0 / 0

حكم الصلاة خلف من يقول: “الرسول نور الوجود، وسبب كل موجود” .

السؤال: 323797

إمام مسجدنا قال مثل هذا الكلام : ” سيدنا محمد هو نور الوجود، وسبب الوجود، مع العلم إنى لا أتذكر جيدا قوله لهذا الكلام، ربما قال غيره، لكنه يشبه هذا الكلام، فما حكم الصلاة خلفه ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولًا :

خلق الله تعالى الخلق لعبادته وتوحيده ، كما قال سبحانه :   وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ   الذاريات/56 .

وعلى المؤمن أن يسعى لتحقيق هذه الغاية متبعًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم .

قال ” الجنيد بن محمد ” : ” الطرق كلها مسدودة إلا طريق من اقتفى آثار النبي صلى الله عليه وسلم ” انتهى من “الاستقامة” (1/ 249) .

ثانيًا :

هذه العبارات التي يقولها الصوفية مما ظاهرها أنها مخالفة للكتاب والسنة- يمكن حمل بعضها على معانٍ صحيحة بشيء من التأويل .

فإذا قال هذا الصوفي :

إن النبي صلى الله عليه وسلم نور الوجود ، فقد يكون مراده أي : منوره بالحق ، فالحق مقصور عليه وعلى أتباعه ، صلوات الله وسلامه عليه ، فإن قُصد هذا المعنى فهو حق .

أما إن قُصد به النور الحقيقي ، فهو غلوٌ وخطأ .

وكذلك إن قصد بقوله : إنه صلى الله عليه وسلم سبب الوجود ، هو ما يذكرونه أن الدنيا خلقت لأجله صلى الله عليه وسلم ، فهذا أيضا له معنى صحيح ، فإن قُصد أنه سخرت له السماوات والأرض ، ونحو ذلك ، فهذا معنى صحيح .

ولا يصح في هذا المعنى حديث .

وإلا فهو خطأٌ وغلو .

وانظر أجوبة الأسئلة رقم : (4509)، (23290).

قال “ابن تيمية” : ” والنبي صلى الله تعالى عليه وسلم خُلق مما يخلق منه البشر ؛ ولم يخلق أحد من البشر من نور ..

وقد ظهر فضل نبينا على الملائكة ليلة المعراج ، لما صار بمستوى يُسمع فيه صريف الأقلام ؛ وعلا على مقامات الملائكة ؛ والله تعالى أظهر من عظيم قدرته ، وعجيب حكمته ، من صالحي الآدميين ، من الأنبياء والأولياء : ما لم يظهر مثله من الملائكة ، حيث جمع فيهم ما تفرق في المخلوقات .

فخلق بدنه من الأرض ، وروحه من الملأ الأعلى . ولهذا يقال : هو العالم الصغير وهو نسخة العالم الكبير.

ومحمد سيد ولد آدم ، وأفضل الخلق وأكرمهم عليه .

ومن هنا قال من قال : إن الله خلق من أجله العالم ، أو إنه لولا هو لما خلق عرشًا ولا كرسيًا ولا سماء ولا أرضًا ولا شمسًا ولا قمرًا.

لكن ليس هذا حديثًا عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ، لا صحيحًا ولا ضعيفًا ، ولم ينقله أحد من أهل العلم بالحديث عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ، بل ولا يعرف عن الصحابة ، بل هو كلام لا يدرى قائله.

ويمكن أن يفسر بوجه صحيح كقوله : ( سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض ) ، وقوله : ( وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخر لكم الأنهار وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار وآتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ) ، وأمثال ذلك من الآيات التي يبين فيها أنه خلق المخلوقات لبني آدم .

ومعلوم أن لله فيها حكمًا عظيمة غير ذلك ، وأعظم من ذلك ، ولكن يبين لبني آدم ما فيها من المنفعة وما أسبغ عليهم من النعمة .

فإذا قيل : فعل كذا لكذا ، لم يقتض أن لا يكون فيه حكمة أخرى .

وكذلك قول القائل : لولا كذا ، ما خلق كذا ؛ لا يقتضي أن لا يكون فيه حكم أخرى عظيمة ، بل يقتضي إذا كان أفضل صالحي بني آدم محمد ، وكانت خلقته غاية مطلوبة ، وحكمة بالغة مقصودة أعظم من غيره ؛ صار تمام الخلق ونهاية الكمال حصل بمحمد صلى الله تعالى عليه وسلم.

والله خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ، وكان آخر الخلق يوم الجمعة ، وفيه خلق آدم وهو آخر ما خلق .. وسيد ولد آدم هو محمد – صلى الله تعالى عليه وسلم – آدم فمن دونه تحت لوائه – .

قال صلى الله تعالى عليه وسلم ( إني عند الله لمكتوب خاتم النبيين وإن آدم لمنجدل في طينته ) أي : كتبت نبوتي وأظهرت ، لما خلق آدم قبل نفخ الروح فيه ، كما يكتب الله رزق العبد وأجله وعمله وشقي أو سعيد ، إذا خلق الجنين قبل نفخ الروح فيه .

فإذا كان الإنسان هو خاتم المخلوقات وآخرها ، وهو الجامع لما فيها ، وفاضله هو فاضل المخلوقات مطلقا ، ومحمد إنسان هذا العين ، وقطب هذه الرحى … فما ينكر أن يقال: إنه لأجله خلقت جميعها ، وإنه لولاه لما خلقت .

فإذا فسر هذا الكلام ونحوه ، بما يدل عليه الكتاب والسنة : قُبِل ذلك.

وأما إذا حصل في ذلك غلو من جنس غلو النصارى ، بإشراك بعض المخلوقات في شيء من الربوبية ؛ كان ذلك مردودًا غير مقبول ” ، انتهى من بتصرف “مجموع الفتاوى” (11/ 94 – 98).

على أن بعض العلماء كره ذلك مطلقا ، لئلَّا يؤدي للغلو ، وهذا ظاهر ، لا سيما مع ما عرف من حال القوم في غلوهم ، وقلة انتباههم للمعنى الصحيح المقيد بما دل عليه الكتاب والسنة ، بل انعدام ذلك ، وندرة طروء المعنى الصحيح ببال القوم ؛ فتعين الصرف عن الإطلاقات المجملة ، المحتملة من المعاني الباطلة ما هو معروف ؛ بل متبادر إلى أذهان الغلاة المشتغلين بنحو ذلك من الكلام.

قال “ابن نجيم” في “البحر الرائق” (5/ 131) : ” قال في التتارخانية وفي جواهر الفتاوى :

هل يجوز أن يقال : لولا نبينا محمد صلى الله تعالى عليه وسلم لما خلق الله تعالى آدم ؟

قال هذا شيء يذكره الوعاظ على رءوس المنابر، يريدون به تعظيم محمد – عليه الصلاة والسلام – ، والأولى أن يحترزوا عن أمثال هذا ، فإن النبي – عليه الصلاة والسلام – وإن كان عظيم المنزلة والمرتبة عند الله تعالى ، فإن لكل نبي من الأنبياء – عليهم السلام – منزلة ومرتبة وخاصة ليست لغيره ؛ فيكون كل نبي أصلًا بنفسه “، انتهى .

وينظر لمزيد الفائدة جواب السؤال رقم : (75395) .

ثالثًا :

وأما الصلاة خلفه ، فهذا يختلف باختلاف مراده ، وأعماله ، وقد ذكرنا أن ما يقوله له احتمال ، ولو على بعد .

فينظر إلى أعماله وأقواله الأخرى .

فإن كان الرجل ممن شأنه أن يقع في الشركيات ، كالاستغاثة بالقبور أو الأولياء أو دعائها فإنه لا يصلى خلفه ، لأن هذه الأفعال والأقوال شركية ، تخرج المسلم من دائرة الإسلام إلى الكفر ؛ حتى وإن كان الشخص المعين معذورا بجهل أو تأويل، فإنه ينبغي للعالم بحاله أن يترك الصلاة خلفه ، إنكارا عليه ، ولئلا يغتر بسكوت الناس عنه ، ومتابعتهم على ما يقول ويفعل.

وإن كانت أحواله إلى البدعة ما هو ، ولم يكن من شأنه أن يرتكب شيئا من الشركيات ، فلا بأس بالصلاة خلفه .

والذي ينبغي : الصلاة خلف إمام من أهل السنة والجماعة من أهل العلم والفضل ، فهو أفضل على كل حال ، إذا كان ممكنا .

وينظر : جواب السؤال رقم : (193896)، (93150).

والله أعلم 

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android