تنزيل
0 / 0
1,55611/04/2023

ما حكم قول الناس: “ربنا بالكل”؟

السؤال: 320246

ينتشر على ألسنة العوام هذا اللفظ، عندما يقال له: إن لا أحد معك، أو ليس هناك من يساعدك أو يحبك فيجيب، ويقول: إن “ربنا بالكل”؟

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا:

من القواعد المتفق عليها بين العلماء : “أن الأمور بمقاصدها” ، وقد دل على هذه القاعدة أدلة كثيرة ، كقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى ) رواه البخاري (1)، ومسلم (3530).

وينظر: “الأشباه والنظائر” للسيوطي (1/65).

ومن فروع تلك القاعدة : أن العبرة فيما يتلفظ به الناس من عبارات : ما يقصدونه من معانٍ

ينظر: “المفصل في القواعد الفقهية” للدكتور يعقوب الباحسين (ص 184- 195).

قال ابن القيم رحمه الله :

“والتعويل في الحكم : على قصد المتكلم . والألفاظ لم تقصد لنفسها ، وإنما هي مقصودة للمعاني، والتوصل بها إلى معرفة مراد المتكلم” انتهى من “أعلام الموقعين” (1/217).

وبناء على هذه القاعدة فلا يشترط في كلام الناس (لا سيما العامة منهم) أن يكون موافقا لقواعد اللغة العربية ، ولا أن يفسر بما يقتضيه فصيح كلام العرب؛ إذا لم يكونوا هم أهل فصاحة وأصحاب لسان؛ وإنما يفهم في ضوء عرفهم الخاص، ولغتهم الدارجة التي بها يتفاهمون ويتعارفون .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

“وَمَنْ قَالَ مِنْ الْفُقَهَاءِ: إنَّ شُرُوطَ الْوَاقِفِ نُصُوصٌ كَأَلْفَاظِ الشَّارِعِ ؛ فَمُرَادُهُ أَنَّهَا كَالنُّصُوصِ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى مُرَادِ الْوَاقِفِ؛ لَا فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ بِهَا: أَيْ أَنَّ مُرَادَ الْوَاقِفِ يُسْتَفَادُ مِنْ أَلْفَاظِهِ الْمَشْرُوطَة؛ كَمَا يُسْتَفَادُ مُرَادُ الشَّارِعِ مِنْ أَلْفَاظِهِ؛ فَكَمَا يُعْرَفُ الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ وَالْإِطْلَاقُ وَالتَّقْيِيدُ وَالتَّشْرِيكُ وَالتَّرْتِيبُ فِي الشَّرْعِ مِنْ أَلْفَاظِ الشَّارِعِ؛ فَكَذَلِكَ تُعْرَفُ فِي الْوَقْف مِنْ أَلْفَاظِ الْوَاقِفِ.

مَعَ أَنَّ التَّحْقِيقَ فِي هَذَا : أَنَّ لَفْظَ الْوَاقِفِ وَلَفْظَ الْحَالِفِ وَالشَّافِعِ وَالْمُوصِي وَكُلِّ عَاقِدٍ : يُحْمَلُ عَلَى عَادَتِهِ فِي خِطَابِهِ ، وَلُغَتِهِ الَّتِي يَتَكَلَّمُ بِهَا؛ سَوَاءٌ وَافَقَتْ الْعَرَبِيَّةَ الْعَرْبَاءَ؛ أَوْ الْعَرَبِيَّةَ الْمُوَلَّدَةَ؛ أَوْ الْعَرَبِيَّةَ الْمَلْحُونَةَ؛ أَوْ كَانَتْ غَيْرَ عَرَبِيَّةٍ ، وَسَوَاءٌ وَافَقَتْ لُغَةَ الشَّارِعِ؛ أَوْ لَمْ تُوَافِقْهَا؛ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْأَلْفَاظِ دَلَالَتُهَا عَلَى مُرَادِ النَّاطِقِينَ بِهَا” انتهى من “مجموع الفتاوى” (31/47).

ونقل عنه المرداوي رحمه الله أنه قال :

“الأحْكامُ تتعَلَّقُ بما أرادَه النَّاسُ بالأَلْفاظِ الملْحُونَةِ، كقوْلِه: حَلَفْتُ باللهُ. رَفْعًا أو نصْبًا، واللهِ بأصوم وبأصلي ونحوه. وكقَوْلِ الكافر: أشْهَدُ أنَّ محمدٌ رسُولُ اللهِ. برَفْعِ الأوَّلِ ونَصْبِ الثَّاني، وأَوْصَيت لزَيدًا بمِائَةٍ. وأعْتَقْتُ سالِمٌ. ونحو ذلك.

قال المرداوي : وهو الصَّوابُ” انتهى من “الإنصاف” (27/461).

والناس يقصدون من هذا الكلام – ” ربنا بالكل” – : أن ربنا أحسن من الكل ، وأعظم من الكل ، ويغنينا عن الكل.

وهذا معنى حسن جميل، وفيه توكل على الله ، وتفويض للأمر إليه.

ثانيا :

على أن هذه العبارة يمكن تصحيح معناها من حيث اللغة .

قال ابن هشام رحمه الله وهو يذكر معاني حرف الجر الباء : “والتاسع : البدل ، كقول بعضهم : (ما يسرني أني شهدت بدرا بالعقبة) أي : بدلها” انتهى من “أوضح المسالك” (3/35).

وقال ابن عقيل رحمه الله : “ومن استعمال الباء بمعنى ” بدل ” ما ورد في الحديث : (ما يسرني بها حمر النعم) أي: بدلها.

وقول الشاعر:

فليت لي بهم قوما إذا ركبوا * شنوا الإغارة فرسانا وركبانا

” انتهى من “شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك” (2/21).

ومعنى “البدل” : اختيار أحدِ الشيئينِ على الآخرِ، بلا عِوَضٍ ولا مقابلةٍ. وهذا موافق لمعنى هذه الكلمة هنا ، فيكون المعنى : إن ربنا بدل الكل ، واعتمدت عليه بدل الاعتماد على أي أحد.

والله أعلم.

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android
at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android