هل يجوز القنوت في الصلوات عند تفشي الوباء؟ وهل يجوز في صلاة دون صلاة، يعنى القنوت في صلاتين أو أكثر؟
هل يجوز القنوت في الصلاة عند نزول الوباء ؟
السؤال: 334158
Table Of Contents
أولا: القنوت للنوازل في الصلوات المفروضة
شرع القنوت في الصلوات الخمس للنوازل التي تحل بالمسلمين، وسبق بيان هذا في جواب السؤال رقم : (126258).
والوباء العام هو من النوازل التي يشرع الدعاء برفعها في الصلوات الخمس وغيرها .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
" والأحاديث في مشروعية الدعاء للمريض بالعافية والشفاء ، وكذلك الاحاديث في الاستعاذة من الجنون والجذام وسيّء الأسقام ، والاستعاذة من منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء والأدواء أكثر من أن تحصر ، وأشهر من أن تذكر " انتهى من "بذل الماعون" (ص 317 – 318).
وبوّب البخاري في "الصحيح": " بَابُ الدُّعَاءِ بِرَفْعِ الوَبَاءِ وَالوَجَعِ ".
وساق حديث دعاء النبي صلى الله عليه وسلم برفع الحمّى عن المدينة، كما في حديث عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا المَدِينَةَ كَمَا حَبَّبْتَ إِلَيْنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ، وَانْقُلْ حُمَّاهَا إِلَى الجُحْفَةِ، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي مُدِّنَا وَصَاعِنَا رواه البخاري (6372)، ومسلم (1376).
وسبب ذلك الدعاء: أنهم لما قدموا بعد الهجرة، كانت المدينة بها وباء.
قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: " وَقَدِمْنَا المَدِينَةَ وَهِيَ أَوْبَأُ أَرْضِ اللَّهِ، قَالَتْ: فَكَانَ بُطْحَانُ يَجْرِي نَجْلًا. تَعْنِي مَاءً آجِنًا" رواه البخاري (1889).
قال النووي رحمه الله تعالى:
" وفيه : الدعاء للمسلمين بالصحة وطيب بلادهم والبركة فيها وكشف الضر والشدائد عنهم ، وهذا مذهب العلماء كافة… " انتهى من "شرح صحيح مسلم" (9 / 150).
والمراد بهذا الدعاء، الذي هو مشروع عند عامة أهل العلم: الدعاء من غير قنوت، كما هو المعروف من شأن الدعاء العام، سواء في الصلاة، أو خارج الصلاة.
ثانيا: خلاف العلماء في مشروعية القنوت لرفع الوباء
اختلف أهل العلم في مشروعية القنوت لرفع الوباء :
فذهب الشافعية إلى مشروعيته ، بل استحبابه.
جاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية" (34 / 66):
" للشافعية في الصحيح المشهور وبعض المالكية: وهو أنه إذا نزلت بالمسلمين نازلة، كوباء، وقحط، أو مطر يضر بالعمران أو الزرع، أو خوف عدو، أو أسر عالم : قنتوا في جميع الصلوات المكتوبة.
قال النووي: مقتضى كلام الأكثرين أن الكلام والخلاف في غير الصبح : إنما هو في الجواز، ومنهم من يشعر إيراده بالاستحباب.
قلت: الأصح استحبابه، وصرح به صاحب العدة، ونقله عن نص الشافعي في الإملاء " انتهى.
والقول الثاني: أنه لا يشرع القنوت لرفع الوباء .
قال ابن مفلح رحمه الله تعالى:
" ويتوجه لا يقنت لرفع الوباء في الأظهر ، لأنه لم يثبت القنوت في طاعون عمواس، ولا في غيره، ولأنه شهادة ، فلا يسأل رفعه " انتهى من"الفروع" (2 / 367).
والظاهر أن أقوى ما يتمسك به في عدم قنوت النازلة لرفع الوباء، أنه : لم يثبت عن السلف في طاعون عمواس ، ونحوه ؛ وإلا، فإن كونه شهادة لا يمنع من القنوت لرفعه ، كما أننا ندعو للمجاهدين بالسلامة والنصر على عدوهم ، مع أن قتل المجاهد على يد الكفار شهادة .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
" فكونه نازلة – أي الطاعون- إنما جاء من إصابته للجمّ الغفير في الزمن اليسير، بخلاف ما لو وقع الموت به لواحد بعد واحد. وكونه رحمة، ومن يموت به يكون شهيدا، لا يدفع كونه نازلة؛ كما أن العدو إذا نزلوا بلد المسلمين، فإنه لا يُتوقف عن الدعاء للمسلمين بالسلامة والنصر على أعدائهم، وإن كان من يموت بأيدي العدو حينئذ يكون شهيدا لا محالة.
و إلى هذا الجواب نحا تاج الدين السبكي " انتهى من "بذل الماعون" (ص 324).
وبالمشروعية أفتت "اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء":
" القنوت في الفجر غير مشروع ، إلا في حالة النوازل ، كحلول الوباء أو حصار العدو للبلاد أو تسلطه على المسلمين، ففي هذه الحال يشرع القنوت في صلاة الفجر وغيرها كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عبد العزيز آل الشيخ ، صالح الفوزان ، عبد الله بن غديان ، عبد الرزاق عفيفي ، عبد العزيز بن عبد الله بن باز " انتهى من"فتاوى اللجنة الدائمة – المجموعة الثانية" (5 / 392).
ثالثا: لا حرج من القنوت في صلاة دون أخرى
القنوت سنة مستحبة ، وليس واجبا ، فلا حرج عند وجود سببه من القنوت في صلاة دون أخرى.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
" القنوت في النوازل مشروع في جميع الصلوات، كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، وليس خاصا بصلاة الفجر والمغرب، وليس خاصا بليلة أو يوم معين من الأسبوع، بل هو عام في كل أيام الأسبوع وفي جميع الصلوات.
نعم لو رأى الإمام من المأمومين مللا وتضجرا من القنوت ، فليكن في صلاة الفجر أو في صلاة المغرب؛ لأن هذا هو الأكثر من فعل الرسول صلى الله عليه وسلم، وإن شاء جعله في غيرهما.
المهم أنه إذا أحس بملل أو ضجر من الناس ، فلا يتعب الناس في أمر مستحب، ويمكنه أن يتدارك ذلك بالتناوب، أي: صلاة بعد صلاة، أو يخصه بصلاة الفجر والمغرب.
ولكني أنبه هنا على أن قنوت النوازل ليس هو قنوت الوتر الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي وهو ( اللهم اهدنا فيمن هديت )، فإن هذا لا يشرع في قنوت النوازل؛ لأن الوارد عن النبي عليه الصلاة والسلام في قنوت النوازل أن يكون دعاؤه في نفس النازلة التي قنت من أجلها، سواء كان يدعو لقوم أو يدعو على قوم، المهم ألا يذكر في هذا القنوت إلا ما يتعلق بهذه النازلة فقط. " انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (5 / 40).
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة