رأيت أنا وأحد الإخوة الأفاضل محلا فارغا، فأعجبنا موقعه التجاري، فعرضنا على بعضنا المشاركة فيه بمحل مفروشات، على أن أقدم له رأس المال وخبرتي بأنواع البضائع ومصادرها، ويقدم فيه مجهوده وخبرته ببيع الزبائن، وجهزنا المحل بقيمه ٤٠٠٠ دينار تقريبا من رأس المال، خصمناها فيما بعد من المصاريف، وكتبنا بيننا اتفاقا سريعا، ولم نسأل أحدا من أهل العلم عن شرعيته على قاعدة أن الأصل في العقود الصحة، وبعد مرور عامين ونيف اكتشفت أن هذا الاتفاق (العقد ) ينطوي على مخالفات شرعية، وهي : ١-أني اشترطت على الأخ المضارب (العامل) أن نصف الخسارة عليه. ٢-أن الأخ المضارب (العامل) اشترط علي أنه كلما تجدد عقد الإيجار تجدد عقده، مع العلم أن مدة عقد الإيجار٣ سنوات. ٣-أني وشريكي كنا نأخذ الأرباح شهريا غير منتبهين أن عقد المضاربة صفقة واحدة تحتسب عند نهاية المدة أو البضاعة. فقررت وشريكي فض الشراكة؛ لأن الاتفاق القديم غير شرعي، وإنشاء عقد شرعي جديد بالاتفاق، فاختلفنا على ملكية المحل، فذكرت للأخ العامل أني اشترطت عليه أن ملكية المحل لي كما هو مكتوب بالعقد أدناه، وأن ما كان بيننا هو مضاربة، واحتج علي بأنه اشترط علي أنه يبقى في المحل كلما تجدد إيجار المحل، وأن جهوده كانت سببا في نماء قيمة المحل (وهي كذلك)، وأن العقد كله باطل بكل ما فيه من الشروط، فأفيدونا في الآتي: هل المخالفات الواردة هي مخالفة شرعا لعقد المضاربة، وتفسد العقد الذي بيننا؟ ٢-هل للأخ المضارب ( العامل) أن يطالب بشئ من ملكية المحل؟ ٣-هل يجوز تعجيل شيء من الربح قبل انقضاء مدة المضاربة؟
متى يقسم الربح في المضاربة وحكم اشتراط المشاركة في الخسارة على عامل المضاربة
السؤال: 319978
Table Of Contents
أولا: لا يجوز في عقد المضاربة اشتراط الخسارة على العامل
لا يجوز في عقد المضاربة اشتراط الخسارة على العامل، وإنما في حال الخسارة، يخسر العامل عمله، ويخسر صاحب المال ماله، ما لم يحصل من العامل تقصير أو تفريط، واشتراط الخسارة على عامل المضاربة شرط باطل، وفي فساد العقد به خلاف.
قال ابن عبد البر رحمه الله:"ولا خلاف بين العلماء أن المقارض [أي : عامل المضاربة] مؤتمن، لا ضمان عليه فيما يتلفه من المال، من غير جناية منه [فيه] ولا استهلاك له ولا تضييع؛ هذه سبيل الأمانة وسبيل الأمناء" انتهى من "الاستذكار" (21/ 124).
وقال ابن القطان رحمه الله:"وأجمعوا أن لا خسران على العامل.
إن تلف المال: من مال الدافع " انتهى من "الإقناع في مسائل الإجماع" (2/ 200).
وقال ابن قدامة رحمه الله: " متى شرط على المضارب ( العامل ) ضمان المال، أو سهماً من الوضيعة ( يعني : جزءً من الخسارة )، فالشرط باطل، لا نعلم فيه خلافا، والعقد صحيح . نص عليه أحمد . وهو قول أبي حنيفة، ومالك .
وروي عن أحمد أن العقد يفسد به . وحكي ذلك عن الشافعي؛ لأنه شرط فاسد، فأفسد المضاربة .
والمذهب : الأول " انتهى من "المغني" (5/40).
ثانيا: إذا فسدت المضاربة فالربح يكون من نصيب صاحب المال وللعامل أجرة المثل
إذا فسدت المضاربة، فالربح كله لصاحب المال ، وللعامل أجرة المثل.
قال في "الإنصاف" (5/ 429): " وإن فسدت فالربح لرب المال، وللعامل الأجرة؛ خسر أو كسب" انتهى.
وقال في "شرح منتهى الإرادات" (2/ 218): "(وإن فسدت) المضاربة (فلعاملٍ أجرةُ مثله) ؛ نصًّا [أي: نص عليه الإمام أحمد] (ولو خسر) المال ، والتسميةُ فاسدة [أي الاتفاق على نسبة الربح]؛ لأنها من توابع المضاربة؛ وحيث فاته المسمى، وجب رد عمله؛ لأنه لم يعمل إلا ليأخذ عوضه، وذلك متعذر، فتجب قيمته، وهي أجرة مثله" انتهى.
وقيل: العامل له ربح المثل، أي كالنسبة التي يأخذها العامل في المضاربات الصحيحة. وهو أحد قولي مالك، واختاره ابن تيمية، وهو أعدل في القسمة بينهما .
وينظر جواب السؤال رقم : (325367).
ثالثا: إذا استأجر صاحب المال المحل فهل يشاركه العامل في منفعته ؟
وأما المحل ، فإذا كان رب المال هو من استأجره لنفسه، ويدفع أجرته من ماله، فهو مالك منفعته، وليس العامل، ولو كانت جهوده سببا في نماء قيمة المحل، أو كان اشترط تجدد عقده كلما تجدد إيجار المحل، ومعلوم أن الموظف الأجير يثمر في نماء قيمة المحل، ولا يستحق شيئا منه بذلك؛ فحقيقة عمل المضارب، أن يبذل جهده وخبرته في نماء مال المضاربة؛ وإلا ، فبم يستحق حصة من الربح؟!
وإذا كان استأجره بعد الاتفاق على المضاربة، وأجرته تضاف إلى المصاريف، بحيث تخرج من ربح المضاربة، ولا تُدفع من رأس المال؛ فهما مشتركان في استئجاره إلى نهاية عقد الإجارة، ثم من آجر له المالك بعد ذلك فهو المستأجر.
رابعا: ما يتعلق بقسمة ما ظهر من الربح تحت الحساب
الربح في المضاربة يقسم بعد التصفية وتنضيد المال، حقيقة أو حكما، أي تحويل جميع البضاعة إلى نقود، أو تقويم ما بقي منها، ومعرفة الربح، وهو ما زاد على رأس المال، بعد خصم المصروفات.
قال في "بدائع الصنائع" (6/ 107): " ما يستحقه المضارب بعمله في المضاربة الصحيحة ، وهو الربح المسمى ، إن كان في المضاربة ربح، وإنما يظهر الربح بالقسمة .
وشرط جواز القسمة : قبض رأس المال، فلا تصح قسمة الربح قبل قبض رأس المال؛ حتى لو دفع إلى رجل ألف درهم ، مضاربة بالنصف، فربح ألفا ، فاقتسما الربح، ورأس المال في يد المضارب ، لم يقبضه رب المال ، فهلكت الألف التي في يد المضارب بعد قسمتهما الربح، فإن القسمة الأولى لم تصح، وما قبض رب المال فهو محسوب عليه من رأس ماله، وما قبضه المضارب دين عليه يرده إلى رب المال، حتى يستوفي رب المال رأس ماله، ولا تصح قسمة الربح حتى يستوفي رب المال رأس المال" انتهى.
وقال في "الإنصاف" (5/ 443): " (وليس للمضارب ربح حتى يستوفي رأس المال) ؛ بلا نزاع" انتهى.
ويجوز تقسيم ما ظهر من ربح، تحت الحساب، وهذا بناء على أن العامل يملك حصته من الربح بمجرد ظهوره، لكنه ملك غير مستقر، وهو مذهب الحنابلة.
جاء في "المعايير الشرعية"، ص185: " ** لا ربح في المضاربة إلا بعد سلامة رأس المال، ومتى حصلت خسارة في عمليات المضاربة ، جبرت من أرباح العمليات الأخرى، فالخسارة السابقة يجبرها الربح اللاحق. والعبرة بجملة نتائج الأعمال عند التصفية؛ فإذا كانت الخسارة عند تصفية العمليات أكثر من الربح ، يحسم رصيد الخسارة من رأس المال، ولا يتحمل المضارب منه شيئًا ، باعتباره أمينا ؛ ما لم يثبت التعدي أو التقصير. وإذا كانت المصروفات على قدر الإيرادات، يتسلم رب المال رأس ماله ، وليس للمضارب شيء. ومتى تحقق ربح فإنه يوزع بين الطرفين وفق الاتفاق بينهما.
** يستحق المضارب نصيبه من الربح بمجرد ظهوره ( تحققه ) في عمليات المضاربة، ولكنه ملك غير مستقر؛ إذ يكون محبوسا وقاية لرأس المال، فلا يتأكد إلا بالقسمة عند التنضيض الحقيقي أو الحكمي. ويجوز تقسيم ما ظهر من ربح بين الطرفين تحت الحساب، ويراجع ما دفع مقدما تحت الحساب ، عند التنضيض الحقيقي أو الحكمي.
** يوزع الربح بشكل نهائي ، بناء على أساس الثمن الذي تم بيع الموجودات به، وهو ما يعرف بالتنضيض الحقيقي، ويجوز أن يوزع الربح على أساس التنضيض الحكمي ، وهو التقويم للموجودات بالقيمة العادلة. وتقاس الذمم المدينة بالقيمة النقدية المتوقع تحصيلها، أي بعد حسم نسبة الديون المشكوك في تحصيلها. ولا يوجد في قياس الذمم المدينة القيمة الزمنية للدين ( سعر الفائدة )، ولا مبدأ الحسم على أساس القيمة الحالية ( أي ما يقابل تخفيض مبلغ الدين لتعجيل سداده )" انتهى.
خامسا: عقد المضاربة عقد غير لازم إلا في حالات
عقد المضاربة عقد غير لازم ، فيجوز لأحد الطرفين فسخه، ما لم يشرع العامل في العمل، أو تكون المضاربة مؤقتة بمدة، فيُنتظر إلى انتهائها.
جاء في "المعايير الشرعية"، ض184: " الأصل أن عقد المضاربة غير لازم، ويحق لأي من الطرفين فسخه ، إلا في حالتين لا يثبت فيهما حق الفسخ:
أ ) إذا شرع المضارب في العمل، فتصبح المضاربة لازمة ، إلى حين التنضيض الحقيقي أو الحكمي.
ب ) إذا اتفق الطرفان على تأقيت المضاربة، فلا يحق إنهاؤها قبل ذلك الوقت إلا باتفاق الطرفين" انتهى.
وهذا إنما هو على قول من رخص في تقييد عقد المضاربة بزمن؛ وإلا، فجمهور الفقهاء جمهور الفقهاء يمنعون من ذلك، ومن رخص فيه : لا يقول إنه شرط ملزم للطرفين ، بل يقول : للشريك أن يفسخ قبل نهاية المدة .
وقد سبق بيان اختلاف الفقهاء في ذلك ، في جواب السؤال رقم : (296023)، ورقم : (284292).
فتبين بذلك: أنه لا وجه لما يحتج به المضارب من لزوم تجديد العقد، مع العامل كلما جدد إجارة المحل.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة