ذكر سائل قصة الملاعنة، وأن الرجل حين سأل عن ماله، أي الصداق، قال النبي صلى الله عليه وسلم:(لا سبيل لك عليها…)، ثم ذكر هذا الجزء من الحادثة : (إن كنت صدقت عليها بِمَا اسْتَحْلَلْتَ مِنْ فَرْجِهَا)، فالسائل يقول: لماذا قلتم لي: إن المهر ليس عوضا عن استحلال الفرج، يتهمنا بالكذب، يقول وضحوا الأمر إن كنتم صادقين؟
الحكمة من مشروعية المهر وبيان أنه ليس عوضا عن الوطء
السؤال: 325997
Table Of Contents
أولا:
من حكم الإسلام في إيجاب المهر للزوجة
روى البخاري (5312)، ومسلم (1493) عن سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، قَالَ: "سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ، عَنْ حَدِيثِ المُتَلاَعِنَيْنِ، فَقَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُتَلاَعِنَيْنِ: حِسَابُكُمَا عَلَى اللَّهِ، أَحَدُكُمَا كَاذِبٌ، لاَ سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا قَالَ: مَالِي؟ قَالَ: لاَ مَالَ لَكَ، إِنْ كُنْتَ صَدَقْتَ عَلَيْهَا؛ فَهُوَ بِمَا اسْتَحْلَلْتَ مِنْ فَرْجِهَا، وَإِنْ كُنْتَ كَذَبْتَ عَلَيْهَا؛ فَذَاكَ أَبْعَدُ لَكَ .
والمعنى أن الدخول- وهو استحلال الفرج- يوجب المهر كاملا، وليس المراد أن المهر عوض عن الوطء ابتداء، وأن النكاح عقدُ معاوضة، ولو كان كذلك لما صح العقد دون تسمية المهر، ومعلوم أن النكاح يصح دون تسمية المهر.
وما يقع في كلام بعض الفقهاء من تشبيه المهر بالأجرة، والنكاح بالبيع، إنما هو من باب الفصل بين الزوجين في الحقوق، وهذا إنما يظهر عند المشاحة والخصومة.
وقد شرع المهر لحكم جليلة، منها إكرام المرأة، وإظهار خطر العقد وأهميته، وتمكين المرأة من التهيؤ لزوجها بشراء الملابس والحلي ونحو ذلك.
قال الدكتور وهبة الزحيلي رحمه الله: "والحكمة من وجوب المهر: هو إظهار خطر هذا العقد ومكانته، وإعزاز المرأة وإكرامها، وتقديم الدليل على بناء حياة زوجية كريمة معها، وتوفير حسن النية على قصد معاشرتها بالمعروف، ودوام الزواج. وفيه تمكين المرأة من التهيؤ للزواج بما يلزم لها من لباس ونفقة" انتهى من "الفقه الإسلامي وأدلته"(9/6760).
وقال الكاساني: "فلو لم يجب المهر بنفس العقد، لا يبالي الزوج عن إزالة هذا الملك بأدنى خشونة تحدث بينهما؛ لأنه لا يشق عليه إزالته لمَّا لم يَخَفْ لزوم المهر، فلا تحصل المقاصد المطلوبة من النكاح؛ ولأن مصالح النكاح ومقاصده لا تحصل إلا بالموافقة، ولا تحصل الموافقة إلا إذا كانت المرأة عزيزة مكرمة عند الزوج، ولا عزة إلا بانسداد طريق الوصول إليها إلا بمال له خطر عنده؛ لأن ما ضاق طريق إصابته، يعز في الأعين، فيعز به إمساكه، وما يتيسر طريق إصابته، يهون في الأعين فيهون إمساكه، ومتى هانت في أعين الزوج، تلحقها الوحشة، فلا تقع الموافقة، فلا تحصل مقاصد النكاح" انتهى من "بدائع الصنائع" (2/275).
ثانيا:
المهر ليس مقابلاً للوطء
مما يؤكد على أن المهر ليس في مقابل البضع أمران:
1-أن الله سماه (نِحلة) أي عطية، فقال: وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً النساء/4.
2-ان الاستمتاع يشترك فيه الرجل والمرأة، فلو كان المهر في مقابل الاستمتاع، لكان الاستمتاع للرجل وحده، فلما كان للزوجين معا، كان الاستمتاع مقابلا باستمتاع مثله، وصار المهر مجانا أي بلا مقابل.
قال القاضي أبو يعلى: "وقيل: إِنما سمي المهر: نحلة، لأن الزّوج لا يملك بدله شيئاً، لأن البضع بعد النكاح في ملك المرأة، ألا ترى أنها لو وُطئت بشبهة، كان المهر لها دون الزوج، وإِنما الذي يستحقه الزوج: الاستباحة، لا الملك" انتهى نقلا من "زاد المسير" لابن الجوزي(1/ 370).
وقال الألوسي رحمه الله: "النحلة ليست مطلق الإيتاء، بل هي نوع منه، وهو الإيتاء عن طيب نفس، فالمعنى أعطوهنّ صدقاتهن طيبي النفوس بالإعطاء، أو معاطاة عن طيب نفس.
وعليه؛ فالمصدر مبين للنوع.
فإن قلت: إن النحلة أخذ في مفهومها أيضا عدم العوض؛ فكيف يكون المهر بلا عوض، وهو في مقابلة البضع والتمتع به؟
أجيب بأنه لما كان للزوجة في الجماع مثل ما للزوج، أو أزيد، وتزيد عليه بوجوب النفقة والكسوة: كان المهر مجانا؛ لمقابلة التمتع بتمتع أكثر منه" انتهى من "روح المعاني"(2/408).
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب