ذُكِر أن الأسباط هم الأنبياء من بني إسرائيل من ذرية أبنائه الاثني عشر، ألا يجب تقييدهم بكونهم قبل موسى عليه الصلاة والسلام؛ لأنه ذُكِر أن أنبياء بني إسرائيل بعد موسى كانوا يحكمون بالتوراةن كما في قوله تعالى (ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل)، وقد جاء موسى عليه السلام باليهودية الحقة الحنيفية التي لا شرك فيها : (إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى) … [الآية، سورة البقرة]، والله نفى عن الأسباط اليهودية : (أم تقولون إنّ إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى قل أأنتم أعلم أم الله)، فهل يجب تقييد الأسباط بكونهم من ذرية أبناء يعقوب عليه السلام لكن قبل التوراة وقبل موسى عليه السلام؟
ما المراد بالأسباط الذين ورد ذكرهم في القرآن ؟
السؤال: 329676
ملخص الجواب
اختلف العلماء في المراد بالأسباط ، بعد اتفاقهم على أنهم أبناء يعقوب عليه السلام : 1- فذهب بعضهم إلى أن المراد بالأسباط : أبناء يعقوب عليه السلام لصلبه ، أي: المباشرين . 2- وذهب بعضهم إلى أنهم كالقبائل في العرب .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
اختلف العلماء في المراد بالأسباط ، بعد اتفاقهم على أنهم أبناء يعقوب عليه السلام :
1- فذهب بعضهم إلى أن المراد بالأسباط : أبناء يعقوب عليه السلام لصلبه ، أي: المباشرين .
2- وذهب بعضهم إلى أنهم كالقبائل في العرب .
انظر : “تفسير الثعلبي” (4/ 152 – 153).
قال “البغوي” في “تفسيره” (1/ 156) : ” يعني أولاد يعقوب ، وهم اثنا عشر سبطًا ، واحدهم سبط ، سموا بذلك لأنه ولد لكل واحد منهم جماعة . وسبط الرجل : حافده، ومنه قيل للحسن والحسين رضي الله عنهما : سبطا رسول الله صلى الله عليه وسلم .
والأسباط من بني إسرائيل : كالقبائل من العرب من بني إسماعيل ، والشعوب من العجم .
وكان في الأسباط أنبياء ، ولذلك قال: ( وما أنزل إليهم ) .
وقيل : هم بنو يعقوب من صلبه صاروا كلهم أنبياء “، انتهى .
وقال “ابن كثير” (1/ 449) : ” وقال أبو العالية والربيع وقتادة: الأسباط: بنو يعقوب ، اثنا عشر رجلا؛ ولد كل رجل منهم أمة من الناس، فسموا الأسباط.
وقال الخليل بن أحمد وغيره: الأسباط في بني إسرائيل، كالقبائل في بني إسماعيل.
وقال الزمخشري في الكشاف: الأسباط: حفدة يعقوب، ذراري أبنائه الاثنى عشر، وقد نقله الرازي عنه، وقرره ولم يعارضه.
وقال البخاري: الأسباط: قبائل بني إسرائيل. وهذا يقتضي أن المراد بالأسباط هاهنا شعوب بني إسرائيل، وما أنزل الله تعالى من الوحي على الأنبياء الموجودين منهم، كما قال موسى لهم: اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين [المائدة: 20] ، وقال تعالى: وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطا أمما [الأعراف: 160] ، وقال القرطبي: وسموا الأسباط ؛ من السَّبط، وهو التتابع، فهم جماعة متتابعون.
وقيل: أصله من السَّبَط، بالتحريك، وهو الشجر، أي: هم في الكثرة بمنزلة الشجر، الواحدة سَبْطة.
قال الزجاج: ويبين لك هذا: ما حدثنا محمد بن جعفر الأنباري، حدثنا أبو نجيد الدقاق، حدثنا الأسود بن عامر، حدثنا إسرائيل عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: كل الأنبياء من بني إسرائيل، إلا عشرة: نوح وهود وصالح وشعيب وإبراهيم ولوط وإسحاق ويعقوب وإسماعيل ومحمد -عليهم الصلاة والسلام.
قال القرطبي: والسبط: الجماعة والقبيلة، الراجعون إلى أصل واحد “، انتهى .
وصوب “ابن تيمية” أن “الأسباط” من بني إسرائيل : كالقبائل من العرب من بني إسماعيل، والشعوب من العجم ، وقال في بيان حافل:
” الذي يدلُّ عليه القراَنُ واللغةُ والاعتبار : أن إخوةَ يوسف ليسوا بأنبياء، وليس في القرآن ولا عن النبي – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – بل ولا عن أصحابه خبرٌ بأن الله تعالى نبَّأهم.
وإنما احتجّ من قال إنّهم نبِّئُوا بقوله في آيتي البقرة والنساء ( وَاَلأَسْبَاطِ )، وفسّر الأسباط بأنهم أولاد يعقوب.
والصواب أنه ليس المراد بهم أولادُه لصلبه ، بل ذُرِّيّتُه، كما يقال فيهم أيضا “بنو إسرائيل”، وكان في ذريته الأنبياء، فالأسباط من بني إسرائيل كالقبائل من بني إسماعيل.
