يقول رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم في الحديث الصحيح بأن الدجال ـ لعنة الله تعالى عليه وأعاذنا من فتنته ـ : (يَخْرُجُ مِنْ غَضْبَةٍ يَغْضَبُهَا)؛ لقوة دين الله تعالى، وبسبب الفتوحات التي تتحقق على يد المسلمين حينما يخرج فيهم الإمام المهدي عليه السلام في ذلك الوقت، ولكن في حديث آخر يقول رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله سلم : (يَخْرُجُ الدَّجَّالُ فِي خَفْقَةٍ مِنْ الدِّينِ وَإِدْبَارٍ مِنْ الْعِلْمِ) كما ذكرتم في السؤال رقم :(275970) . فسؤالي هو : كيف يكون دين الله تعالى في أوج عزته في أرضه بفتوحاته، وبظهور خير إمام، وهو المهدي عليه السلام، ويكون حال الأرض في نفس الوقت أيضا في (خفقة من الدين و إدبار من العلم) ؟ وهل يخرج الدجال في وقت يكون فيه الزمن صالحا أو فاسدا؟ وهل يمكن أن توضحوا لنا معنى هذين الحديثين؟
يستشكل وصف زمن الدجال بخفة الدين، وبقوة المسلمين وفتوحاتهم
السؤال: 317156
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
من الثابت أن الدجال يخرج والمسلمون لهم قوة يصارعون بها أهل الكفر ويفتح الله على أيديهم.
مثل ما ورد في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَنْزِلَ الرُّومُ بِالْأَعْمَاقِ أَوْ بِدَابِقٍ، فَيَخْرُجُ إِلَيْهِمْ جَيْشٌ مِنَ الْمَدِينَةِ، مِنْ خِيَارِ أَهْلِ الْأَرْضِ يَوْمَئِذٍ، فَإِذَا تَصَافُّوا، قَالَتِ الرُّومُ: خَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الَّذِينَ سَبَوْا مِنَّا نُقَاتِلْهُمْ، فَيَقُولُ الْمُسْلِمُونَ: لَا، وَاللهِ! لَا نُخَلِّي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ إِخْوَانِنَا، فَيُقَاتِلُونَهُمْ، فَيَنْهَزِمُ ثُلُثٌ لَا يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ أَبَدًا، وَيُقْتَلُ ثُلُثُهُمْ، أَفْضَلُ الشُّهَدَاءِ عِنْدَ اللهِ، وَيَفْتَتِحُ الثُّلُثُ، لَا يُفْتَنُونَ أَبَدًا فَيَفْتَتِحُونَ قُسْطَنْطِينِيَّةَ، فَبَيْنَمَا هُمْ يَقْتَسِمُونَ الْغَنَائِمَ، قَدْ عَلَّقُوا سُيُوفَهُمْ بِالزَّيْتُونِ، إِذْ صَاحَ فِيهِمِ الشَّيْطَانُ: إِنَّ الْمَسِيحَ قَدْ خَلَفَكُمْ فِي أَهْلِيكُمْ، فَيَخْرُجُونَ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ، فَإِذَا جَاءُوا الشَّأْمَ خَرَجَ … رواه الإمام مسلم (2897).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ” سَمِعْتُمْ بِمَدِينَةٍ جَانِبٌ مِنْهَا فِي الْبَرِّ وَجَانِبٌ مِنْهَا فِي الْبَحْرِ؟
قَالُوا: نَعَمْ، يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَغْزُوَهَا سَبْعُونَ أَلْفًا مِنْ بَنِي إِسْحَاقَ، فَإِذَا جَاءُوهَا نَزَلُوا، فَلَمْ يُقَاتِلُوا بِسِلَاحٍ وَلَمْ يَرْمُوا بِسَهْمٍ، قَالُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ، فَيَسْقُطُ أَحَدُ جَانِبَيْهَا – قَالَ ثَوْرٌ: لَا أَعْلَمُهُ إِلَّا قَالَ – الَّذِي فِي الْبَحْرِ، ثُمَّ يَقُولُوا الثَّانِيَةَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ، فَيَسْقُطُ جَانِبُهَا الْآخَرُ، ثُمَّ يَقُولُوا الثَّالِثَةَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ، فَيُفَرَّجُ لَهُمْ، فَيَدْخُلُوهَا فَيَغْنَمُوا، فَبَيْنَمَا هُمْ يَقْتَسِمُونَ الْمَغَانِمَ، إِذْ جَاءَهُمُ الصَّرِيخُ، فَقَالَ: إِنَّ الدَّجَّالَ قَدْ خَرَجَ، فَيَتْرُكُونَ كُلَّ شَيْءٍ وَيَرْجِعُونَ رواه الإمام مسلم (2920).
وأمّا ما ورد في الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد في “مسنده” (23 / 210) من حديث أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَخْرُجُ الدَّجَّالُ فِي خَفْقَةٍ مِنَ الدِّينِ، وَإِدْبَارٍ مِنَ الْعِلْمِ .
خَفْقَةٍ مِنَ الدِّينِ أي : ضعف من الدين ، وقلة من أهله .
فهذا الحديث فيه ضعف من جهة إسناده لأنه من رواية أبي الزبير عن جابر ، ولم يصرح بسماعه منه .
ينظر “التقريب” لابن حجر (ص 506) ، و”سلسلة الأحاديث” الضعيفة للألباني (4/440) ، حاشية “المسند”، ط الرسالة (23 / 212).
لكن يشهد له حديث أَبِي الطُّفَيْلِ، قَالَ:” كُنْتُ بِالْكُوفَةِ، فَقِيلَ: خَرَجَ الدَّجَّالُ، قَالَ: فَأَتَيْنَا عَلَى حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ وَهُوَ يُحَدِّثُ، فَقُلْتُ: هَذَا الدَّجَّالُ قَدْ خَرَجَ، فَقَالَ: اجْلِسْ، فَجَلَسْتُ فَأَتَى عَلَيَّ الْعَرِّيفُ، فَقَالَ: هَذَا الدَّجَّالُ قَدْ خَرَجَ وَأَهْلُ الْكُوفَةِ يُطَاعِنُونَهُ، قَالَ: اجْلِسْ، فَجَلَس، فَنُودِيَ إِنَّهَا كَذِبَة صَبَاغ، قَالَ: فَقُلْنَا يَا أَبَا سَرِيحَةَ مَا أَجْلَسْتَنَا إِلَّا لِأَمْرٍ فَحَدِّثْنَا، قَالَ : إِنَّ الدَّجَّالَ لَوْ خَرَجَ فِي زَمَانِكُمْ لَرَمَتْهُ الصِّبْيَانُ بِالْخَذْفِ، وَلَكِنَّ الدَّجَّالَ يَخْرُجُ فِي بُغْضٍ مِنَ النَّاسِ، وَخِفَّةٍ مِنَ الدِّينِ، وَسُوءِ ذَاتِ بَيْنٍ… رواه الحاكم في “المستدرك” (4 / 529)، وقال: “هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ “، ووافقه الذهبي، ووافقهما الشيخ الألباني في “قصة المسيح الدجال” (ص 106).
وحديث أبي الزبير، عن جابر، السابق، قال عنه الحاكم في “المستدرك” (4 / 530) بعد أن رواه:
“هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ “، وقال الذهبي رحمه الله تعالى على شرط مسلم.
ثانيا:
وجود قوة للمسلمين وفتوحات زمن خروج الدجال لا يعارضه أن العلم في ذلك الوقت قليل، والدّين خفيف.
فإن الأحاديث النبوية تدل على أنه سيسبق زمنَ الدجال فتنٌ شديدة ، تعصف بالناس ، ويهلك بسببها كثير؛ وقد ورد بهذا المعنى نصوص عدة . ومن ذلك حديث عَوْف بْن مَالِكٍ ، قَالَ : ” أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَهُوَ فِي قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ ، فَقَالَ : اعْدُدْ سِتًّا بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ : مَوْتِي ، ثُمَّ فَتْحُ بَيْتِ المَقْدِس ِ، ثُمَّ مُوْتَانٌ يَأْخُذُ فِيكُمْ كَقُعَاصِ الغَنَمِ ، ثُمَّ اسْتِفَاضَةُ المَالِ حَتَّى يُعْطَى الرَّجُلُ مِائَةَ دِينَارٍ فَيَظَلُّ سَاخِطًا ، ثُمَّ فِتْنَةٌ لاَ يَبْقَى بَيْتٌ مِنَ العَرَبِ إِلَّا دَخَلَتْهُ ، ثُمَّ هُدْنَةٌ تَكُونُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ بَنِي الأَصْفَرِ ، فَيَغْدِرُونَ فَيَأْتُونَكُمْ تَحْتَ ثَمَانِينَ غَايَة ً، تَحْتَ كُلِّ غَايَةٍ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا رواه البخاري (3176).
وحديث عُمَيْرِ بْنِ هَانِئٍ الْعَنْسِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، يَقُولُ: ” كُنَّا قُعُودًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرَ الْفِتَنَ فَأَكْثَرَ فِي ذِكْرِهَا حَتَّى ذَكَرَ فِتْنَةَ الْأَحْلَاسِ، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا فِتْنَةُ الْأَحْلَاسِ؟ قَالَ: هِيَ هَرَبٌ وَحَرْبٌ، ثُمَّ فِتْنَةُ السَّرَّاءِ، دَخَنُهَا مِنْ تَحْتِ قَدَمَيْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يَزْعُمُ أَنَّهُ مِنِّي، وَلَيْسَ مِنِّي، وَإِنَّمَا أَوْلِيَائِي الْمُتَّقُونَ، ثُمَّ يَصْطَلِحُ النَّاسُ عَلَى رَجُلٍ كَوَرِكٍ عَلَى ضِلَعٍ، ثُمَّ فِتْنَةُ الدُّهَيْمَاءِ، لَا تَدَعُ أَحَدًا مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا لَطَمَتْهُ لَطْمَةً، فَإِذَا قِيلَ: انْقَضَتْ، تَمَادَتْ يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيهَا مُؤْمِنًا، وَيُمْسِي كَافِرًا، حَتَّى يَصِيرَ النَّاسُ إِلَى فُسْطَاطَيْنِ، فُسْطَاطِ إِيمَانٍ لَا نِفَاقَ فِيهِ، وَفُسْطَاطِ نِفَاقٍ لَا إِيمَانَ فِيهِ، فَإِذَا كَانَ ذَاكُمْ فَانْتَظِرُوا الدَّجَّالَ، مِنْ يَوْمِهِ، أَوْ مِنْ غَدِهِ رواه أبو داود (4242)، وصححه الشيخ الألباني في “السلسلة الصحيحة” (2 / 666).
وهذا يوضح أن الناس يومئذ يكونون خارجين من فتن عظيمة متتالية؛ فلا يستبعد أن يكون الحال بين عوام الناس يغلب عليه ضعف الدين وقلة العلم؛ ولهذا يكون يومئذ نفاق كما أشار الحديث السابق، وكما في حديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: أَشْرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى فَلَقٍ مِنْ أَفْلَاقِ الْحَرَّةِ، وَنَحْنُ مَعَهُ، فَقَالَ: نِعْمَتِ الْأَرْضُ الْمَدِينَةُ، إِذَا خَرَجَ الدَّجَّالُ عَلَى كُلِّ نَقْبٍ مِنْ أَنْقَابِهَا مَلَكٌ، لَا يَدْخُلُهَا، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، رَجَفَتْ الْمَدِينَةُ بِأَهْلِهَا ثَلَاثَ رَجَفَاتٍ، لَا يَبْقَى مُنَافِقٌ، وَلَا مُنَافِقَةٌ إِلَّا خَرَجَ إِلَيْهِ، وَأَكْثَرُ – يَعْنِي – مَنْ يَخْرُجُ إِلَيْهِ النِّسَاءُ، وَذَلِكَ يَوْمُ التَّخْلِيصِ، وَذَلِكَ يَوْمَ تَنْفِي الْمَدِينَةُ الْخَبَثَ رواه أحمد في “المسند” (22 / 9)، وصححه محققو المسند بطرقه وشواهده.
وأمّا الفتوحات الحاصلة في ذلك الزمن؛ فهي لا تشير إلا إلى وجود طائفة وعصابة تنصر الدين مع إمام صالح؛ كما عند الإمام مسلم في “الصحيح” (156) من حديث جابر قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، قَالَ: فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَقُولُ أَمِيرُهُمْ: تَعَالَ صَلِّ لَنَا، فَيَقُولُ: لَا، إِنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أُمَرَاءُ تَكْرِمَةَ اللهِ هَذِهِ الْأُمَّةَ .
وعند مسلم أيضا (2945) عن أُمّ شَرِيكٍ، أَنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: لَيَفِرَّنَّ النَّاسُ مِنَ الدَّجَّالِ فِي الْجِبَالِ، قَالَتْ أُمُّ شَرِيكٍ: يَا رَسُولَ اللهِ فَأَيْنَ الْعَرَبُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: هُمْ قَلِيلٌ ، وجاء في رواية عند ابن ماجه (4077): ” فَقَالَتْ أُمُّ شَرِيكٍ بِنْتُ أَبِي الْعَكَرِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَيْنَ الْعَرَبُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: هُمْ يَوْمَئِذٍ قَلِيلٌ، وَجُلُّهُمْ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَإِمَامُهُمْ رَجُلٌ صَالِحٌ ” .
قال الشيخ محمد بن علي بن آدم الإتيوبي:
” ( لَيَفِرَّنَّ )؛ أي: والله ليهربنّ (النَّاسُ)؛ أي: المؤمنون، (مِنَ الدَّجَّالِ فِي الْجِبَالِ) فرارًا من فتنته، (قَالَتْ أُمُّ شَرِيكٍ) رضي الله عنها: (يَا رَسُولَ اللهِ، فَأَيْنَ الْعَرَبُ يَوْمَئِذٍ؟ ) قال الطيبيّ -رحمه الله-: الفاء في جواب شرط محذوف؛ إذا كان هذا حال الناس، فأين المجاهدون في سبيل الله تعالى، الذابّون عن حريم الإسلام، المانعون عن أهله صولة أعداء الله، فكنى عنها بها؟ (قَالَ) النبيّ صلى الله عليه وسلم: (هُمْ)؛ أي: العرب يومئذٍ (قَلِيلٌ)؛ أي: فلا يقدرون عليه، والله تعالى أعلم ” انتهى من “البحر المحيط” (44 / 667).
فالحاصل؛ أن قلة الدين وضعف العلم متعلق بعموم الناس؛ وأما الفتوحات فلغلبة الطائفة التي مع الإمام الصالح يومئذ.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب