إذا كان هناك أم أرملة تأخد معاشا من الدولة، ولديها بنت كبرى تستأمنها فى إجراء كافة الإجراءات، وأخذ المعاش كل شهر، ولديها توكيل من أمها؛ وذلك لكبر سن الأم، ولكن المشكلة أن لديها أخت صغرى مطلقة تأخذ نفقة قليلة من طليقها لا تكفيها، فقررت أنت تدخل مع الأم فى المعاش لتأخد منه الربع، ولكن الأم غير راضية بذلك، ورافضة للموضوع رفضا باتا، لذا اتجهت الأخت الصغرى للضغط على الكبرى بحكم التوكيل الذى معها لإكمال الإجراءات من دون علم الأم، وتبكى لها فى كل مرة تتحدث معها عن الظروف الصعبة، وحاجتها للمال، وتطلب من أختها الكبرى إكمال آخر إجراء، وهو التوقيع عن أمهم المسنة بموجب التوكيل الذي معها، لذلك نريد أن نعرف ماذا تفعل الابنه الكبرى، فهي لا تريد قطع الرحم مع أختها، وفى نفس الوقت لا تريد أن تخون الأمانة، أو أن تفعل شيئا بدون علم الأم، وهى كبيرة فى السن لا تقوى على الصدمات، مع العلم أنها تم محادثتها بهذا الشأن، ولكن ترفض تماما، ظنا منها أنها لديها مال وتدخره ؟
هل تقتطع من معاش أمها دون علمها لتعطي أختها المطلقة الفقيرة ؟
السؤال: 330369
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا:
الواجب على من اؤتمن أن يحفظ الأمانة ويؤديها كما هي، فإن حفظ الأمانة من الإيمان، وخيانتها من النفاق، وقد قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا النساء/58
وروى أحمد (11935) عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا إِيمَانَ لِمَنْ لا أَمَانَةَ لَهُ وَلا دِينَ لِمَنْ لا عَهْدَ لَهُ .
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاثٌ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ رواه البخاري (32)، ومسلم (89).
فالواجب على هذه البنت ألا تتصرف في معاش أمها إلا بإذنها؛ لأنها وكيلة مؤتمنة، والوكيل تصرفه مقيد بالإذن، ولا يجوز لها الإمضاء بموافقة الأم، على غير الحقيقة، فإن ذلك كذب وزور، مع خيانة الأمانة وتضييع المال وإعانة الأخت الصغرى على أكل الحرام، ففي هذا العمل عدة جرائم كما ترين.
والسبيل أمام الأخت المطلقة أن تقنع أمها بحاجتها للمال، ولو بتوسيط من يقوم بذلك.
ثانيا:
إذا كانت الأخت المطلقة لا تجد كفاية نفقتها، فإن تمام نفقتها يكون على أمها إذا كانت غنية.
قال ابن قدامة رحمه الله: "الأم تجب نفقتها ويجب عليها أن تنفق على ولدها إذا لم يكن له أب، وبهذا قال أبو حنيفة و الشافعي" انتهى من "المغني" (8/212).
وفي حال وجوب النفقة على الأم بالشرطين المذكورين، وامتنعت الأم عن النفقة، جاز لهذه البنت أن تأخذ من مالها ما يتمم كفايتها بالمعروف، ولو دون علمها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لهند زوجة أبي سفيان: (خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ) رواه البخاري (5364).
قال في "كشاف القناع" (15/166) – الطبعة المحققة -: "ومن له على إنسان حق لم يمكن أخذه منه بحاكم، وقدر له أي للمدين على مال: لم يجز)؛ أي يحرم على رب الحق (في الباطن أخذ قدر حقه) لقوله – صلى الله عليه وسلم – أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك، وقوله: لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه، ولأن التعيين والمعاوضة لا يجوزان بغير رضا المالك.
(إلا إذا تعذر على ضيف أخذ حقه من) واجب (الضيافة بحاكم) ، فله أخذه قهرا، وتقدم بدليله في الأطعمة .
(أو منع زوج ، ومن في معناه) من قريب وسيد ، (ما وجب عليه) لزوجته أو قريبه أو مملوكه (من نفقة ونحوها) ، ككسوة ومسكن ؛ (فله ذلك) لقوله – صلى الله عليه وسلم – خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف " انتهى.
وينظر: "شرح منتهى الإرادات"، للبهوتي (3/537)، "شرح مختصر الخرقي"، للزركشي (7/421) وما بعدها.
لكن لا يكون هذا بالتزوير في أوراق المعاش بحيث يصبح أمرا ثابتا مهما تغير حال البنت أو الأم، فإن البنت قد تغتني، والأم قد لا يفضل عن معاشها شيء، فلا تجب النفقة حينئذ.
ولا يكون ذلك أيضا بمعونة الأخت الكبرى المؤتمنة، فهي موكلة بحفظ الأمانة، على ما قالت أمها، لا بأداء الحقوق، ولا المقاصة في الأموال، ولا تغيير الأوراق؛ فكل ذلك مناف لائتمانها.
والحاصل:
أن على الأخت الكبرى الامتناع عما تريده منها أختها من التزوير وخيانة الأمانة، لكن إن تبين أن نفقة أختها واجبة على أمها –بالشرطين السابقين- فعليها أن تنصح لأمها، وأن تبين لها وجوب النفقة عليها وإثمها بتركها، وليس لها أن تأخذ من مالها دون علمها لتعطي أختها؛ لأنه لا ولاية لها على مالها ما دامت الأم عاقلة رشيدة.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب