0 / 0

تقييد الفوائد عند قراءة الكتب، وما الطريقة التي ينصح بها؟

السؤال: 323150

ما هي كيفية تقييد الفوائد عند قراءة الكتب الشرعية؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا:

إن من أهم ثمرات قراءة الكتب تقييد الفوائد التي يقف عليها القارئ ، وقد ذكر كثير من أهل العلم أن قراءة الكتب لا يتحقق منها الفائدة المرجوه إلا بتقييد الفوائد المستفادة منها .

وقد قيل: ” العلم صيدً والكتابة قيد ” .

فكثيرًا ما يقرأ الإنسان كتابًا أو كلامًا يعجبه ، ويظن أنه قد علق بذاكرته ، فإذا هو في الغد قد ضاع منه هذا العلم ، وضاع معه مفتاحه ، فانتهى إلى حيرة في استعادته واسترجاعه .

لذلك قال الإمام النووي – وهو يرشد الطالب إلى تعليق النفائس والغرائب مما يراه في المطالعة أو يسمعه من شيخه- :

” ولا يحتقرن فائدة يراها أو يسمعها في أيِّ فنٍّ كانت، بل يُبادِر إلى كتابتها، ثم يواظب على مطالعة ما كتبه…” انتهى من “المجموع” (1 /39).

وقال –أيضًا-: ” ولا يؤخِّر تحصيل فائدة – وإن قَلَّت – إذا تمكَّن منها ، وإنْ أمِنَ حصولها بعد ساعة ؛ لأن للتأخيرِ آفاتٌ ، ولأنه في الزمن الثاني يُحَصِّل غيرَها ” انتهى من “المجموع” (1 /38).

وقال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله – في الفوائد التي ينبغي تقييدها : ” الفوائد التي لا تكاد تطرأ على الذهن ، أو التي يندر ذكرها والتعرض لها ، أو التي تكون مستجدة تحتاج إلى بيان الحكم فيها ، هذه اقتنصها ، قيدها بالكتابة ، لا تقل هذا أمر معلوم عندي ، ولا حاجة أن أقيدها ، فإنك سرعان ما تنسى ، وكم من فائدة تمر بالإنسان فيقول هذه سهلة ما تحتاج إلى قيد ، ثم بعد فترة وجيزة يتذكرها ولا يجدها ، لذلك احرص على اقتناص الفوائد التي يندر وقوعها أو يتجدد وقوعها.

وأحسن ما رأيت في مثل هذا كتاب ” بدائع الفوائد ” للعلامة ابن القيم ، فيه بدائع العلوم ، ما لا تكاد تجده في كتاب آخر ، فهو جامع في كل فن ، كلما طرأ على باله مسألة أو سمع فائدة قيد ذلك ، ولهذا تجد فيه من علم العقائد ، والفقه ، والحديث ، والتفسير ، والنحو ، والبلاغة ” انتهى من “شرح حلية طالب العلم” (ص60).

وقال الشيخ بكر أبوزيد – رحمه الله- : ” ابذل الجهد في حفظ العلم (حفظ كتاب) ، لأن تقييد العلم بالكتابة أمان من الضياع ، وقصر لمسافة البحث عند الاحتياج ، لا سيما في مسائل العلم التي تكون في غير مظانها ، ومن أجل فوائدها أنه عند كبر السن وضعف القوى يكون لديك مادة تستجر منها مادة تكتب فيها بلا عناء في البحث والتقصي ” انتهى من “حلية طالب العلم” (ص129).

وقد كان الأئمة والعلماء يحرصون على اقتناص الفوائد من الكتب أشد الحرص…

فهذا الإمام الشافعي يحكي عنه صاحبُه الحُمَيْديُّ – لمَّا كانا بمصر – أنه كان يخرج في بعض الليالي فإذا مصباح منزل الشافعي مُسْرج ، فيصعد إليه فإذا قِرْطاس ودَوَاة ، فأقول : مَهْ يا أبا عبدالله ! فيقول : تفكّرت في معنى حديث – أو في مسألة – فخِفْت أن يذهب عَلَيَّ ، فأمرت بالمصباح وكتبته . انتهى من “مناقب الشافعي” للبيهقي (1/ 243).  

وكان الإمام البخاري –رحمه الله- ( جَبَلُ الحِفْظ ) يستيقظ مراتٍ كثيرة في الليل ليُقَيِّد الفوائد ، قال راويته الفَرَبري : ” كنت مع محمد بن إسماعيل بمنزله ذات ليلةٍ ، فأحصيت عليه أنه قام وأسْرَجَ يستذكر أشياءَ يُعلِّقها في ليلةٍ ثمان عشرة مرَّة ” انتهى من “سير أعلام النبلاء” (12/ 404).

وذكر الحافظ ابن حجر في ترجمة الإمام الزركشي صاحب “البحر المحيط” ، ” أنه كان لا يتردد إلى أحد إلا إلى سوق الكتب، وإذا حضره لا يشتري شيئًا، وإنما يطالع في حانوت الكتبي طول نهاره ، ومعه ظهور أوراق يعلق فيها ما يعجبه ، ثم يرجع فينقله إلَى تصانيفه ” انتهى من “النكت على صحيح البخاري” (1 /42).

ثانيًا:

أما كيفية تقييد الفوائد ؛ فقد ذكر العلماء أكثر من طريقة لذلك ، منها :

1- تقييد الفوائد على هوامش الصفحات ، ثم نقلها بعد ذلك إلى دفتر خارجي .

2- تقييدها على بطاقات ومن ثم يتم تصنيفها ، وهذه الطريقه أفضل ما تكون عندما يكون الهدف كتابة بحث أو رسالة علمية .

3-  تقييدها على غلاف الكتاب من الداخل ثم نقلها إلى دفتر خارجي مرتبة على الموضوعات .

4- تقييدها في كراسٍ وترتيبها على الموضوعات .

5- من الممكن تقييدها وحفظها في الحاسوب على البرامج المختصة بذلك والذي تتولى فهرستها وترتيبها آليًا ، فتعم فائدتها ويسهل الرجوع لها ، ولكن يفضل طباعتها على أوراق لضمان عدم فقدانها .

قال الشيخ بكر أبوزيد -رحمه الله- :

” اجعل لك مذكرة لتقييد الفوائد والفرائد والأبحاث المنثورة في غير مظانها ، وإن استعملت غلاف الكتاب لتقييد ما فيه من ذلك فحسن ، ثم تنقل ما يجتمع لك بعد في مذكرة ، مرتباً له على الموضوعات ، مقيدًا رأس المسألة ، واسم الكتاب ، ورقم الصفحة والمجلد ، ثم اكتب على ما قيدته ” نقل ” ، حتى لا يختلط بما لم ينقل ، كما تكتب : ” بلغ صفحة كذا ” فيما وصلت إليه من قراءة الكتاب حتى لا يفوتك ما لم تبلغه قراءة ” انتهى من “حلية طالب العلم” (ص175).

وقال الشيخ عبدالعزيز بن محمد السدحان :

” تقييد الفوائد التي تسمعها : على الكتاب ، أو في دفتر خارجي ، وهذه الفوائد إذا حرص الإنسان على تقييدها ، وعلى مراجعتها مرة بعد مرة ، فإنها بإذن الله تعالى تكون عنده ملكة في الكلام ، وفي التحضير ، وفي إزالة الإشكال ، وقل مثل هذا في القراءة ” .

وقال : ” فإذا قرأت كتابًا – سواء على شيخ أو قراءة حرة – فاحرص كل الحرص على أن تقيد ما تسمع أو تقرأ من الفوائد ، أو ما يمر عليك من الشوارد والفرائد ، فإذا أتممت قراءة الكتب ثم تصفحت تلك الفوائد ، ستشعر أنك جمعت كنزًا عظيمًا ، خاصة إذا جعلتها منظمة بحيث تحكم تبويبها .

فإذا قرأت كتابين أو ثلاثة ، ثم علقت على جنباتها ما قرأت من الفوائد ، ثم لخصتها ونظمتها وجعلتها في دفتر فيكون لديك كثير من الفوائد المنتوعة : في المعتقد ، وفي الأصول ، وفي الجرح والتعديل ، وفي النحو … وهلم جرا .

واجعل لك دفترًا شاملاً مقسمًا ، بحيث يكون فيه : قسم للفوائد الأصولية ، وقسم للفوائد النحوية ، وقسم للجرح والتعديل … وهلم جرا ، فسترى أنك تستطيع أن تحضر دروساً ومحاضرات ، وتكتب بحوثاً في كل فن على حدة خاصة أن هذه الفوائد قل ما تكون موجودة في كتاب مجموع ، وأنت قد وجدتها في كتب متفرقة .

وأزيدك أيضًا فائدة تجعل العلم لا يتفرق من ذهنك ، ويبقى ميسرًا إذا أردت تَذَكَّرهً : فمثلاً إذا قرأت كتابًا في الرؤى والأحلام ، ثم قرأت كتباً أخرى متنوعة ، ومن هذه الكتب استخرجت فوائد تتعلق بالرؤى والأحلام ، فاحرص كل الحرص على أن تفرغ هذه الفوائد من جميع هذه الكتب بأرقام الصفحات فقط ، على الغلاف الداخلي لكتاب الرؤى والأحلام ، فتقول : انظر الاعتصام (1/121) انظر إعلام الموقعين (2/…) إلخ .

ولن تعرف قيمة هذا الحصر إلا إذا أردت أن تقرا قراءة مستقلة في هذا الموضوع ، فترى أنك جمعت متفرقات ، وألفت بين مختلفات في موضوع واحد ، وإذا رتب الكلام في الموضوع فترى أنك أحطت بأوله وآخره . وهذا الكلام مجرب ومقروء ومشاهد ، كذلك إذا سمعت فائدة خارجية فاحرص على أن تضيفها للكتاب ، ومع كثرة الفوائد الخارجية يخرج لك كتاب آخر ” انتهى من “معالم في طريق طلب العلم” (ص59).

وينصح لمزيد من الفائدة بقراءة الكتب الآتية :

1- حلية طالب العلم ، للشيخ بكر أبو زيد مع شرحها للشيخ ابن عثيمين – رحمهما الله -.

2- معالم في طريق طلب العلم ، للشيخ عبد العزيز السدحان .

3- المشوق إلى القراءة وطلب العلم ، للشيخ علي العمران .

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android