تنزيل
0 / 0

هل كل ما جاز أن يكون معجزة لنبي جاز أن يكون كرامة لولي؟

السؤال: 322629

ما صحة القاعدة كل ما جاز أن يكون معجزة لنبي جاز أن يكون كرامة لولي ؟

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولًا :

سبق في جواب السؤال رقم : (124838) ، أن المعجزة هي الآية الخارقة للعادة التي يؤيد الله بها أنبياءه ورسله ، ويتحدون بها الناس .

أما الكرامة فهي شيء خارق للعادة يجريه الله تعالى على يد أحد أوليائه .

وهناك فروق كثيرة بين المعجزة والكرامة ، منها :

1 – أن المعجزة مبنية على الإظهار والاشتهار ، وأن صاحبها (وهو النبي) مأمور بإظهارها ، بينما الكرامة مبناها على الكتم والستر ، وصاحبها (وهو الولي) مأمور بكتمانها .

2-  المعجزة تكون مقرونة بالتحدي وبدعوى النبوة ، أما الكرامة فغير مقرونة بالتحدي ، ولا بدعوى فضيلة ولا منزلة عند الله .

3 – ثمرة المعجزة تعود بالنفع والفائدة على الغير ، والكرامة في الغالـب خاصة بصاحبها .

4-  المعجزة تكون بجميع خوارق العادات ، والكرامة تختص ببعضها .

5-  المعجزات خاصة بالأنبياء ، والكرامات تكون للأولياء .

6 – الأنبياء يحتجون بمعجزاتهم على المشركين لأن قلوبهم قاسية ، والأولياء يحتجون بالكرامة على نفوسهم حتى تطمئن وتوقن ولا تضطرب .

نقلًا عن رسالة ماجستير بعنوان : ” الولاية والكرامة في العقيدة الإسلامية ” للباحث محمد خير العمري .

ثانيًا :

هذه العبارة ” كل ما جاز أن يكون معجزة لنبي جاز أن يكون كرامة لولي” : غير صحيحة بإطلاقها؛ فإن معجزات الأنبياء فوق كرامات الأولياء ، وكرامات الأولياء من آيات الأنبياء .

وهذه الجملة مبنية على أن “الأشاعرة لا يُفرّقون بين المعجزة والكرامة إلا بالتحدّي ، ويجعلون كلّ ما خُرق للنبيّ، لا يمتنع أن يكون للولي .

يقول الجويني : ” صار بعض أصحابنا إلى أنّ ما وقع معجزة لنبيّ، لا يجوز وقوعه كرامة لوليّ ؛ فيمتنع عند هؤلاء أن ينفلق البحر ، وتنقلب العصا ثعباناً ، ويحيي الموتى كرامة لولي ، إلى غير ذلك من آيات الأنبياء.

وهذه الطريقة غير سديدة أيضاً. والمرضي عندنا : تجويز جملة خوارق العوائد، في معارض الكرامات ” انتهى من “الإرشاد” للجويني (ص 317).

وقال أيضاً : “فإن قيل : ما دليلكم على تجويزها؟ قلنا : ما من أمر يخرق العوائد ، إلا وهو مقدور للربّ تعالى ابتداءً ، ولا يمتنع وقوع شيء لتقبيح عقل، لما مهّدناه فيما سبق ، وليس في وقوع الكرامة ما يقدح في المعجزة ؛ فإنّ المعجزة لا تدلّ لعينها ، وإنّما تدلّ لتعلّقها بدعوى النبيّ الرسالة ، ونزولها منزلة التصديق بالقول…..”.

ثمّ قال : “فإن قيل : فما الفرق بين الكرامة والمعجزة؟ قلنا : لا يفترقان في جواز العقل ، إلا بوقوع المعجزة على حسب دعوى النبوة” . “السابق” (ص 317-318).

وقال الباقلاني : “ولذلك أيضاً أجزنا فعل أمثالها [أي المعجزات] ، وما هو من جنس كثير منها ، على أيدي الأولياء والصالحين ، على وجه الكرامة لهم” ، انتهى من “البيان” للباقلاني (ص 48).

والفرق عنده : أنّ المعجزة لا تكون ، حتى يُتحدّى بها.

وهذه فروق ضعيفة بين المعجزة والكرامة.

انظر : “النبوات” لابن تيمية ، تحقيق : الطويل ، هامش (2/ 801) .

ثانيًا :

والفرق الصحيح بين المعجزات والكرامات ، أن يقال : أما ” كرامات الأولياء : فهي أيضاً من آيات الأنبياء ؛ فإنّها إنّما تكون لمن يشهد لهم بالرسالة ، فهي دليل على صدق الشاهد لهم بالنبوّة.

وأيضاً : فإنّ كرامات الأولياء معتادةٌ من الصالحين ، ومعجزات الأنبياء فوق ذلك ؛ فانشقاق القمر ، والإتيان بالقرآن ، وانقلاب العصا حيّة ، وخروج الدابة من صخرة ، لم يكن مثله للأولياء ؛ وكذلك خلق الطير من الطين ، ولكنّ آياتِهم صغارٌ ، وكبارٌ ؛ كما قال الله تعالى :  فَأَرَاهُ الآيَةَ الكُبْرَى  ؛ فلله تعالى آية كبيرة وصغيرة ، وقال عن نبيّه محمّد :  لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الكُبْرَى  ، فالآيات الكبرى مختصة بهم.

وأما الآيات الصغرى : فقد تكون للصالحين ؛ مثل تكثير الطعام ، فهذا قد وجد لغير واحدٍ من الصالحين ، لكن لم يوجد كما وجد للنبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه أطعم الجيش من شيء يسير. فقد يوجد لغيرهم من جنس ما وجد لهم ، لكن لا يماثلون في قدره ؛ فهم مختصون إمّا بجنس الآيات فلا يكون لمثلهم ؛ كالإتيان بالقرآن ، وانشقاق القمر ، وقلب العصا حية ، وانفلاق البحر ، وأن يخلق من الطين كهيئة الطير ؛ وإمّا بقدرها ، وكيفيتها ؛ كنار الخليل ؛ فإنّ أبا مسلم الخولاني ، وغيره صارت النار عليهم برداً وسلاماً ، لكن لم تكن مثل نار إبراهيم في عظمتها كما وصفوها ، فهو مشاركٌ للخليل في جنس الآية ؛ كما هو مشارك في جنس الإيمان محبة الله وتوحيده. ومعلومٌ أنّ الذي امتاز به الخليل من هذا ، لا يماثله فيه أبو مسلم ، وأمثاله.

وكذلك الطيران في الهواء ؛ فإنّ الجن لا تزال تحمل ناساً ، وتطير بهم من مكان إلى مكان ؛ كالعفريت الذي قال لسليمان : أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ ، لكن قول الذي عنده علم من الكتاب : أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ : لا يقدر عليه العفريت.

ومسرى النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس ليريه الله من آياته الكبرى : أمرٌ اختص به ، بخلاف من يُحمل من مكان إلى مكان ، لا ليريه الله من آياته الكبرى ، أمرٌ اختصّ به ، ولا يعرج إلى السماء” انتهى من”النبوات” لابن تيمية : (2/ 802 – 804).

وقال الشيخ محمد بن يوسف الصالحي رحمه الله: ” اعلم أن كثيرا من المقدورات يعلم اليوم قطعًا أنه لا يجوز أن يظهر كرامة للأولياء، بضرورة أو شبه ضرورة، فمنها : حصول إنسان من غير أبوين ، وقلب جماد بهيمة أو حيوانا ، وأمثال هذا كثير ..

وظهور الكرامة لا تدل على أفضلية صاحبها ، وإنما تدل على صدقه وفضله ، وقد تكون لقوة يقين صاحبها ، وإنما الأفضلية بقوة اليقين ، وكمال المعرفة ” ، انتهى من “سبل الهدى والرشاد” (10/237-238) بتصرف.

وقال الشيخ “بكر أبو زيد” في “معجم المناهي اللفظية” (450) عن هذه العبارة : ” هذه من عبارات الصوفية ، وللشامي في السيرة (سبل الهدى والرشاد) تقرير نفيس بإبطالها ، وأن الصحيح عكسها . والله أعلم ” انتهى.

والله أعلم.

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android