كيف يأرز الإيمان إلي المدينة كما تأرز الحية إلي حجرها، ويرسل الله ريحا، فتأخذ نفس كل مؤمن بعد هلاك يأجوج ومأجوج، وهذا سيحدث في مصر، فكيف نجمع بين الأمرين : أن الأيمان يعود إلي المدينة وأن عيسى عليه السلام سوف يهبط في مصر ؟ فهل يعود الإسلام إلى المدينة بعد هبوط عيسى عليه السلام في مصر، مع العلم أنه بعد هبوطه سوف تأتي ريح تأخذ كل نفس مؤمنة بما فيهم عيسى عليه السلام، وبالتالي تقوم الساعه على شرار الخلق ؟
هل يهبط عيسى عليه السلام في مصر وأين يدفن ؟
السؤال: 333382
ملخص الجواب
الإيمان يأرز إلى المدينة في جميع الأزمنة، وعيسى عليه السلام يكون في المدينة أو الشام بعد هلاك يأجوج ومأجوج، ولا ذكر لمصر في هذه الملاحم، إلا أن عيسى عليه السلام يحرّز المؤمنين بجبل الطور ، إلى أن يهلك يأجوج ومأجوج، وفسطاط المسلمين وموضع قوتهم عند الملاحم : بلاد الشام.
Table Of Contents
أولا: ثبت أن الإسلام يأرز إلى المدينة
ثبت أن الإسلام يأرز إلى المدينة أي ينضم ويجتمع، كما روى البخاري (1876) من حديث أبي هريرة، ومسلم (147) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ الْإِيمَانَ لَيَأْرِزُ إِلَى الْمَدِينَةِ، كَمَا تَأْرِزُ الْحَيَّةُ إِلَى جُحْرِهَا .
وروى مسلم (146) عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ الْإِسْلَامَ بَدَأَ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ، وَهُوَ يَأْرِزُ بَيْنَ الْمَسْجِدَيْنِ، كَمَا تَأْرِزُ الْحَيَّةُ فِي جُحْرِهَا .
وهذا في جميع الأزمنة.
قال ابن بطال رحمه الله: ” قال المهلب: فيه أن المدينة لا يأتيها إلا المؤمن، وإنما يسوقه إليها إيمانه ، ومحبته في النبي صلى الله عليه وسلم، فكأن الإيمان يرجع إليها، كما خرج منها أولا، ومنها ينتشر كانتشار الحية من جحرها، ثم إذا راعها شيء رجعت إلى جحرها ؛ فكذلك الإيمان لما دخلته الدواخل ، لم يقصد المدينة إلا مؤمن صحيح الإيمان.
وقال أبو عبيد: قال الأصمعي: قوله: (يأزر) يعنى ينضم إليها، ويجتمع بعضه إلى بعض. قال الأصمعى: وأخبرنى عيسى بن عمر، عن الأسود الديلى أنه قال: إن فلانًا إذا سئل أرز وإذا دُعى اهتز. قال أبو عبيد: يعنى: إذا سئل المعروف تضام، وإذا دعي إلى طعام وغيره مما يناله اهتز لذلك.” انتهى، من “شرح ابن بطال على صحيح البخاري” (4/548).
وقال الإمام أبو العباس القرطبي، رحمه الله:
” وهذا منه – صلى الله عليه وسلم – إخبار بما كان في عصره وعصر من يليه من أصحابه وتابعيهم، من حيث إن المدينة دار هجرتهم ومقامهم، ومقصدهم وموضع رحلتهم في طلب العلم والدين، ومرجعهم فيما يحتاجون إليه من مهمات دينهم ووقائعهم، حتى لقد حصل للمدينة من الخصوصية بذلك ما لا يوجد في غيرها.” انتهى من “المفهم” (1/363-364).
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: “قوله: (كما تأزر الحية إلى جحرها) أي أنها كما تنتشر من جحرها في طلب ما تعيش به ، فإذا راعها شيء رجعت إلى جحرها، كذلك الإيمان انتشر في المدينة، وكل مؤمن له من نفسه سائق إلى المدينة ، لمحبته في النبي صلى الله عليه وسلم فيشمل ذلك جميع الأزمنة؛ لأنه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم للتعلم منه، وفي زمن الصحابة والتابعين وتابعيهم للاقتداء بهديهم، ومن بعد ذلك لزيارة قبره صلى الله عليه وسلم والصلاة في مسجده والتبرك بمشاهدة آثاره وآثار أصحابه” انتهى من “فتح الباري” (4/ 93).
ثانيا: عيسى عليه السلام ينزل بدمشق
وأما عيسى عليه السلام فينزل بدمشق، كما في حديث النواس بن سمعان عند مسلم (2937) وفيه: فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللهُ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ، فَيَنْزِلُ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ وفيه بعد قتل الدجال: فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَوْحَى اللهُ إِلَى عِيسَى: إِنِّي قَدْ أَخْرَجْتُ عِبَادًا لِي، لَا يَدَانِ لِأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ، فَحَرِّزْ عِبَادِي إِلَى الطُّورِ وَيَبْعَثُ اللهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ ولم نقف على أنه سيعيش بمصر بعد ذلك.
وقد ثبت أنه يمكث في الأرض أربعين سنة، كما روى أحمد (9270)، وأبو داود (4324) وفيه: فَيَدُقُّ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ، وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ، وَيَدْعُو النَّاسَ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَيُهْلِكُ اللهُ فِي زَمَانِهِ الْمِلَلَ كُلَّهَا إِلَّا الْإِسْلَامَ، وَيُهْلِكُ اللهُ فِي زَمَانِهِ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ، ثُمَّ تَقَعُ الْأَمَنَةُ عَلَى الْأَرْضِ حَتَّى تَرْتَعَ الْأُسُودُ مَعَ الْإِبِلِ، وَالنِّمَارُ مَعَ الْبَقَرِ، وَالذِّئَابُ مَعَ الْغَنَمِ، وَيَلْعَبَ الصِّبْيَانُ بِالْحَيَّاتِ، لَا تَضُرُّهُمْ، فَيَمْكُثُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، ثُمَّ يُتَوَفَّى، وَيُصَلِّي عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ .
وصححه ابن كثير، وابن حجر ومحققو المسند.
ولم يرد في السنة شيء بأن الإيمان يأرز إلى مصر، أو أنه يكون فيها خلافة المسلمين، أو أنها تكون عامرة أو خربة، فلا وجه لاستشكالك.
وقد جاء أنه يدفن في المدينة، فلعل عيشه يكون بها.
روى الترمذي (3617) عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، قَالَ: ” مَكْتُوبٌ فِي التَّوْرَاةِ صِفَةُ مُحَمَّدٍ ، وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ يُدْفَنُ مَعَهُ” . قَالَ: فَقَالَ أَبُو مَوْدُودٍ وَقَدْ بَقِيَ فِي البَيْتِ مَوْضِعُ قَبْرٍ.
قال الترمذي: “هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ” . هَكَذَا قَالَ: عُثْمَانُ بْنُ الضَّحَّاكِ، وَالمَعْرُوفُ الضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ الْمَدِينِيُّ.
والحديث ضعفه الألباني في “ضعيف الترمذي”.
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (13792) : ” وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ قَالَ: ” يُدْفَنُ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وَصَاحِبَيْهِ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا – فَيَكُونُ قَبْرُهُ رَابِعًا” : رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَفِيهِ عُثْمَانُ بْنُ الضَّحَّاكِ، وَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَضَعَّفَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمِزِّيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذَا فِي تَرْجَمَتِهِ، وَعَزَاهُ إِلَى التِّرْمِذِيِّ وَقَالَ: حَسَنٌ، وَلَمْ أَجِدْهُ فِي الْأَطْرَافِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ”.
وقيل يدفن في الشام.
قال القرطبي – رحمه الله -: ” واختلف حيث يدفن فقيل: بالأرض المقدسة ذكره الحليمي، وقيل: يدفن مع النبي صلى الله عليه وسلم على ما ذكرناه من الأخبار” انتهى من “التذكرة “ص1304، وانظر “لوامع الأنوار البهية” (2 / 113) .
ثالثا: قوة المسلمين آخر الزماة تكون ببلاد الشام
أما قوة المسلمين في ذلك الزمن، فإنها تكون ببلاد الشام؛ لما روى أبو داود (4298) عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ فُسْطَاطَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ الْمَلْحَمَةِ بِالْغُوطَةِ، إِلَى جَانِبِ مَدِينَةٍ يُقَالُ لَهَا: دِمَشْقُ، مِنْ خَيْرِ مَدَائِنِ الشَّامِ والحديث صححه الألباني.
وجاء أن المدينة تخرب حينئذ، كما روى أحمد (22023) وأبو داود (9294) عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عُمْرَانُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ خَرَابُ يَثْرِبَ، وَخَرَابُ يَثْرِبَ خُرُوجُ الْمَلْحَمَةِ، وَخُرُوجُ الْمَلْحَمَةِ فَتْحُ قُسْطَنْطِينِيَّةَ، وَفَتْحُ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ خُرُوجُ الدَّجَّالِ ، ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى فَخِذِ الَّذِي حَدَّثَهُ، – أَوْ مَنْكِبِهِ – ثُمَّ قَالَ: إِنَّ هَذَا لَحَقٌّ كَمَا أَنَّكَ هَاهُنَا ، أَوْ كَمَا أَنَّكَ قَاعِدٌ ، يَعْنِي مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ.
والحديث مختلف في صحته، حسنه الألباني، وضعفه محققو المسند.
وقد صح أن المدينة تخرب آخر الزمان بعد ذلك بمدة، كما روى البخاري (1874) ومسلم (1389) عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: يَتْرُكُونَ المَدِينَةَ عَلَى خَيْرِ مَا كَانَتْ، لاَ يَغْشَاهَا إِلَّا العَوَافِ – يُرِيدُ عَوَافِيَ السِّبَاعِ وَالطَّيْرِ – وَآخِرُ مَنْ يُحْشَرُ رَاعِيَانِ مِنْ مُزَيْنَةَ، يُرِيدَانِ المَدِينَةَ، يَنْعِقَانِ بِغَنَمِهِمَا فَيَجِدَانِهَا وَحْشًا، حَتَّى إِذَا بَلَغَا ثَنِيَّةَ الوَدَاعِ، خَرَّا عَلَى وُجُوهِهِمَا .
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم: ” وأما معنى الحديث فالظاهر المختار: أن هذا الترك للمدينة يكون في آخر الزمان عند قيام الساعة ، وتوضحه قصة الراعيين من مزينة ، فإنهما يخران على وجوههما حين تدركهما الساعة ، وهما آخر من يحشر ، كما ثبت في صحيح البخاري ؛ فهذا هو الظاهر المختار” انتهى.
والحاصل :
أن الإيمان يأرز إلى المدينة في جميع الأزمنة، وأن عيسى عليه السلام يكون في المدينة أو الشام بعد هلاك يأجوج ومأجوج، وأنه لا ذكر لمصر في هذه الملاحم، إلا أن عيسى عليه السلام يحرّز المؤمنين بجبل الطور ، إلى أن يهلك يأجوج ومأجوج، وأن فسطاط المسلمين وموضع قوتهم عند الملاحم : بلاد الشام.
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب