نعلم أن الزوج هو جنّة الزوجة أو نارها، وإذا لم توفّي حقوقه وأساءت معاملته فسوف تذهب إلى النّار، فماذا عن الزوج؟ ماذا يحدث للزوج إذا لم يوفِّ الزوجة حقوقها، وأساء معاملتها واضطّهدها، هل أيضا سوف يذهب إلى النّار؟
هل الزوج الظالم والمقصر في واجباته الزوجية يعاقب يوم القيامة ؟
السؤال: 329708
ملخص الجواب
من الثابت شرعا أن طاعة المسلمة لزوجها سبيلٌ من سبل النجاة والفوز بالجنة، فكذلك عصيانها سبيلٌ للعقاب. والزوج كذلك معرض للعقوبة إذا أهمل واجباته الزوجية، أو تعدى بالظلم على زوجته
Table Of Contents
أولا: طاعة الزوجة لزوجها من سبل الفوز بالجنة وتقصيرها في حقه سبيل للعقاب
من الثابت شرعا أن طاعة المسلمة لزوجها سبيلٌ من سبل النجاة والفوز بالجنة، فكذلك عصيانها سبيلٌ للعقاب.
عَنِ الْحُصَيْنِ بْنِ مِحْصَنٍ: " أَنَّ عَمَّةً لَهُ أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَاجَةٍ، فَفَرَغَتْ مِنْ حَاجَتِهَا، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَذَاتُ زَوْجٍ أَنْتِ؟
قَالَتْ: نَعَمْ.
قَالَ: كَيْفَ أَنْتِ لَهُ؟
قَالَتْ: مَا آلُوهُ إِلَّا مَا عَجَزْتُ عَنْهُ.
قَالَ: فَانْظُرِي أَيْنَ أَنْتِ مِنْهُ، فَإِنَّمَا هُوَ جَنَّتُكِ وَنَارُكِ رواه الإمام أحمد في "المسند" (31 / 341)، وصحح إسناده الشيخ الألباني (2 / 412).
ثانيا: الزوج معرض للعقوبة إذا أهمل واجباته الزوجية أو ظلم زوجته
كما أن الزوجة المسلمة معرضة للعقاب في الآخرة بسبب تقصيرها في أداء واجباتها الزوجية، فإن الزوج كذلك معرض للعقوبة إذا أهمل واجباته الزوجية، أو تعدى بالظلم، كما في قول رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ رواه أبو داود (236) والترمذي (113)، وصححه الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (6 / 860).
قال ابن القيم رحمه الله تعالى:
" فهو دليل على تساوي الشقيقين ، وتشابه القرينين ، وإعطاء أحدهما حكم الآخر " انتهى من "أعلام الموقعين" (2 / 343 – 344).
فالزوج تباح له زوجته بعقد يستوجب المعاملة الحسنة بالمعروف.
قال الله تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا النساء/19.
قال ابن كثير رحمه الله تعالى:
" وقوله: ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ )، أي: طيبوا أقوالكم لهن، وحسنوا أفعالكم، وهيئاتكم بحسب قدرتكم، كما تحب ذلك منها، فافعل أنت بها مثله، كما قال تعالى: ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ )، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي )، وكان من أخلاقه صلى الله عليه وسلم أنه جميل العشرة؛ دائم البشر، يداعب أهله، ويتلطف بهم، ويوسعهم نفقته، ويضاحك نساءه " انتهى من "تفسير ابن كثير" (2 / 242).
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى:
" ثم قال: ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) وهذا يشمل المعاشرة القولية والفعلية، فعلى الزوج أن يعاشر زوجته بالمعروف، من الصحبة الجميلة، وكف الأذى، وبذل الإحسان، وحسن المعاملة، ويدخل في ذلك النفقة والكسوة ونحوهما، فيجب على الزوج لزوجته المعروف من مثله لمثلها في ذلك الزمان والمكان، وهذا يتفاوت بتفاوت الأحوال " انتهى من"تفسير السعدي" (ص 172).
وقد وصف الله سبحانه وتعالى عقد الزوجية بـ "الميثاق الغليظ" ، تحذيرا للأزواج من الإخلال بواجباته.
قال الله تعالى: وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ، وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا النساء/20 – 21.
قال الطبري رحمه الله تعالى:
" … الميثاق الذي عُني به في هذه الآية: هو ما أخذ للمرأة على زوجها عند عُقْدة النكاح، من عهدٍ على إمساكها بمعروف، أو تسريحها بإحسان، فأقرَّ به الرجل. لأن الله جل ثناؤه بذلك أوصى الرجالَ في نسائهم " انتهى من"تفسير الطبري" (6 / 546).
فإذا أخل الرجل بواجباته فلم يقم بها ، أو ظلم المرأة ، وأكل عليها حقوقها : فإنه متوعد بعذاب جهنم ، فإن هذا الوعيد لاحق لكل من عصى الله تعالى ومات مصرًا على كبائره ولم يتب منها .
قال الله تعالى : وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ النساء/14 .
قال الذهبيّ رحمه الله في "الكبائر" (ص109) :
" ومن الظلم : أن يظلم المرأة حقّها من صداقها ونفقتها وكسوتها " انتهى .
وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه :
( يؤخذ بيد العبد والأمة يوم القيامة ، فينادي منادٍ على رؤوس الأولين والآخرين : هذا فلان بن فلانٍ ، من كان له حقٌ فليأت إلى حقّه ، فتفرح المرأة أن يكون لها الحقّ على أبيها ، أو على ابنها ، أو على أخيها ، أو على زوجها ، ثم قرأ ابن مسعود : ( فَلَاْ أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَاْ يَتَسَاءَلُون) المؤمنون/101 ، فيغفر الله تبارك وتعالى من حقّه ما شاء ، ولا يغفر من حقوق الناس شيئًا ) رواه الطبري في تفسيره (5/90) .
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى:
" فالمؤمن يعتني بزوجته ويكرمها، ويحسن عشرتها ولا يظلمها، هذا هو الواجب عليه، ألا يظلمها لا في نفسها، ولا في مالها، ولا في عرضها، فإذا ظلمها، خَصْمه الله، خصم الظالمين الرَّب عز وجل، هو الذي يجازيهم بما يستحقون، كما قال عز وجل: ( وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا )، قال سبحانه: ( وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ )، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: يقول الله عز وجل: ( ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة، رجل أعطى بي ثم غدر- يعني عاهد ثم غدر- ورجل باع حرا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه، ولم يعطه حقه )، خرجه البخاري في الصحيح.
كما قد يقع مما مضى من بعض الناس يسرق بنات الناس، أو أولاد الناس، ويبيعهم على أنهم عبيد وهو كاذب، ورجل استأجر أجيرا ولم يعطه حقه.
وهكذا يكون خصما لمن ظلم امرأته بغير حق، أو ظلم عبده بغير حق، أو خادمه بغير حق، أو ولده بغير حق، أو جيرانه بغير حق، أو غيرهم من المسلمين، فالله خصمه يوم القيامة، ومن كان الله خصمه فهو مخصوم، فالواجب على كل مسلم أن يحذر ظلم زوجته، أو ظلم أهل بيته من أولاد، ذكور أو إناث، من أخوات، من خادمات ومن غير ذلك… " انتهى. "فتاوى نور على الدرب" (21 / 197 – 199).
وينظر للفائدة : جواب السؤال رقم : (71152)، ورقم :(102446) .
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة