ما هي الاستحاضة بالضبط؟ وهل إذا نزلت كدرة أو صفرة بعد الطهر من الحيض كانت المرأة مستحاضة، ووجب عليها أن تستنجي، وتتحفظ، وتتوضأ عند كل صلاة؟ وينتقض وضوؤها عند وقت الصلاة التالية؟ لأنه قد يصعب علي ذلك أحيانا خصوصًا خارج المنزل، وأنا سابقًا إنما كنت استنجي، وأعيد الوضوء فقط عند نزول الكدرة، أي أذا رأيتها على ثيابي اغسلها، وأتوضأ، وليس عند كل صلاة، فما هو الصحيح؟
وإذا كانت المرأة مستحاضة؛ أي نزل معها قطرات دم خفيفة بعد الطهر من حيضتها السابقة، ثم جاءها الحيض الكثير المعروف، وطهرت منه بنزول القصة البيضاء، فهل نزول القصة يكفي للحكم بالطهارة من الحيض والاستحاضة معًا؟ فتعود المرأة في حكم الطاهرات؟ علمًا بأنها قبل طهرها من حيضتها هذه كانت بحكم المستحاضة؟
ضابط الاستحاضة وهل هناك فرق بينها وبين دم الفساد ؟
السؤال: 329200
Table Of Contents
أولا: ما المقصود بالاستحاضة ؟
الاستحاضة: الدم الذي لا يصلح أن يكون حيضا، كالدم الذي يجاوز أكثر الحيض، وهو خمسة عشر يوما عند الجمهور، أو ينقص عن أقل الحيض وهو يوم وليلة عند الجمهور.
وفي “الموسوعة الفقهية” (3/ 197):
” الاستحاضة لغة: مصدر استحيضت المرأة فهي مستحاضة. والمستحاضة من يسيل دمها ولا يرقأ، في غير أيام معلومة، لا من عرق الحيض، بل من عرق يقال له: العاذل.
وعرف الحنفية الاستحاضة بأنها: دم عرق انفجر ليس من الرحم.
وعرفها الشافعية بأنها: دم علة يسيل من عرق من أدنى الرحم يقال له العاذل، قال الرملي: الاستحاضة دم تراه المرأة غير دم الحيض والنفاس، سواء اتصل بهما أم لا. وجعل من أمثلتها الدم الذي تراه الصغيرة” انتهى.
وقال الشيخ عبد الله بن عقيل رحمه الله: ” المستحاضة هي التي ترى دمًا لا يصلح أن يكون حيضًا ولا نفاسًا، مثل من تجاوَز دمها أكثر الحيض، وما نقص عن يوم وليلة، وما تراه قبل تمام تسع سنين، وما تراه الحامل وقت حملها، بخلاف الذي يأتيها قبل الولادة بيومين، أو ثلاثة، بأمارة طلق، ونحوه فإنه يعتبر من النّفاس، ولا تنقص به عدته.
فهذه الأشياء وما في معناها هي الاستحاضة. والدم الفاسد أعم من ذلك” انتهى من “فتاوى الشيخ” (1/ 88).
ثانيا: الأحكام المتعلقة بالدم أو الكدرة والصفرة إذا نزل بعد الطهر من الحيض
إذا نزل دم أو كدرة أو صفرة بعد الطهر من الحيض، فينظر فيه:
1- فإن كان مستمرا لا ينقطع وقتا معلوما يتسع للوضوء والصلاة، فيلزم المرأة الاستنجاء والتحفظ والوضوء لوقت كل صلاة، وتصلي ولو نزل الدم أثناء الصلاة، وتصلي ما شاءت من الفرض والنفل، وينتقض وضوؤها بدخول الوقت الآخر إن كان نزل منها شيء.
قال في “شرح منتهى الإرادات” (1/ 120): ” يلزم كل من دام حدثه من مستحاضة ، ومن به سلس بول ، أو مذي ، أو ريح ، أو جرح لا يرقأ دمه ، أو رعاف : (غسلُ المحل) الملوث بالحدث , لإزالته عنه ، (وتعصيبه) : أي فعل ما يمنع الخارج حسب الإمكان، من حشو بقطن , وشدّه بخرقة طاهرة …
و(لا) يلزمه (إعادتهما) – أي الغسل والعصب – (لكل صلاة ، إن لم يفرّط) , لأن الحدث مع غلبته وقوته لا يمكن التحرز منه …
(ويتوضأ) من حدثٍ دائم (لوقت كل صلاة، إن خرج شيء) ” انتهى مختصرا.
2- وإن كان النازل ينقطع وقتا معلوما ، يتسع للوضوء والصلاة، لزمها الانتظار، لتأتي بالصلاة في حال الطهر، فلو نزل منها شيء أثناء الصلاة، أعادت الوضوء والصلاة.
قال في “مطالب أولي النهى” (1/ 266): ” (وإن اعتيد انقطاع حدثٍ) دائمٍ (زمنا يتسع للفعل) أي: الصلاة والطهارة لها (فيه) ، أي الزمن : (تعيّن) فعل المفروضة فيه … ؛ لأنه قد أمكنه الإتيان بها على وجه لا عذر معه ، ولا ضرورة؛ فتعيّن ، كمن لا عذر له …
(ولا أثر لانقطاع) حدث دائم زمنا (لا يتسع لفعل) وضوء وصلاة، لكنه يمنع الشروع في الصلاة والمضي فيها، لاحتمال استمراره (أو)، أي: ولا أثر لانقطاعٍ (مختَلِف، بتقدم وتأخر، وقلة وكثرة، ووجود مرة وانعدام أخرى، وعدم عادة مستقيمة) باتصال أو انقطاع= فهذه كمن عادتها الاتصال في الدم ، في بطلان الوضوء بالانقطاع المتسع للوضوء والصلاة ، دون ما [لا] يتسع لهما .
كمن عادتها الاتصال في سائر ما تقدم، إلا أنها لا تمنع من الدخول في الصلاة، ولا من المضي فيها بمجرد الانقطاع قبل تبين اتساعه للوضوء والصلاة، لعدم انضباط هذا الانقطاع، فيفضي لزوم اعتباره إلى الحرج والمشقة” انتهى.
ثالثا: إذا رأت المرأة القصة البيضاء فقد طهرت من الحيض
إذا رأت المرأة القصة البيضاء فقد طهرت من الحيض، فإن نزل بعدها دم أو كدرة أو صفرة، واستمر ذلك ، فهذا دم فساد أو استحاضة، فإن لم يستمر فلا تأخذ حكم المستحاضة. ولا عبرة بكونها كانت مستحاضة قبل ذلك، فقد يعافيها الله تعالى.
وإنما قلنا: هو دم فساد أو استحاضة، بناء على تفريق بعض الفقهاء بينهما، حيث جعلوا الاستحاضة ما اتصل بالحيض، فالمستحاضة لا ترى القصة البيضاء. وهذا خلاف في الاسم، وأما الأحكام فلا تختلف.
قال النووي رحمه الله: ” قال صاحب الحاوي: النساء أربعة أضرب : طاهر ، وحائض، ومستحاضة ، وذات دم فاسد، فالطاهر ذات النقاء، والحائض من ترى دم الحيض في زمنه بشرطه، والمستحاضة من ترى الدم على أثر الحيض على صفة لا يكون حيضا، وذات الفساد من يبتديها دم لا يكون حيضا.
هذا كلام صاحب الحاوي. وقال أيضا قبله: قال الشافعي: لو رأت الدم قبل استكمال تسع سنين فهو دم فاسد ولا يقال له استحاضة؛ لأن الاستحاضة لا تكون إلا على أثر حيض…
فهذا كلام صاحب الحاوي، وحاصله: أن الاستحاضة لا تطلق إلا على دم متصل بالحيض، وليس بحيض.
وأما مالا يتصل بحيض فدم فساد، ولا يسمى استحاضة، وقد وافقه عليه جماعة.
وقال الأكثرون: يسمى الجميع استحاضة، قالوا: الاستحاضة نوعان نوع يتصل بدم الحيض وقد سبق بيانه، ونوع لا يتصل به، كصغيرة لم تبلغ تسع سنين رأت الدم، وكبيرة رأته وانقطع لدون يوم وليلة، فحكمه حكم الحدث.
هكذا صرح بهذين النوعين أبو عبد الله الزبيري والقاضي حسين والمتولي والبغوي والسرخسي في الأمالي وصاحب العدة وآخرون، وهو الأصح الموافق لما سبق عن الأزهري وغيره من أهل اللغة أن الاستحاضة دم يجري في غير أوانه ” انتهى من “المجموع” (2/ 346).
وقال في “روضة الطالبين” (1/ 137): ” الاستحاضة: قد تطلق على كل دم تراه المرأة غير دم الحيض والنفاس، سواء اتصل بالحيض المجاوز أكثره، أم لم يتصل، كالذي تراه لسبع سنين مثلا. وقد تطلق على المتصل به خاصة، ويسمى غيره: دم فساد، ولا تختلف الأحكام في جميع ذلك” انتهى.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب