
وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ، فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ: إِنَّ ضَمِيرَ : تُعَزِّرُوهُ، وَتُوَقِّرُوهُ: عَائِدٌ إِلَى رَسُولِهِ” انتهى من “التحرير والتنوير” (26/ 156).
ومنهم من قال: إن التوقير والتعزير راجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، واختار الوقف على (وتوقروه)؛ لئلا يتوهم أن التسبيح للرسول.
قال البغوي رحمه الله في تفسيره (7/ 299): “وَتُوَقِّرُوهُ : تُعَظِّمُوهُ ، وَتُفَخِّمُوهُ ؛ هَذِهِ الْكِنَايَاتُ رَاجِعَةٌ إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وها هنا وَقْفٌ، وَتُسَبِّحُوهُ أَيْ تُسَبِّحُوا اللَّهَ، يُرِيدُ تُصَلُّوا لَهُ” انتهى.
وقال ابن الجوزي رحمه الله: “واختار كثير من القرَّاء الوقف هاهنا؛ لاختلاف الكناية فيه وفيما بعده” انتهى من “زاد المسير” (4/ 129).
وقال السعدي رحمه الله: ” وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ أي: تعزروا الرسول صلى الله عليه وسلم ، وتوقروه ؛ أي: تعظموه ، وتُجِلوه، وتقوموا بحقوقه، كما كانت له المنة العظيمة برقابكم، وَتُسَبِّحُوهُ أي: تسبحوا لله بُكْرَةً وَأَصِيلا أول النهار وآخره.
فذكرَ اللهُ في هذه الآية : الحقَّ المشترك بين الله وبين رسوله، وهو الإيمان بهما، والمختص بالرسول، وهو التعزير والتوقير، والمختص بالله، وهو التسبيح له والتقديس بصلاة أو غيرها” انتهى من “تفسير السعدي”، ص792 .
وعليه:
فلا يجوز أن يقال: سبحان العلم، ولا: سبحان الأقدار، ولا يجوز أن يسبح إلا الله جل جلاله.
وينبغي أن يعلم أن الأقدار يراد بها الأمور المقدرة المخلوقة، ويراد بها فعل الله تعالى، أي: تقديره، المتضمن لعلمه ومشيئته وكتابته وخلقه للأشياء.
وعلى كل حال : فلا يجوز أن ينسب التسبيح إلا لله رب العالمين، فيقال : سبحان الله ، ونحو ذلك ، فمن أعجبه شيء مما قدّره الله وقضاه فليقل: سبحان الله، وليترك اللفظ الموهم الملبس، الذي لم يؤثر ولم ينقل في مثل تلك الحال.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب