في هذه الفتوى (323910) نقلتم حديثا عن شجرة طوبى، وأنها تنبت الحلي والحلل، وقد رواه الفرات بن أبي الفرات، لكني قرأت أن فيه وضاعا، فهل الروايات التي فيها وضاعون وكذابون تصلح كشواهد أو طرق؟ وما هي الروايات التي صحت في تلك الشجرة؟ فقد قرأت أنها تنبت حتى الحور والولدان والحيوانات من مصادر مختلفة لكن بدون ذكر أسانيد .
ما ورد من أحاديث في شجرة طوبى
السؤال: 334978
Table Of Contents
أولا: الضعف المعتبر في الشواهد والمتابعات
من المتقرر في علم الحديث أن الضعف الذي يعتبر به في الشواهد والمتابعات يشترط فيه أن لا يكون شديدا كأن يصل ضعف الراوي إلى حدّ الترك.
قال ابن كثير رحمه الله تعالى:
" ويغتفر في باب " الشواهد والمتابعات " ، من الرواية عن الضعيف القريب الضعف : ما لا يغتفر في الأصول، كما يقع في الصحيحين وغيرهما مثل ذلك . ولهذا يقول الدارقطني في بعض الضعفاء: "يصلح للاعتبار"، أو "لا يصلح أن يعتبر به" والله أعلم. " انتهى من"الباعث الحثيث" (ص 59).
وقال السيوطي رحمه الله تعالى:
" (وإذا قالوا: متروك الحديث، أو واهيه، أو كذاب، فهو ساقط لا يكتب حديثه) ولا يعتبر به، ولا يستشهد، إلا أن هاتين مرتبتان، وقبلهما مرتبة أخرى، لا يعتبر بحديثها أيضا، وقد أوضح ذلك العراقي.
فالمرتبة التي قبل، وهي الرابعة، رد حديثه، ردوا حديثه، مردود الحديث، ضعيف جدا، واه بمرّة، طرحوا حديثه، مطرح، مطرح الحديث، ارم به، ليس بشيء، لا يساوي شيئا.
ويليها، متروك الحديث، متروك، تركوه، ذاهب، ذاهب الحديث، ساقط، هالك، فيه نظر، سكتوا عنه، لا يعتبر به، لا يعتبر بحديثه، ليس بالثقة، ليس بثقة، غير ثقة ولا مأمون، متهم بالكذب أو بالوضع.
ويليها كذاب، يكذب، دجال، وضاع، يضع، وضع حديثا. " انتهى من "تدريب الراوي" (1 / 409).
وهذا ما يقرره الشيخ الألباني رحمه الله تعالى في تحقيقاته؛ فإنه كثيرا ما يقرر أن الحديث أو الإسناد لا يصلح للاستشهاد أو المتابعة، بسبب شدة الضعف، كقوله رحمه الله تعالى عن حديث:
" … إنه لا يصلح شاهدا لشدة ضعفه كما سبق، فقد قال ابن الصلاح وتبعه جماعة:
" لا يلزم من ورود الحديث من طرق متعددة أن يكون حسنا ؛ لأن الضعف يتفاوت، فمنه ما لا يزول بالمتابعات ، كرواية الكذابين والمتروكين ".
قلت: وهذا الحديث من هذا القبيل، فإن في الطريقين الأوليين متهمين، وفى الثالث وضاعا،. فمن حسن الحديث من المعاصرين ، فقد غفل عن القاعدة التي نقلناها عن ابن الصلاح… " انتهى من "إرواء الغليل" (2 / 254).
ثانيا: الكلام في سبب ضعف الحديث المذكور
ما رواه ابن جرير الطبري في "التفسير" (13 / 528)؛ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ شَبِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ الْجُرَيْرِيُّ، عَنْ فُرَاتِ بْنِ أَبِي الْفُرَاتِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ ، شَجَرَةُ غَرَسَهَا اللَّهُ بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فِيهَا مِنْ رُوحِهِ، تَنْبُتُ بِالْحُلِيِّ وَالْحُلَلِ، وَإِنَّ أَغْصَانَهَا لَتُرَى مِنْ وَرَاءِ سُورِ الْجَنَّةِ .
فالجريري هذا، في طبعة الشيخ محمود شاكر رحمه الله تعالى: ورد باسم "الجزري"، ولهذا ترجح لدى محققه أنه محمد بن زياد الطحان، فعقّب عليه بقوله:
" و" محمد بن زياد الجزري"، لعله هو" الرقي"، لأن الرقة معدودة من الجزيرة. وهو "محمد بن زياد اليشكري الطحان، الميمون الرقي"، وهو كذاب خبيث يضع الحديث، روى عن شيخه الميمون بن مهران وغيره الموضوعات " انتهى من "تفسير الطبري، بتحقيق الشيخ محمود شاكر" (16 / 447).
وقد حكم الشيخ الألباني على الحديث بالوضع أيضا، لكن وقف على اسم محمد بن زياد باسم "الجريري"، ولهذا نص على أنه لم يعرفه، حيث قال رحمه الله تعالى:
" موضوع.
أخرجه ابن جرير في "تفسيره": حدثنا الحسن بن شبيب قال: حدثنا محمد بن زياد الجريري، عن فرات بن أبي الفرات، عن معاوية بن قرة، عن أبيه مرفوعا.
قلت: وهذا موضوع؛ آفته الحسن بن شبيب؛ قال ابن عدي:
"حدث بالبواطيل عن الثقات".
والجريري؛ لم أعرفه.
وفرات؛ فيه كلام " انتهى. "السلسلة الضعيفة" (8 / 294).
وأما قوله في "السلسلة الصحيحة" (4 / 639):
" ويشهد له ما رواه فرات ابن أبي الفرات ، عن معاوية بن قرة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " (طوبى لهم وحسن مآب) شجرة غرسها الله بيده، ونفخ فيها من روحه بالحلي والحلل، وإن أغصانها لترى من وراء سور الجنة ". أخرجه ابن جرير.
وفرات هذا قال ابن أبي حاتم (3 / 2 / 80) عن أبيه: " صدوق لا بأس به ".
وضعفه غيره " انتهى.
فلا نعلم سبب سكوت الشيخ هنا عن الراويين بعد فرات ، وهما الجريري والحسن بن شبيب.
فعله سها عن ذلك؛ رحمه الله.
ثالثا: الأحاديث الواردة في شجرة طوبى لا تخلو اسانيدها من ضعف
الأحاديث الواردة في شجرة طوبى لا تخلو أسانيدها من ضعف أو نظر، ولذا تتنازع فيه اجتهادات أهل العلم، كالحاصل في الأحاديث التي محل السؤال ومرت في الجواب رقم :(323910).
وكما ورد عند الإمام أحمد في "المسند" (29 / 191 – 192)، وعبد الرزاق في "الأمالي" (132)، وغيرهما؛ عن مَعْمَر، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ زَيْدٍ الْبُكَالِيِّ، أَنَّهُ سَمِعَ عُتْبَةَ بْنَ عَبْدٍ السُّلَمِيِّ، يَقُولُ:
" جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلَهُ عَنِ الْحَوْضِ، وَذَكَرَ الْجَنَّةَ، ثُمَّ قَالَ الْأَعْرَابِيُّ: فِيهَا فَاكِهَةٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَفِيهَا شَجَرَةٌ تُدْعَى طُوبَى ، فَذَكَرَ شَيْئًا لَا أَدْرِي مَا هُوَ؟ قَالَ: أَيُّ شَجَرِ أَرْضِنَا تُشْبِهُ؟ قَالَ: لَيْسَتْ تُشْبِهُ شَيْئًا مِنْ شَجَرِ أَرْضِكَ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتَيْتَ الشَّامَ؟ فَقَالَ: لَا، قَالَ: تُشْبِهُ شَجَرَةً بِالشَّامِ تُدْعَى الْجَوْزَةُ، تَنْبُتُ عَلَى سَاقٍ وَاحِدٍ، وَيَنْفَرِشُ أَعْلَاهَا ، قَالَ: مَا عِظَمُ أَصْلِهَا؟ قَالَ: لَوْ ارْتَحَلَتْ جَذَعَةٌ مِنْ إِبِلِ أَهْلِكَ، مَا أَحَطْتَ بِأَصْلِهَا حَتَّى تَنْكَسِرَ تَرْقُوَتُهَا هَرَمًا .
قَالَ: فِيهَا عِنَبٌ؟ قَالَ: نَعَمْ .
قَالَ: فَمَا عِظَمُ الْعُنْقُودِ؟ قَالَ: مَسِيرَةُ شَهْرٍ لِلْغُرَابِ الْأَبْقَعِ، وَلَا يَفْتُرُ ، قَالَ: فَمَا عِظَمُ الْحَبَّةِ؟ قَالَ: هَلْ ذَبَحَ أَبُوكَ تَيْسًا مِنْ غَنَمِهِ قَطُّ عَظِيمًا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَسَلَخَ إِهَابَهُ فَأَعْطَاهُ أُمَّكَ، قَالَ: اتَّخِذِي لَنَا مِنْهُ دَلْوًا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ الْأَعْرَابِيُّ: فَإِنَّ تِلْكَ الْحَبَّةَ لَتُشْبِعُنِي وَأَهْلَ بَيْتِي؟ قَالَ : نَعَمْ وَعَامَّةَ عَشِيرَتِكَ .
ورواه الطبري في "التفسير" (13 / 528)، وابن حبان في "صحيحه" (7414)، وغيرهما: من طريق مُعَاوِيَة بْنِ سَلَّامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَخِي زَيْد بْنُ سَلَّامٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَلَّامٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَامِرُ بْنُ زَيْدٍ الْبِكَالِيُّ، عن عُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ السُّلَمِيِّ.
ورواته ثقات، غير عامر البكالي: تابعي معدود في أهل الشام، ذكره البخاري في "التاريخ الكبير" (6 / 452)، وابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (6 / 320)، ولم يذكرا فيه جرحا ولا تعديلا، وذكره ابن حبان في "الثقات" (5 / 191).
وعلق محققو المسند على الحديث؛ بأنه:
" إسناده قابل للتحسين، عامر بن زيد البكالي- وقيل عمرو- روى عنه اثنان، وذكره ابن حبان في "الثقات" 5/191، وخرج له في "صحيحه" " انتهى.
وقال الشيخ الألباني رحمه الله في "صحيح الترغيب" (3 / 508): "صحيح لغيره".
والله أعلم.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب