ابنتي مصابة بصمم منذ الولادة في كلتا أذنيها، ونحن في انتظار أن تقوم بعملية زرع أداة سمع، غالبا ما ندعو أن يرزقها الله تعالى السمع الطبيعي، وأن يصلح لها سمعها، فهل دعاؤنا بأن يشفيها الله تعالى، ويرد لها سمعها الطبيعي إعتداء ؟
هل الدعاء بالشفاء من المرض العضال يعد اعتداء ؟
السؤال: 323346
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
يشرع للمريض وأهله الدعاء له بالشفاء، مهما كان مرضه؛ فإن شفاء المرضى أمر ممكن جرت به العادة، فلا يكون طلبه اعتداء، كيف وقد رغَّبت الشريعة في التداوي، وأخبرت أنه ما من داء إلا له دواء، فليس هناك مرض يستحيل شفاؤه مهما كان عضالا.
صلى الله عليه وسلم: تَدَاوَوْا ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلَّا وَضَعَ لَهُ دَوَاءً ، غَيْرَ دَاءٍ وَاحِدٍ : الْهَرَمُ .
رواه أحمد (17726)، وأصحاب السنن، وأبو داود (3855)، والترمذي (2038)، وابن ماجه (3436)، وصححه الألباني في “صحيح أبي داود”.
وقال تعالى: وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَالأنبياء/83، 84.
وأما الاعتداء في الدعاء: فهو سؤال الله تعالى ما لا يجوز شرعًا، من الإثم، وقطيعة الرحم، أو سؤاله ما هو مستحيل عادة، أي لم تجرِ به سنته في كونه، كسؤاله تخليده إلى يوم القيامة، أو سؤاله ولدا من غير زوجة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
” فالاعتداء في الدعاء:
تارة بأن يسأل ما لا يجوز له سؤاله، من المعونة على المحرمات.
وتارة يسأل ما لا يفعله الله، مثل أن يسأل تخليده إلى يوم القيامة، أو يسأله أن يرفع عنه لوازم البشرية: من الحاجة إلى الطعام والشراب. ويسأله بأن يطلعه على غيبه، أو أن يجعله من المعصومين، أو يهب له ولدا من غير زوجة، ونحو ذلك مما سؤاله اعتداء لا يحبه الله ولا يحب سائله” انتهى من “مجموع الفتاوى” (15/ 22).
وقال ابن القيم رحمه الله : ” فكل سؤال يناقض حكمة الله ، أو يتضمن مناقضة شرعه وأمره ، أو يتضمن خلاف ما أخبر به ، فهو اعتداء لا يحبه الله، ولا يحب سائله ” انتهى من “بدائع الفوائد” (3/524).
وقال القرافي رحمه الله: ” القسم الثاني من المحرم الذي لا يكون كفرا: أن يسأل الداعي من الله تعالى المستحيلات العادية إلا أن يكون نبيا؛ فإن عادة الأنبياء – عليهم الصلاة والسلام – خرق العادة فيجوز لهم ذلك، كما سألوا نزول المائدة من السماء ، وخروج الناقة من الصخرة الصماء … وأما المحرم فله أمثلة:
(الأول) أن يسأل الله تعالى الاستغناء عن التنفس في الهواء ليأمن الاختناق على نفسه، وقد دلت العادة على استحالة ذلك.
(الثاني) أن يسأل الله تعالى العافية من المرض أبد الدهر، لينتفع بقواه وحواسه وأعضائه أبد الدهر، وقد دلت العادة على استحالة ذلك.
(الثالث) أن يسأل الله تعالى الولد من غير جماع، أو الثمار من غير أشجار وغراس، وقد دلت العادة على استحالة ذلك، فطالب ذلك مسيء الأدب على الله تعالى…
بل يجب على كل عاقل أن يفهم عوائد الله تعالى في تصرفاته في خلقه، وربطه المسببات بالأسباب، في الدنيا والآخرة، مع إمكان صدورها عن قدرته بغير تلك الأسباب، أو بغير سبب ألبتة، بل رتب الله تعالى مملكته على نظام، ووضعها على قانون قضاه وقدره؛ لا يسأل عما يفعل [الأنبياء: 23] .
فإذا سأل الداعي من الله تعالى تغيير مملكته، ونقض نظامه، وسلوك غير عوائده في ملكه؛ كان مسيئا الأدب عليه عز وجل، بل ذلك سوء أدب على أدنى الملوك، بل الولاة” انتهى من الفروق (4/ 368).
وينظر جواب السؤال رقم : (307589).
والشفاء من المرض المعين ، والسلامة من العاهة : ليس مستحيلا عادة، فجاز الدعاء بشفائها شفاء طبيعيا لا يتوقف على عملية ونحوها، وكم شفى الله من مريض بلا عملية أو دواء.
ولو دعوتم بالشفاء، هكذا مطلقا، من غير تفصيل، فهو خير؛ ثم الأمر كله لله ، يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، سبحانه.
فعليكم بالدعاء، وأكثروا من الصدقة، ونسأل الله أن يشفي ابنتك وأن يعافيها.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة