هل صحيح أن هناك خصوصية لأمهات المؤمنين في الأمور التالية : من حيث الحجاب، فلا يجوز كشف وجوههن لأي سبب، لا بيع، ولا شراء، ولا قضاء بعكس غيرهن، ومن حيث المعاش فلا يخرجن للعمل، وإنما معاشهن من سهم الجهاد، وكانت السيدة زينب بنت جحش تعمل لتتصدق، وغيرهن يرخص لهن العمل والكسب، وأمهات المؤمنين يحرم عليهن الخروج مطلقا من بيوتهن إلا لضرورة كحج، وغيرهن يرخص لهن، بل قد يندب خروجهن للمعاش والدعوة كما في قصة الأرملة وخروجها لشأن نخلها، وأن قوله تعالى (ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ..) لا ينفي طهارة قلوبهن، وغيرهن بالضرورة بدون حجاب، وإنما هي مرحلة من الطهارة أعلى تختص بها أمهات المؤمنين، لقوله تعالى: ( يَانِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ) فغيرهن لسن مثلهن ولو اتقين، وبالتالي فإن محاولة التشبه بهن فيما خصهن الله به لمقامهم ببيت النبوة هو كمن استنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم في وصال الصيام، ولم يحب النبي منهم ذلك لما فيه من الحرج الذي لم يوجبه الله عليه؟ فضلا عن قول البعض إن حديث (المرأة عورة) موقوفا، فضلا عن أن النقاب كان معروفا عند العرب، ولم يحثنا النبي صلى الله عليه وسلم عليه ولم ينهانا عن تركه، بل كان موقفه منه هو المنع في الحج وكأنما أراد أن يحجمه تدريجيا، وليغفر الله لي إن كنت شططت في تفكيري هذا عن مراد النبي صلى الله عليه وسلم .
الرد على من قال إن آية الحجاب خاصة بأمهات المؤمنين
السؤال: 322016
ملخص الجواب
آية الحجاب ليست خاصة بأمهات المؤمنين، بل مشتملة على علة تفيد تعميم الحكم في نساء المؤمنين، إضافة إلى صريح الأمر بذلك في آخر السورة. ولأمهات المؤمنين خصائص دل عليها النص، كمضاعفة الحسنات لهن، وتحريم الزواج منهن.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
ليس لأمهات المؤمنين خصوصية في باب الحجاب كما ذكرت.
وقول الله تعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا الأحزاب/53 .
ليس فيه خصوصية لهن في مسألة الحجاب، لكن لم يكنَّ مأمورات بالحجاب قبل ذلك، ثم أُمرن به بهذه الآية، والخطاب لهن لفظا، ولغيرهن من المسلمات معنى.
ثم جاء الخطاب في آخر السورة آمرا جميع النساء بالحجاب، فقال تعالى: يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا الأحزاب/59.
قال القرطبي رحمه الله في تفسيره (14/ 227): “التاسعة: في هذه الآية دليل على أن الله تعالى أذن في مسألتهن من وراء حجاب، في حاجة تعرض، أو مسألة يُستفتين فيها، ويدخل في ذلك جميع النساء بالمعنى، وبما تضمنته أصول الشريعة، من أن المرأة كلها عورة، بدنها وصوتها، كما تقدم، فلا يجوز كشف ذلك إلا لحاجة كالشهادة عليها، أو داء يكون ببدنها، أو سؤالها عما يعرض وتعين عندها” انتهى.
وما ذكره بشأن صوت المرأة، محل خلاف، والراجح أنه ليس عورة.
وقال الجصاص في تفسيره (3/ 483): “قوله تعالى: وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب : قد تضمن حظر رؤية أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، وبين به أن ذلك أطهر لقلوبهم ، وقلوبهن؛ لأن نظر بعضهم إلى بعض ، ربما حدث عنه الميل والشهوة، فقطع الله بالحجاب الذي أوجبه هذا السبب.
قوله تعالى: وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله يعني بما بين في هذه الآية من إيجاب الاستئذان، وترك الإطالة للحديث عنده ، والحجاب بينهم وبين نسائه.
وهذا الحكم وإن نزل خاصا في النبي صلى الله عليه وسلم وأزواجه ؛ فالمعنى عام فيه وفي غيره، إذ كنا مأمورين باتباعه ، والاقتداء به ، إلا ما خصه الله به دون أمته” انتهى.
وقال الأمين الشنقيطي رحمه الله في تفسيره “أضواء البيان” (6/ 242) مبينا خطأ من يقول: إن آية الحجاب خاصة بأمهات المؤمنين:
“قوله تعالى: (وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن)
قد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك أن من أنواع البيان التي تضمنها أن يقول بعض العلماء في الآية قولا، وتكون في نفس الآية قرينة تدل على عدم صحة ذلك القول، وذكرنا له أمثلة في الترجمة، وأمثلة كثيرة في الكتاب لم تذكر في الترجمة.
ومن أمثلته التي ذكرنا في الترجمة : هذه الآية الكريمة، فقد قلنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك، ومن أمثلته قول كثير من الناس: إن آية الحجاب أعني قوله تعالى: (وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب) خاصة بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن تعليله تعالى لهذا الحكم – الذي هو إيجاب الحجاب ، بكونه أطهر لقلوب الرجال والنساء من الريبة، في قوله تعالى: (ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن) – : قرينة واضحة على إرادة تعميم الحكم؛ إذ لم يقل أحد من جميع المسلمين : إن غير أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لا حاجة إلى أطهرية قلوبهن وقلوب الرجال من الريبة منهن.
وقد تقرر في الأصول أن العلة قد تعمم معلولها، وإليه أشار في مراقي السعود بقوله:
وقد تخصص وقد تعممُ … لأصلها لكنها لا تخرم
انتهى محل الغرض من كلامنا في الترجمة المذكورة.
وبما ذكرنا تعلم أن في هذه الآية الكريمة الدليلَ الواضح على أن وجوب الحجاب حكم عام في جميع النساء، لا خاص بأزواجه صلى الله عليه وسلم، وإن كان أصل اللفظ خاصا بهن; لأن عموم علته ، دليل على عموم الحكم فيه، ومسلك العلة الذي دل على أن قوله تعالى: (ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن)، هو علة قوله تعالى: (فاسألوهن من وراء حجاب)، هو المسلك المعروف في الأصول بمسلك الإيماء والتنبيه، وضابط هذا المسلك المنطبق على جزئياته، هو أن يقترن وصف بحكم شرعي ، على وجه لو لم يكن فيه ذلك الوصف علة لذلك الحكم ، لكان الكلام معيبا عند العارفين…
فقوله تعالى: (ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن)، لو لم يكن علة لقوله تعالى: (فاسألوهن من وراء حجاب)، لكان الكلام معيبا غير منتظم عند الفطن العارف.
وإذا علمت أن قوله تعالى: (ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن)، هو علة قوله: (فاسألوهن من وراء حجاب)، وعلمت أن حكم العلة عام، فاعلم أن العلة قد تعمم معلولها، وقد تخصصه كما ذكرنا في بيت مراقي السعود ، وبه تعلم أن حكم آية الحجاب عام لعموم علته.
وإذا كان حكم هذه الآية عاما بدلالة القرينة القرآنية، فاعلم أن الحجاب واجب بدلالة القرآن على جميع النساء.
واعلم أنا في هذا المبحث نريد أن نذكر الأدلة القرآنية على وجوب الحجاب على العموم، ثم الأدلة من السنة، ثم نناقش أدلة الطرفين، ونذكر الجواب عن أدلة من قالوا بعدم وجوب الحجاب، على غير أزواجه صلى الله عليه وسلم، وقد ذكرنا آنفا أن قوله: (ذلكم أطهر لقلوبكم)، قرينة على عموم حكم آية الحجاب.
ومن الأدلة القرآنية على احتجاب المرأة وسترها جميع بدنها ، حتى وجهها ، قوله تعالى: ( يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ) [33 59] ، فقد قال غير واحد من أهل العلم: إن معنى: (يدنين عليهن من جلابيبهن): أنهن يسترن بها جميع وجوههن، ولا يظهر منهن شيء إلا عين واحدة تبصر بها، وممن قال به: ابن مسعود، وابن عباس، وعبيدة السلماني وغيرهم…” انتهى.
وقال رحمه الله: “وإذا علمت بما ذكرنا أن حكم آية الحجاب عام، وأن ما ذكرنا معها من الآيات فيه الدلالة على احتجاب جميع بدن المرأة عن الرجال الأجانب؛ علمت أن القرآن دل على الحجاب.
ولو فرضنا أن آية الحجاب خاصة بأزواجه – صلى الله عليه وسلم -، فلا شك أنهن خير أسوة لنساء المسلمين في الآداب الكريمة المقتضية للطهارة التامة ، وعدم التدنس بأنجاس الريبة، فمن يحاول منع نساء المسلمين ، كالدعاة للسفور والتبرج والاختلاط اليوم ، من الاقتداء بهن في هذا الأدب السماوي الكريم المتضمن سلامة العرض ، والطهارة من دنس الريبة : غاش لأمة محمد – صلى الله عليه وسلم – مريض القلب كما ترى” انتهى من “أضواء البيان” (6/ 248).
والحاصل :
أن آية الحجاب ليست خاصة بأمهات المؤمنين، بل مشتملة على علة تفيد تعميم الحكم في نساء المؤمنين، إضافة إلى صريح الأمر بذلك في آخر السورة.
ولأمهات المؤمنين خصائص دل عليها النص، كمضاعفة الحسنات لهن، وتحريم الزواج منهن.
ثانيا:
دعوى أن ستر الوجه من خصوصيات أمهات المؤمنين ، وأن المتشبه بهن يكون كمن أراد التشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم في الوصال، مؤداها أن ستر الوجه مكروه مذموم، وهذا خلاف إجماع الأمة، فإن ستر الوجه لا يخرج عن الوجوب أو الاستحباب، فالحذر الحذر من القول على الله بلا علم.
ثالثا:
النقاب جاء الدليل عليه في كتاب الله تعالى، كما في قوله تعالى: يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا الأحزاب/59
وينظر في أدلة ستر الوجه: جواب السؤال رقم : (11774) .
وليس في منع المحرمة لبس النقاب دعوة إلى كشف وجهها، فضلا عن القول بأنه تحجيم للنقاب وسعي في إلغائه، كما أنه ليس في منع المُحرِم من لبس القميص والسروال ، دعوة لتعريته ، أو لإلغاء لبس القميص والسروال!
رابعا:
المرأة عورة : جزء من حديث مرفوع صحيح، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم : المرأة عورة ، وإنها إذا خرجت استشرفها الشيطان ، وإنها لا تكون أقرب إلى الله منها في قعر بيتها رواه ابن حبان وابن خزيمة وصححه الألباني في “السلسة الصحيحة” برقم (2688) .
وعلى فرض أنه موقوف، فله حكم الرفع لأن مثله لا يقال بالرأي. كما قال في “أضواء البيان” (6/ 251).
ثم إن انتفاء الدليل المعين ، لا يلزم منه انتفاء المدلول ، أي الحكم؛ لأنه قد يثبت بدليل آخر، وهذا هو الواقع، فإن ستر الوجه دلت عليه أدلة كثيرة.
ونسأل الله أن يرينا وإياك الحق وأن يمسكنا به.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة