سمعت في حديث أنه (من قرأ قل هو الله أحد عشر مرات بنى الله له بيتا في الجنة ) هل هذا يعني أنه من دخل الجنة ولم يكن يقولها لن يكون له مسكنا في الجنة ؟ وما هي مساكن أهل الجنة الأخرى؟ وما سبيل إلى الوصول إليها ؟
مساكن أهل الجنة
السؤال: 324680
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
حديث : من قرأ سورة الإخلاص ” قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ” عشر مرات بنى الله له بيتا في الجنة حديث ضعيف .
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم : (118152).
ثانيًا:
أفادت النصوص الشرعية ، من الكتاب والسنة ، أن أهل الجنة لهم فيها ما يشاءون مما يشتهون، لا يطلبون شيئا إلا وجدوه ، ولا يريدون حاجة إلا نالوها ، وهم مع ذلك لا يكدر نعيمهم ، ولا ينغص عليهم بانقطاع أو زوال أو نقصان أو عيب .
وقد جاء في السنَّة الصحيحة بيان سعة ما لأدنى أهل الجنة منزلةً ، وهو عشرة أضعاف الدنيا ! فكيف يكون ما لأعلاهم منزلة ؟!
فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مسْعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنِّي لَأَعْلَمُ آخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنْهَا وَآخِرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا ، رَجُلٌ يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ كَبْوًا فَيَقُولُ اللَّهُ : اذْهَبْ فَادْخُلْ الْجَنَّةَ فَيَأْتِيهَا فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهَا مَلْأَى فَيَرْجِعُ فَيَقُولُ : يَا رَبِّ وَجَدْتُهَا مَلْأَى ، فَيَقُولُ : اذْهَبْ فَادْخُلْ الْجَنَّةَ فَيَأْتِيهَا فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهَا مَلْأَى فَيَرْجِعُ فَيَقُولُ : يَا رَبِّ وَجَدْتُهَا مَلْأَى ، فَيَقُولُ : اذْهَبْ فَادْخُلْ الْجَنَّةَ فَإِنَّ لَكَ مِثْلَ الدُّنْيَا وَعَشَرَةَ أَمْثَالِهَا – أَوْ : إِنَّ لَكَ مِثْلَ عَشَرَةِ أَمْثَالِ الدُّنْيَا – فَيَقُولُ : تَسْخَرُ مِنِّي – أَوْ : تَضْحَكُ مِنِّي – وَأَنْتَ الْمَلِكُ ؟! فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ ، وَكَانَ يَقُولُ : ذَاكَ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً رواه البخاري ( 6202 )، ومسلم ( 186 ) .
أما عن مساكن أهل الجنة وكيفية الحصول عليها : فقد جاء في القرآن والسنة أن مساكن أهل الجنة متنوعة ، فمنها الغرف ، ومنها القصور ، ومنها البيوت ، ومنها الخيم .
فأما الغرف ؛ فجاء ذكرها في غير آية وحديث ، ومن ذلك :
قال الله تعالى: لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ الزمر/20.
فأخبر تعالى أنها غرف فوق غرف ، وأنها مبنية بناء حقيقة ؛ لئلا تتوهم النفوس أن ذلك تمثيل ، وأنه ليس هناك بناء ، بل تتصور النفوس غرفا مبنية كالعلالي ، بعضها فوق بعض ، حتى كأنها ينظر إليها عيانًا .
ومبنية : صفة للغرف الأولى والثانية؛ أي : لهم منازل مرتفعة ، وفوقها منازل أرفع منها .
ينظر: “حادي الأرواح” لابن القيم (ص142).
وقال تعالى: أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا الفرقان/75. والغرفة : جنس ، كالجنة .
وقال تعالى: وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ سبأ/37.
وجاء عَنْ عَلِيٍّ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ فِي الجَنَّةِ غُرَفًا تُرَى ظُهُورُهَا مِنْ بُطُونِهَا وَبُطُونُهَا مِنْ ظُهُورِهَا ، فَقَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ : لِمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : لِمَنْ أَطَابَ الكَلَامَ ، وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ ، وَأَدَامَ الصِّيَامَ ، وَصَلَّى بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ أخرجه الترمذي (1984)، وحسنه الألباني.
وأما القصور :
فجاء في البخاري (3242)، ومسلم (2395) أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، إِذْ قَالَ : بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي فِي الجَنَّةِ ، فَإِذَا امْرَأَةٌ تَتَوَضَّأُ إِلَى جَانِبِ قَصْرٍ فَقُلْتُ : لِمَنْ هَذَا القَصْرُ ؟ فَقَالُوا : لِعُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ ، فَذَكَرْتُ غَيْرَتَهُ فَوَلَّيْتُ مُدْبِرًا ، فَبَكَى عُمَرُ وَقَالَ : أَعَلَيْكَ أَغَارُ يَا رَسُولَ اللَّهِ “.
وأما البيوت فجاء ذكرها في غير حديث ، منها :
ما جاء في البخاري (3820)، ومسلم (2432) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : أَتَى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ : هَذِهِ خَدِيجَةُ قَدْ أَتَتْ مَعَهَا إِنَاءٌ فِيهِ إِدَامٌ ، أَوْ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ ، فَإِذَا هِيَ أَتَتْكَ فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلاَمَ مِنْ رَبِّهَا وَمِنِّي وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ لاَ صَخَبَ فِيهِ ، وَلاَ نَصَبَ .
والقصب هنا قصب اللؤلؤ المجوف .
وعن عثمان رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : مَنْ بَنَى مَسْجِدًا بَنَى اللَّهُ لَهُ مِثْلَهُ فِي الْجَنَّةِ رواه البخاري (450)، ومسلم (533) .
وروى ابن ماجه (738) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ ، أوْ أَصْغَرَ ، بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وصححه الألباني .
والقطا طائر معروف ، ومَفْحص القطاة : موضعها الذي تبيض فيه ، وخصصت القطاة بهذا لأنها لا تبيض في شجر ولا على رأس جبل ، إنما تجعل بيتها على بسيط الأرض دون سائر الطيور، فلذلك شبه به المسجد . ينظر : “حياة الحيوان” للدميري .
وأخرج الترمذي (1021) عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إِذَا مَاتَ وَلَدُ العَبْدِ قَالَ اللَّهُ لِمَلَائِكَتِهِ : قَبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدِي ، فَيَقُولُونَ : نَعَمْ ، فَيَقُولُ : قَبَضْتُمْ ثَمَرَةَ فُؤَادِهِ ، فَيَقُولُونَ : نَعَمْ ، فَيَقُولُ : مَاذَا قَالَ عَبْدِي ؟ فَيَقُولُونَ : حَمِدَكَ وَاسْتَرْجَعَ ، فَيَقُولُ اللَّهُ : ابْنُوا لِعَبْدِي بَيْتًا فِي الجَنَّةِ ، وَسَمُّوهُ بَيْتَ الحَمْدِ حسنه الألباني.
وأما الخيام :
فما جاء في البخاري ( 4598 )، ومسلم ( 2838 ) عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إِنَّ لِلْمُؤْمِنِ فِي الْجَنَّةِ لَخَيْمَةً مِنْ لُؤْلُؤَةٍ وَاحِدَةٍ مُجَوَّفَةٍ طُولُهَا سِتُّونَ مِيلًا ، لِلْمُؤْمِنِ فِيهَا أَهْلُونَ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ الْمُؤْمِنُ فَلَا يَرَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا ، وفي لفظ عندهما عَرضُهَا سِتُّونَ مِيلًا .
وقد تبين فيما سبق ذكره : أن سبيل الوصول إلى الجنة وقصورها وبيوتها وغرفها وخيامها : هو تقوى الله ، والإيمان به ، والعمل الصالح .
وينظر جواب السؤال رقم : (135085).
وينظر لمعرفة ما للمؤمن في الجنة من نعيم الأجوبة أرقام : (126349)، (257509)، (253667)، (165752).
والحاصل :
أن كل مؤمن يدخل الجنة له فيها مساكن ، ولن يكون أحد فيها بلا مسكن ؛ إذ كيف يكون لأدنى أهلها منزلة ، مثلُ الدنيا عشر مرات ، ويكون فيها أحد بلا مسكن ؟!
ولكن النعيم في الجنة متفاوت ؛ فأصحاب الدرجات العلى لهم ما ليس لمن دونهم .
ونسأل الله أن يبلغنا وإياكم جنان الخلد ، ويرزقنا فيها النعيم المقيم .
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة