قد قرأت مقالة كتبها باحث أوروبي مسلم عن الملائكة وعن صفاتهم وأسمائهم وحتى مهامهم، لكن ذكر ذلك الكاتب عن صنف من الملائكة واسمهم على ما أظن “السيرافيم”، أو قريب من لفظها، وإنه يقول : إن تلك الملائكة كانت الوسيط بين الله ورسوله في ليلة الإسراء والمعراج، وإنه قد رواه الترمذي، لكن سؤالي هو: هل ثبت شيء عن الترمذي أو العلماء عن تلك الملائكة ؟
من هم السيرافيم، وهل ثبت شيء عنهم؟
السؤال: 326018
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
لم نقف على أي حديث أو أثر يشير إلى وجود ملائكة باسم “السرافيم”، بل هذا الاسم وارد في بعض كتب أهل الكتاب من اليهود والنصارى، بأنها ملائكة بأجنحة حول عرش الله تعالى يسبحونه بصيغة “قدوس”.
أما أصل وجود ملائكة مقربين من الله تعالى ، تسبّحه وتقدّسه ؛ فهذا ثابت بالوحي.
قال الله تعالى: لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ النساء/172.
قال الطبري رحمه الله تعالى:” وأما قوله: ( وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ )، فإنه يعني: ولن يستنكف أيضا من الإقرار لله بالعبودة، والإذعان له بذلك: رسله المقربون، الذين قرّبهم الله ورفع منازلهم على غيرهم من خلقه ” انتهى من “تفسير الطبري” (7 / 708).
وقال الله تعالى: الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ غافر/7.
وقال الله تعالى: وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ البقرة /30.
وقد وردت بعض المرويات تسمي هؤلاء الملائكة المقربين من العرش باسم : “الكَرُوبيّين” ، وهو اسم مشهور عند أهل الكتاب ، وربما سماهم أهل الكتاب أيضا بـ “الشيروبيم” ، ولا يبعد أن يكون هناك بين هذا الاسم ، والاسم العربي، لتقارب ما بينهما.
قال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسير آية سورة “غافر” السابقة الذكر:
” يخبر تعالى عن الملائكة المقربين من حملة العرش الأربعة، ومن حوله من (الكروبيين)، بأنهم يسبحون بحمد ربهم… ” انتهى من “تفسير ابن كثير” (7 / 130).
لكن الآثار الواردة بتسميتهم باسم “الكروبيون” : لا يثبت منها شيء، فيما وقفنا عليه . ولا شك أن الأحسن والأسلم : الوقوف عند ما ثبتت به الوحي والأثر في كل ذلك ، والسكوت عما وراء ذلك.
وقد سبق في الموقع بيان ضعف الآثار الواردة في هذا الاسم، في جواب السؤال رقم (121038).
وأما تسمية هؤلاء الملائكة المقربين بـ “السرافيم” : فلا أصل له عندنا ، وإنما هو من روايات أهل الكتاب ، فلذا لا نثبت وجود هذا الاسم؛ لأن هذا علم غيب لا يعلم إلا بالوحي.
ثانيا:
أما الحديث الذي نسبه إلى الترمذي؛ فالظاهر أنه يقصد الحديث المشهور باسم “حديث الأوعال” الذي يصف فيه حملة العرش، وهو ما رواه الترمذي (3320) وغيره؛ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَيْرَةَ، عَنْ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ قَالَ: زَعَمَ أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا فِي البَطْحَاءِ فِي عِصَابَةٍ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ فِيهِمْ، إِذْ مَرَّتْ عَلَيْهِمْ سَحَابَةٌ فَنَظَرُوا إِلَيْهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
هَلْ تَدْرُونَ مَا اسْمُ هَذِهِ؟
قَالُوا: نَعَمْ، هَذَا السَّحَابُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَالمُزْنُ؟ قَالُوا: وَالمُزْنُ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَالعَنَانُ؟ قَالُوا: وَالعَنَانُ.
ثُمَّ قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ تَدْرُونَ كَمْ بُعْدُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ؟
قَالُوا: لَا، وَاللَّهِ مَا نَدْرِي.
قَالَ: فَإِنَّ بُعْدَ مَا بَيْنَهُمَا إِمَّا وَاحِدَةٌ، وَإِمَّا اثْنَتَانِ، أَوْ ثَلَاثٌ وَسَبْعُونَ سَنَةً، وَالسَّمَاءُ الَّتِي فَوْقَهَا كَذَلِكَ، حَتَّى عَدَّدَهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ كَذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: فَوْقَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ بَحْرٌ بَيْنَ أَعْلَاهُ وَأَسْفَلِهِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى السَّمَاءِ، وَفَوْقَ ذَلِكَ ثَمَانِيَةُ أَوْعَالٍ بَيْنَ أَظْلَافِهِنَّ وَرُكَبِهِنَّ مِثْلُ مَا بَيْنَ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ، ثُمَّ فَوْقَ ظُهُورِهِنَّ العَرْشُ، بَيْنَ أَسْفَلِهِ وَأَعْلَاهُ مِثْلُ مَا بَيْنَ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ، وَاللَّهُ فَوْقَ ذَلِكَ وقال الترمذي عقبه: ” هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ “.
وهذا الحديث سبق في الموقع دراسة إسناده وترجيح ضعفه، كما في جواب السؤال رقم : (88746).
وهو مع ضعفه لم يسم هؤلاء الملائكة لا بـ “الكروبيين” ولا بـ “السرافيم”. ولم يخبر أنهم كانوا رسل الله تعالى إلى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم في ليلة الإسراء.
بل الثابت والمتواتر من نصوص الوحي أن الملك الموكل بالوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم هو جبريل عليه السلام وحده لا غيره، وهو الذي صحبه في ليلة الإسراء.
عن أَبي سَلَمَةَ بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْتَتِحُ صَلَاتَهُ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ؟
قَالَتْ: ” كَانَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ افْتَتَحَ صَلَاتَهُ: اللهُمَّ! رَبَّ جَبْرَائِيلَ، وَمِيكَائِيلَ، وَإِسْرَافِيلَ، فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ، إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ رواه مسلم (770).
قال ابن القيم رحمه الله تعالى:
” ومِنْ هذا: اختياره من الملائكة المصطفين منهم على سائرهم، كجبريل، وميكائيل، وإسرافيل، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (اللهُمَّ! رَبَّ جَبْرَائِيلَ، وَمِيكَائِيلَ، وَإِسْرَافِيلَ، فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ… ).
فذكر هؤلاء الثلاثة من الملائكة لكمال اختصاصهم، واصطفائهم، وقربهم من الله، وكم من ملك غيرهم في السماوات، فلم يسم إلا هؤلاء الثلاثة. فجبريل: صاحب الوحي الذي به حياة القلوب والأرواح… ” انتهى من “زاد المعاد” (1 / 44).
فهو المبلغ للوحي للرسل وللملائكة أيضا.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ العَبْدَ نَادَى جِبْرِيلَ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلاَنًا فَأَحْبِبْهُ، فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلاَنًا فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ القَبُولُ فِي الأَرْضِ رواه البخاري (3209)، ومسلم (2637).
ثالثا:
اختلف أهل العلم: هل خاطب الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء بلا واسطة، أم بواسطة جبريل عليه السلام؟ وكثير من أهل العلم يرجح أنه كلمه بلا واسطة.
قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى:
” قوله تعالى: ( فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى ).
فيه ثلاثة أقوال: أحدها: أوحى الله إلى محمد كفاحا بلا واسطة، وهذا على قول من يقول: إنه كان في ليلة المعراج.
والثاني: أوحى جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما أوحى الله إليه، رواه عطاء عن ابن عباس.
والثالث: أوحى الله إلى جبريل ما يوحيه، روي عن عائشة رضي الله عنها، والحسن، وقتادة ” انتهى من “زاد المسير” (8 / 67).
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى:
” … كلام الله له منه إليه بلا واسطة ملك، كما كلم الله موسى بن عمران، وهذه المرتبة هي ثابتة لموسى قطعا بنص القرآن، وثبوتها لنبينا صلى الله عليه وسلم هو في حديث الإسراء ” انتهى من “زاد المعاد” (1 / 79).
وجاء في “فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والافتاء” (3 / 364):
” أحاديث المعراج صريحة بأن الله سبحانه كلم نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم، وبذلك يعلم أنه عليه الصلاة والسلام كليم الله، كما أن موسى كليم الله.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
عبد الله بن قعود ، عبد الله بن غديان ، عبد الرزاق عفيفي ، عبد العزيز بن عبد الله بن باز ” انتهى.
وراجع للأهمية جواب السؤال رقم : (306583).
فالحاصل؛ أن أسماء الملائكة وصفاتها ووظائفها: هي من أمور الغيب فلا نثبت منها إلا ما أثبته الوحي الصحيح، ولم يرد في نصوص الوحي الثابتة ما يدل على وجود ملائكة باسم السرافيم الشيروبيم، وإنما الثابت وجود الملائكة المقربين، وهم حملة العرش ومن حوله يسبحون بحمد الله تعالى، وأقربهم جبريل عليه السلام ولذا خص بالذكر في نصوص كثيرة، وهو المكلف بالوحي.
ولمزيد الفائدة عن الملائكة عليهم السلام يحسن مطالعة جواب السؤال رقم : (843).
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة