0 / 0
15,10001/10/2020

حكم قول: لعنتك الآلهة

السؤال: 335855

لي صديق كثيرا ما نستعمل عند مزاحنا عبارات، مثل قبحتك الآلهة، أو فليحل عليك غضب هبل، أو لعنة الجبل عليهم، فهل يجوز اللعن بالأمور الخيالية أو الجامدة بغرض اللهو واللعب، أم حكمها كمن لعن بالله ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

قول الإنسان: لعلنتك الآلهة، فيه منكران عظيمان:

أحدهما: إثبات آلهة مع الله تقدر أن تَلعن، تعالى عن ذلك علوا كبيرا، فلا إله حق إلا الله، ولا إله يقدر أن يَلعن إلا الله.

فهذا القول كفر بالله تعالى، وفعله على سبيل المزاح لا يخرجه عن كونه كفرا، ومثله لو قال: عليك لعنة هبل ، أو الجبل.

قال الله تعالى:  وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ  التوبة / 65 – 66.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " فبين أنهم كفار بالقول ، مع أنهم لم يعتقدوا صحته" انتهى من "الصارم المسلول"(ص 523).

وقال رحمه الله: "وبالجملة: فمن قال أو فعل ما هو كفر : كَفَرَ بذلك ، وإن لم يقصد أن يكون كافرا؛ إذ لا يقصد الكفر أحد ، إلا ما شاء الله " انتهى من "الصارم المسلول" (ص 184).

والمحذور الثاني: لعن المعين، والراجح تحريمه ، ولو لكافر أو فاسق ؛ فكيف بلعن المسلم غير الفاسق، وانظر جواب السؤال رقم : (36674) .

وقد قال صلى الله عليه وسلم :  لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلَا اللَّعَّانِ وَلَا الْفَاحِشِ وَلَا الْبَذِيءِ   رواه الترمذي (1977) وصححه الألباني في "صحيح الترمذي" .

واللعان : كثير اللعن .

وروى الترمذي أيضا (2019) عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :   لَا يَكُونُ الْمُؤْمِنُ لَعَّانًا   وصححه الألباني في "صحيح الترمذي" .

وهذا يقتضي تحريم الإكثار من اللعن ، لأن الإيمان لا يُنفَى إلا لترك واجب أو فعل محرم .

ولهذا كان من أسباب دخول النار : الإكثار من اللعن ، كما روى البخاري (304)، ومسلم (80) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَضْحَى أَوْ فِطْرٍ إِلَى الْمُصَلَّى فَمَرَّ عَلَى النِّسَاءِ فَقَالَ :   يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ ؛ فَإِنِّي أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ  !!

فَقُلْنَ : وَبِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟

قَالَ :   تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ ، وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ، مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ   الحديث .

وروى مسلم (2599) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ قَالَ :   إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا ، وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً  .

وروى مسلم أيضا (2597) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :   لَا يَنْبَغِي لِصِدِّيقٍ أَنْ يَكُونَ لَعَّانًا  .

وروى مسلم (2598) عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :  إِنَّ اللَّعَّانِينَ لَا يَكُونُونَ شُهَدَاءَ وَلَا شُفَعَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ .

قال النووي رحمه الله في "شرح مسلم" : " ( لَا يَنْبَغِي لِصِدِّيقِ أَنْ يَكُون لَعَّانًا وَلَا يَكُون اللَّعَّانُونَ شُهَدَاء وَلَا شُفَعَاء يَوْم الْقِيَامَة ) : فِيهِ الزَّجْر عَنْ اللَّعْن , وَأَنَّ مَنْ تَخَلَّقَ بِهِ لَا يَكُون فِيهِ هَذِهِ الصِّفَات الْجَمِيلَة , لِأَنَّ اللَّعْنَة فِي الدُّعَاء : يُرَاد بِهَا الْإِبْعَاد مِنْ رَحْمَة اللَّه تَعَالَى .

وَلَيْسَ الدُّعَاء بِهَذَا مِنْ أَخْلَاق الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ وَصَفَهُمْ اللَّه تَعَالَى بِالرَّحْمَةِ بَيْنهمْ وَالتَّعَاوُن عَلَى الْبِرّ وَالتَّقْوَى , وَجَعَلَهُمْ كَالْبُنْيَانِ يَشُدّ بَعْضه بَعْضًا , وَكَالْجَسَدِ الْوَاحِد , وَأَنَّ الْمُؤْمِن يُحِبّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبّ لِنَفْسِهِ .

فَمَنْ دَعَا عَلَى أَخِيهِ الْمُسْلِم بِاللَّعْنَةِ , وَهِيَ الْإِبْعَاد مِنْ رَحْمَة اللَّه تَعَالَى، فَهُوَ مِنْ نِهَايَة الْمُقَاطَعَة وَالتَّدَابُر , وَهَذَا غَايَة مَا يَوَدّهُ الْمُسْلِم لِلْكَافِرِ , وَيَدْعُو عَلَيْهِ . وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيث الصَّحِيح :   ( لَعْن الْمُؤْمِن كَقَتْلِهِ ) ؛ لِأَنَّ الْقَاتِل يَقْطَعهُ عَنْ مَنَافِع الدُّنْيَا , وَهَذَا يَقْطَعهُ عَنْ نَعِيم الْآخِرَة وَرَحْمَة اللَّه تَعَالَى .

وَقِيلَ : مَعْنَى لَعْن الْمُؤْمِن كَقَتْلِهِ فِي الْإِثْم , وَهَذَا أَظْهَر " انتهى .

وإذا كان الأمر على ما في هذه الأحاديث الشريفة ، فكيف يرضى المسلم لنفسه هذه المنزلة ؟! أن تفوته مرتبة الصديقية والشهادة والشفاعة يوم القيامة !

وبهذا تعلم أن هذا اللعن منكر، وأنه انضاف له ما هو أعظم ، وهو الكفر، عافانا الله، فعلى صاحبك أن يتوب إلى الله تعالى، وأن يقلع عن ذلك كله.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

answer

موضوعات ذات صلة

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android