قال أبو سعيد الضرير: أصل السِّبْط : شجرةٌ ملتفةٌ كثيرة الأغصان.
فسُمُّوا الأسباطَ لكثرتهم، فكما أن الأغصان من شجرة واحدة، كذلك الأسباط كانوا من يعقوب. ومثل السبط الحافد، وكان الحسن والحسين سِبْطَي رسولِ الله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، والأسباط حفدة يعقوب ذَرارِي أبنائه الاثنَي عشر. وقال تعالى: ( وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ * وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطاً أُمَماً )، فهذا صريحٌ في أن الأسباط هم الأمم من بني إسرائيل، كلُ سِبْطٍ أمةٌ، لا أنهم بَنُوه الاثنا عشر. بل لا معنى لتسميتهم قبل أن تنتشر عنهم الأولاد أسباطًا، فالحال أن السِّبْطَ هم الجماعة من الناس.
ومن قال: الأسباط أولاد يعقوب، لم يُرِد أنهم أولادُه لصلبه، بل أرادَ ذريتَه، كما يقال: بنو إسرائيل وبنو آدم.
فتخصيصُ الآية ببنيه لصلبه غلط، لا يدلُّ عليه اللفظُ ولا المعنى، ومن ادّعاه فقط أخطأ خطأً بيِّنًا.
والصواب أيضًا: أن كونهم أسباطًا إنما سُمُّوا به من عهد موسى ، للآية المتقدمة، ومن حينئذٍ كانت فيهم النبوة، فإنه لا يُعرَف أنه كان فيهم نبيّ قبلَ موسى إلا يوسف.
ومما يؤيِّد هذا أنّ الله تعالى لما ذكر الأنبياء من ذرية إبراهيم قال: ( وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ ) الآيات، فذكر يوسف ومن معه، ولم يذكر الأسباط، فلو كان إخوةُ يوسف نُبِّئوا كما نبئَ يوسف ، لذُكِروا معه.
وأيضًا : فإن الله يذكر عن الأنبياء من المحامد والثناء ما يناسب النبوة، وإن كان قبل النبوة، كما قال عن موسى: ( وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ ) الآية، وقال في يوسف كذلك، وفي الحديث: ( أكرم الناس يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، نبيّ من نبي من نبي ) ؛ فلو كانت إخوتُه أنبياء ، كانوا قد شاركوه في هذا الكرم، وهو تعالى لما قصَّ قصَّةَ يوسف ، وما فعلوا معه ؛ ذكر اعترافهم بالخطيئة وطلبهم الاستغفار من أبيهم، ولم يذكر من فضلهم ما يناسب النبوة، ولا شيئا من خصائص الأنبياء، بل ولا ذكر عنهم توبةً باهرةً ..، بل إنما حكى عنهم الاعتراف وطلب الاستغفار. ولا ذكر سبحانه عن أحدٍ من الأنبياء -لا قبلَ النبوة ولا بعدها- أنه فعلَ مثلَ هذه الأمورِ العظيمة، من عقوق الوالد ، وقطيعةِ الرحم ، وإرقاقِ المسلم وبيعه إلى بلاد الكفر ، والكذب البيّن ، وغير ذلك مما حكاه عنهم، ولم يَحْكِ شيئًا يناسب الاصطفاءَ والاختصاصَ الموجب لنبوتهم، بل الذي حكاه يخالف ذلك، بخلاف ما حكاه عن يوسف.
ثمّ إن القرآن يدلُّ على أنه لم يأتِ أهلَ مِصْرَ نبيٌّ قبلَ موسى ، سوى يوسف، لآية غافر، ولو كان من إخوة يوسف نبيٌّ لكان قد دعا أهل مصر، وظهرت أخبار نبوته، فلما لم يكن ذلك ، عُلِمَ أنه لم يكن منهم نبيٌّ. فهذه وجوهٌ متعددة يُقوِّي بعضُها بعضًا.
وقد ذكر أهل السير أن إخوة يوسف كلهم ماتوا بمصر، وهو أيضًا، وأوصىَ بنقله إلى الشام، فنقلَه موسى.
والحاصل: أن الغلط في دعوى نبوتهم حَصَلَ من ظَنِّ أنهم هم الأسباط، وليس كذلك، إنما الأسباط ذرّيتهم ، الذين قُطِّعُوا أسباطًا من عهد موسى، كل سِبْطٍ أمة عظيمة.
ولو كان المراد بالأسباط أبناء يعقوب لقال: “ويعقوب وبنيه”، فإنه أوجز وأَبْيَنُ.
واختير لفظ “الأسباط” على لفظ “بني إسرائيل” : للإشارة إلى أن النبوة إنما حصلتْ فيهم من حينِ تقطيعِهم أسباطًا من عهد موسى. والله أعلم” .
انتهى، من “جامع المسائل”، المجموعة الثالثة: (295 – 299).
وإنما نفى الله عنهم اليهودية والنصرانية المحرفة ، وأثبت لهم الإسلام الذي هو دين الأنبياء جميعًا ، والخطاب لأهل الكتاب المبدلين لشرائعهم .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب