أقارب زوجتي يزوروني كثيرا بعائلاتهم، ويقيمون عندي، حيث إني أسكن في بلد أخرى تبعد حوالي 150 كيلومتر عن بلدهم، وتكون الزيارة ما بين يوم وثلاثة أيام، وذلك للترفيه عن أنفسهم وأولادهم، مع العلم إن لهم منزلا في نفس البلد التي أسكن فيها، وأنا أتأذى من كثرة الزيارات؛ لأنهم لا يحترمون خصوصية البيت، ويضيقون علينا في نومنا، ويكلفونني زيادة عن قدرتي، واأنا أستحيي من منعهم، والتنبيه عليهم، فهل على ذنب إن أجبرت زوجتي على منع بعض زياراتهم؟ وكيف يمكن الجمع بين حديثي رسول الله صلى الله عليه وسلم (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه)، و(ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه)؟
أقارب زوجته يزورونه كثيرا، ويتضرر من ذلك
السؤال: 316466
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
ورد الحث على إكرام الضيف، ومن ذلك حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ رواه البخاري (6018) ومسلم (47).
والضيف؛ هو الشخص المجتاز النازل بغيره طلبا للإطعام والإكرام.
جاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية" (28 / 316):
" الضيافة في الاصطلاح: هي اسم لإكرام الضيف – وهو النازل بغيره لطلب الإكرام – والإحسان إليه " انتهى.
فالضيف هو المسافر الذي ليس له بيت يأوي إليه في المكان النازل به؛ فشرع إكرامه تحقيقا للتكافل والرحمة بابن السبيل.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
" ( وتجب ضيافة المسلم المجتاز به ) يعني الذي مر بك وهو مسافر، وأما المقيم فإنه ليس له حق ضيافة، ولو كان المقيم له حق الضيافة ، لكان : ما أكثر المقيمين الذين يقرعون الأبواب! فلا بد أن يكون مجتازا، أي: مسافرا ومارا، حتى لو كان مسافرا مقيما يومين، أو ثلاثة، أو أكثر، فلا حق له في ذلك، بل لا بد أن يكون مجتازا " انتهى من "الشرح الممتع" (15 / 50).
وسُئل الشيخ عبد الرحمن البراك:
" إذا زارَني قريبي أو جاري هل هذا هو الضَّيفُ المذكورُ في الأحاديث ؟
فأجاب: الظَّاهرُ أنَّهُ لا ينطبقُ عليه معنى الضَّيفِ المذكورِ، وإن كانَ نوع ضيافةٍ، لكنَّ الضَّيفَ الَّذي وردَت الأحاديثُ يظهرُ أنَّه الضَّيفُ الَّذي يكونُ في الأسفار، ويضيفُ المقيمينَ في القرى على الطُّرقاتِ، أمَّا الجارُ هذا ليس مِن هذا النَّوع، ولا يحتاجُ مِن الإكرام ما يحتاجُه ذاك، إلَّا الإكرام العامَّ ؛ إكرامُ المسلمِ لأخيه والاحتفاءُ به، ولهذا قُدِّرَت الضِّيافةُ بيومٍ وليلةٍ، وبثلاثِ ليالٍ، هذا الجارُ ليسَ في العادة -قديمًا ولا حديثًا- أنَّه يستحقُّ ضيافةَ يومٍ وليلة " انتهى.
وأما من لم يكن مجتازا؛ وإنما قصد معارفه وأقاربه للأنس والراحة عندهم فقط: فهذا زائر؛ يجوز للمسلم أن يأذن له ، ويجوز أن يعتذر منه ولا يدخله بيته؛ لأن هذا ليس في حاجة إلى أموال غيره.
قال الله تعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ النور/27 – 28.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى:" ( فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا ) أي: فلا تمتنعوا من الرجوع، ولا تغضبوا منه، فإن صاحب المنزل، لم يمنعكم حقا واجبا لكم، وإنما هو متبرع، فإن شاء أذن أو منع، فأنتم لا يأخذ أحدكم الكبر والاشمئزاز من هذه الحال " انتهى من "تفسير السعدي" (565).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
" وفي هذه الآية من بيان صراحة الإسلام، وآدابه، وما فيها، وأن الإنسان ينبغي أن يكون صريحا غير متلون، فإن كنت أرغب أن تدخل فآذن لك، وإن كنت لا أرغب أقول: ارجع، وهذا كثير من الناس لا يفعله، ولكن الشرع يبيحه للإنسان، فيجوز لمن استأذن عليك: ارجع، وإذا رجع كان ذلك أزكى له " انتهى من "تفسير سورة النور" (ص 160).
وهذا الزائر – وليس الضيف المسافر – الذي يحتاج إلى إذنك ، ويجوز لك إرجاعه : هو الذي يتناوله حديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
فَاتَّقُوا اللهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ، فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ رواه مسلم (1218).
قال النووي رحمه الله تعالى:
" والمختار: أن معناه أن لا يأذن لأحد تكرهونه في دخول بيوتكم ، والجلوس في منازلكم ، سواء كان المأذون له رجلا أجنبيا ، أو امرأة ، أو أحدا من محارم الزوجة ؛ فالنهي يتناول جميع ذلك، وهذا حكم المسألة عند الفقهاء: أنها لا يحل لها أن تأذن لرجل أو امرأة ولا محرم ولا غيره ، في دخول منزل الزوج ، إلا من علمت ، أو ظنت أن الزوج لا يكرهه؛ لأن الأصل تحريم دخول منزل الإنسان حتى يوجد الإذن في ذلك منه، أو ممن أذن له في الإذن في ذلك، أو عرف رضاه باطراد العرف بذلك، ونحوه، ومتى حصل الشك في الرضا، ولم يترجح شيء، ولا وجدت قرينة: لا يحل الدخول ولا الإذن. والله أعلم " انتهى من "شرح صحيح مسلم" (8 / 184).
فالحاصل؛ أن أقارب زوجتك ما داموا ليسوا مجتازين ، ويملكون بيتا يؤويهم؛ فلا حق لهم في الضيافة؛ بل هم زوار، إن شئت أذنت لهم، وإن شئت طلبت منهم تخفيف الزيارة، أو طلبت من امرأتك ذلك؛ خاصة إذا كانت كثرة زيارتهم تضرك، وتضر بنفقتك على أهل بيتك.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب