أردت أن أسأل عن حكم شرعي، فقد قال لي أحد المعلمين: لا يجوز بيع العلم؛ أي لا يجوز أن يقول أحد لدي علم، ولن أظهره إلا بالمبلغ الفلاني، فاستخلص منها أن بيع الكتب العلمية محرم، أو المفترض أنها لا تباع؛ لأن العلم لا يحجب، ويجب إظهاره؛ لينتفع الناس، ويتعلم الكل، فلا أدري هل ما قاله هذا المعلم خاطئ أم صحيح ، وأردت التأكد من هذا؛ لأني قد وثقت فيه، ولم أتأكد فوراً، وذهبت أقول لمن أعرف عن هذا الحكم الذي أفتاه لي المعلم، ولكن خفت أن يكون حكمه غير صحيح، فأكون وقعت في خطأ وذنب عظيم، فهل بيع العلم أو الكتب العلمية محرمة ؟
حكم بيع الكتب العلمية وأخذ أجرة على تعليم العلم والقضاء والفتيا
السؤال: 321664
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
من سئل عن أمر من الدين يعلمه، لم يجز له كتمانه ؛ لما روى أبو داود (3658)، والترمذي (2649)، وابن ماجه (264) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ ، فَكَتَمَهُ : أَلْجَمَهُ اللَّهُ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ .
قال في “عون المعبود” (10/ 66): ” (من سئل عن علم) وهو علم يحتاج إليه السائل في أمر دينه ، (فكتمه) ، بعدم الجواب ، أو بمنع الكتاب ؛ (ألجمه الله) – أي : أدخل الله في فمه لجاما – (بلجام من نار) مكافأة له ، حيث ألجم نفسه بالسكوت” انتهى.
وقال القرطبي رحمه الله في تفسير قوله تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ ) البقرة/159: “قيل: المراد كل من كتم الحق، فهي عامة في كل من كتم علما ، من دين الله ، يُحتاج إلى بثه، وذلك مفسر في قوله صلى الله عليه وسلم: (من سئل عن علم يعلمه، فكتمه ؛ ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار). رواه أبو هريرة وعمرو بن العاص، أخرجه ابن ماجه …
وتحقيق الآية هو: أن العالم إذا قصد كتمان العلم عصى، وإذا لم يقصده ، لم يلزمه التبليغ إذا عرف أنه مع غيره.
وأما من سئل : فقد وجب عليه التبليغ ؛ لهذه الآية ، وللحديث” انتهى من “تفسير القرطبي” (2/ 184).
ثانيا:
يجوز أخذ الأجرة على تعليم العلم الشرعي، في قول جمهور الفقهاء، كما سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم : (134154).
ثالثا:
يجوز أخذ مقابل على الفتيا والقضاء، من المستفتين والمتخاصمين، إذا لم يكن للمفتي أو القاضي دخل يكفيهما ، أو رزق من بيت المال.
قال في “شرح المنتهى” (3/ 489): ” (فإن لم يُجعل له) أي: القاضي (شيء) من بيت المال، (وليس له ما يكفيه) ويكفي عياله ، (وقال للخصمين: لا أقضي بينكما إلا بجُعل : جاز) له أخذ الجعل ، لا الأجرة. قال عمر: لا ينبغي لقاضي المسلمين أن يأخذ على القضاء أجرا . ولأنه قربة يختص به فاعله أن يكون من أهل القربة ، أشبه الصلاة.
وعُلم منه : أنه إن كان له ما يكفيه ، ليس له أخذ الجعل أيضا .
(لا من تعين أن يفتي ، وله كفاية) : فليس له أخذ الجعل على الإفتاء .
فإن لم يتعين ، بأن كان بالبلد عالم يقوم مقامه ، أو لم يكن له كفاية : جاز .
(ومن أخذ من بيت المال) من المفتين : (لم يأخذ) من مستفت (أجرة لفتياه ، ولا لخطه) ؛ اكتفاء بما يأخذه من بيت المال” انتهى.
والمقصود بهذا أن تعلم أن مسألة “بيع العلم” فيها إجمال، وأنه يجوز أن يأخذ الإنسان مقابلا على مجهوده ، وتعبه ، وشغل وقته، لا على نفس العلم.
رابعا:
يجوز بيع الكتب الشرعية، ككتب التفسير والحديث والفقه، بلا كراهة، عند جماعة من أهل العلم؛ لأن المبيع هو الورق والحبر والجلدة، وليس العلم.
قال ابن حزم رحمه الله: “وبيع المصاحف جائز , وكذلك جميع كتب العلوم – عربيها وعجميها – لأن الذي يباع : إنما هو الرق ، أو الكاغد ، أو القرطاس والمداد , والأديم – إن كانت مجلدة – وحلية إن كانت عليها ، فقط .
وأما العلم فلا يباع ; لأنه ليس جسما.
وهو قول أبي حنيفة ، ومالك ، والشافعي ، وأبي سليمان” انتهى من “المحلى” (7/ 444).
وقال النووي رحمه الله: “قال أصحابنا: يجوز بيع كتب الحديث والفقه واللغة والأدب والشعر المباح المنتفع به ، وكتب الطب والحساب ، وغيرها مما فيه منفعة مباحة” انتهى من “المجموع” (9/ 253).
وكره ذلك بعضهم.
جاء في “الموسوعة الفقهية” (34/ 186): “بيع الكتب: نص الشافعية على جواز بيع كتب الأدب. ونص الحنابلة غير أبي طالب على جواز بيع كتب العلم.
وكره مالك بيع كتب الفقه. قال ابن يونس من المالكية: قد أجاز غير الإمام مالك بيع كتب الفقه, قال ابن عبد الحكم: بيعت كتب ابن وهب بثلثمائة دينار، وأصحابنا متوافرون ؛ فلم ينكروه, وكان أبي وصيَّهُ” انتهى.
وجاء في “فتاوى اللجنة الدائمة” (13/ 22): “هل يجوز بيع الكتب والأشرطة الإسلامية في قاعة التعليم؟ مع العلم أن كل القاعات بما فيها قاعة الصلاة لها مدخل واحد، مع الإشارة إلى أنه لا يوجد في المدينة مكتبة إسلامية تبيع مثل هذه الأشياء، والناس وخاصة الشباب في أشد الحاجة إلى هذه الأمور ليتعلموا دينهم.
ج: يجوز البيع والشراء في قاعة التعليم؛ لأنها ليست مسجدا ولا في حكم المسجد.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
عبد الله بن غديان … عبد الرزاق عفيفي … عبد العزيز بن عبد الله بن باز” انتهى.
والحاصل:
أنه لا حرج في بيع كتب العلم، وليس هذا بيعا للعلم، بل هو ثمن الورق والحبر والجهد والوقت الذي بذله الكاتب، والطابع وما يتصل بذلك، وعلى ذلك عمل الناس كافة، دون نكير . ولو منع بيع الكتب ونحوها، لتعطل بذلك أهم وسائل نشر العلم.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة